بقلم: قسول جلول بتاريخ 23/01/2016 وعلى التاسعة ليلا كنت ضيفا على قناة نوميديانيوز الجزائرية في برنامج قضايا للنقاش وبعد الترحيب ومقدمة للموضوع ذكر المقدم بأن الجزائر تجتاحها موجة من الإلحاد والكفر تصل نسبتها إلى40/100 كما ذكر بأن حتى الذين يدعون الإسلام ففي إسلامهم ريب وشك ونفاق ونسبتهم تفوق 20/100 وهذا حسب قوله بأن هذه المعلومات نشرتها مجموعة من مواقع التواصل الاجتماعي تنتقد فيها سياسة الإكراه والتضييق على الحريات والمعتقدات الدينية وذكر بأن هناك من أعلنوا خروجهم عن الإسلام طوعا أمام الملأ بتصريحاتهم وكتاباتهم وسبهم للدين ممن تعرفون ويعرف القارئ الكريم ّ! هل هذه قضية تناقش أمام الملأ؟ هذه المسائل الكبيرة والخطير أنها تمس العقيدة لا يصح الكلام عنها ومناقشتها وإثارتها والتشهير بها لأن أعداء المجتمع يترصدون ويبنون مقدمات ليصلوا إلى نتائج تمس بالوحدة الدينية والمرجعية الفكرية للمجتمع كما هو مشاهد في الدول العربية والصورة لا تحتاج إلى تعليل وتدليل... وقبل هذا ما فائدة إثارة هذا الموضوع ؟ وفي هذا الوقت ؟ هل يقصد به طلب الهداية لهؤلاء؟ أم إثارة موضوع مراجعة قانون الحريات الدينية لغير المسلمين في التغيير الجديد للدستور ؟ أم أن رفع حرمة الدين عن بعض الأشخاص بأنهم كفرة ؟حتى نعطي الشرعية الدينية للمتطرفين للنيل منهم. أن هؤلاء من ذكرناهم ولا نذكرهم يمثلون أنفسهم فهم قليل والقليل شاذ والشاذ يحفظ ولايقاس عليه وأن نسبة الإلحاد التي ذكرت تعكس حجم المؤامرة وتعكس نسبة التدين والتمسك بالدين أكثر من ذي قبل مما لفت انتباههم وعليه فإن الحكم على هؤلاء بالإلحاد وبالردة ليس من اختصاص العامة بل هو من اختصاص أهل الاختصاص وإلا وقعنا فيما وقعت فيه بعض الدول وما فيها من الملل والنحل يكفر بعضها بعضا ويبيح دمها ولا نحكم على هؤلاء بالردة والإلحاد إلا بعد معرفة مفهوم الإلحاد ومفهوم الردة وهما موضوعان في غاية الخطورة وقبل الكلام عنهما يجب أن نعرف بأن الإسلام دين متكامل لا نأخذ ببعض ونكفر ببعض كما قال تعالى أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) (..البقرة 85). ما هو الإلحاد؟ مفهوم الإلحاد في العقيدة - باختصار - هو: إنكار المعلوم من الدين بالضرورة. وإذا أردنا شرحا لهذه العبارة قلنا: المعلوم من الدين بالضرورة هو كل أمر لا نحتاج في اثبات وجوده في الدين إلى دليل كقولك: إن الإسلام يدعو إلى الإيمان بالقرآن كتابا منزلا وإلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا أو كقولك: إن كلمة (قل) هي أول كلمة في سورة الإخلاص وأن الوقوف بعرفة ركن في أعمال الحج الخ... وإذن فالإلحاد هو إنكار أمر موجود في الدين لا نحتاج في إثبات وجوده فيه إلى دليل كبير هذا الأمر كالقول بوحدانية الله أو صغير كالقول بغسل الوجه في الوضوء وذلك لأن إنكار أمر من هذه الأمور يصعد إلى مرتبة الكفر لأنه يعنى تكذيب الله أو تكذيب رسوله وهذا أقصى درجات الكفر أو هو الإيمان ببعض الكتاب دون بعض (أفتؤمنون ببعض الكتاب دون بعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون. أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون(85-86 البقرة) إلخ .... وفي التنظيم الاجتماعي: حيث تقوم بعض الدعاوى في هذا المجال على إنكار الدين واعتباره يقف ضد التقدم الاجتماعي أو إنكار دوره - على الأقل _ في عملية التنظيم الاجتماعي وقطع علاقته بالأخلاق. وفي قضايا التشريع: حيث يجري اتهام الدين في نظرته إلى عدم معالجة القضايا الاجتماعية. التعريف المبسط للردة: الردة: هي الرجوع عن دين الإسلام إلى الكفر أو هي قطع الإسلام بالكفر قال تعالى ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة. وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) البقرة217. والمرتد: هو الذي يكفر بعد إسلامه بقول أو فعل أو اعتقاد أو شك. وتعريفات المذاهب الأربعة وغير الأربعة للردة والمرتد تدور كلها حول هذاالمعنى: وذلك لأن الكفر قد يقع بعمل اللسان هو القول) أو بعمل الجوارح (وهو الفعل) أو بعمل القلب (وهو الاعتقاد أو الشك). وأن الحكم بالردة في الدنيا لا يكون إلا بقول مُكَفِّر أو فعل مُكَفِّر. فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة. رواه البخاري ومسلم وغيرهما وقال صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه. رواه البخاري وغيره. ولهذه الأدلة وغيرها أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على عقوبة المرتد وجمهورهم - بما فيهم المذاهب الأربعة وغيرها - أنها القتل لصريح الأحاديث النبوية. ولكن الحكم على المرتد لا يكون إلا من قبل القضاء الشرعي والتنفيذ لا يكون إلا من قبل ولي أمر المسلمين ولا يجوز الحكم على شخص معين بالردة أو تنفيذ الحكم عليه إلا إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع وفي حال توفر الشروط وانتفاء الموانع ومحاولة إقناعه بالرجوع إلى الإسلام بالجدال بالتي هي أحسن وإزالة ما عنده من الشبه ويؤجل ما رجيت توبته والردة اعتداء على أولى الكليات أو الضروريات الخمس التي تواترت الأديان السماوية بالحفاظ عليها وهي: الدين والنفس والنسل والعقل والمال. ولا يوجد مجتمع في الدنيا إلا وعنده ثوابت أساسية لا يسمح بالنيل منها والردة ليست مجرد موقف عقلي بل هي تغيير للولاء وتبديل للهوية وتحويل للانتماء فالمرتد ينقل ولاءه وانتماءه إلى أمة أخرى وإلى وطن آخر وما يقال عن الردة عن الدين يقال عن الثوابت ... الاعتداء على العرض الاعتداء على المال الاعتداء على النفس والاعتداء على العقل. يجب أن نشجع التفكير بدون حدود والتعبير بدون قيود ونحرم شيئاً واحدا وهو استخدام هذه الحصص لفرض الآراء وإديولوجيات غير بريئة خروجا ودخولا ومن عنده قدرة على إقناع الناس فليلق حباله وعصيه ويسحر الناس؟ نحن نظن أننا إذا سمحنا للحق والباطل بفرص متكافئة أن الباطل لايهزم الحق؟! ولكن الذي ثبت أن الإسلام صمد عبر التاريخ ويكسب أتباعاً باستمرار في العالم الإسلامي وفي أوروبا ومثل لذلك أستاذ الرياضيات الأمريكي الملحد أسره القرآن فاعتنق الإسلام ولكن اتصاله بالمسلمين فجعه؟ إن مصيبتنا هي في العقل (النقلي) مع أن ابن خلدون قبل ستة قرون قال عن الأخبار إنه (إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم فيها العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني ولا قيس الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذاهب فلا يأمن فيها الإنسان من العثور ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق) ليصل رحمه الله أن هذا هو ماوقع فيه كثير من أئمة النقل والمفسرين.