عندما كنا في سن الطفولة كنا ننتظر بفارغ الصبر أن تنهي الجدة تأديتها صلاة العشاء وتطوي سجادتها لكي نسارع بالإلتفاف حولها .. وننظر لشفتيها تنطق بقولها : صلوا على النبي فنردد وراءها متحفزين اللهم صلي وسلم عليه هكذا كانت تبدأ ليلة ممتعة من الإستماع للحكايات الممتعة التي كانت لجدة ترويها لنا وكانت تستحضر كل ليلة حكاية ذات مغزى عميق . الآن كلما تذكرنا إحدى تلك القصص أدركنا ماهو مغزاها كنا حينها فقط نستمتع بأحداثها أما الآن فقد أدركنا أن تلك القيم التي تحتويها قد تركزت بعمق في وجداننا بل وتشكلت شخصيتنا ومبادئنا على أساسها . عندما نكتشف أثر القصة في حياة الطفل خاصة إذا كانت مروية من أمه ندرك كم هي متعة مفقودة عند أطفال هذا الزمن حيث انشغلت الأم عن مجالسة أطفالها ولم تعد الجدة تعيش في بيت واحد مع أحفادها وبالتالي لم يعد الأطفال يستمتعون بسماع حكاياتها وإن وجدت جدة تعيش معهم فهم في شغل عنها بمشاهدة التلفاز.. . لقد دعت دراسة متخصصة عربية إلى إحياء فن الحكاية أو ما نسمية رواية القصة للأطفال الذي كانت تقوم به الجدات والأمهات في الأمسيات وذلك من خلال أسلوب معاصر وتوظيفه بأساليب حديثة في ظل تنوع فنون الأداء وأوضحت هذه الدراسة الصادرة عن المجلس العربي للطفولة والتنمية أن رواية القصص لم يعد قاصراً على الأمسيات المنزلية بل أصبح قاسماً مشتركاً لكل تجمعات الأطفال بداية من الروضة مروراً بالمكتبات ونهاية بالمعسكرات والرحلات الخلوية في بعض بلدان العالم . وتشير الدراسة إلى أن الجدات وكبار السن من السيدات لم يعدن وحدهن المسئولات عن ممارسة هذا الفن فيما لم يعد الحكي قاصراً على الحكايات الشعبية سواء كانت حكايات الحيوان أو الحكايات الخرافية ليشمل كل ما أبدع من القصص والقصص المصورة. ولاحظت هذه الدراسة أن وظائف الحكاية ليس مجرد وسيلة لقضاء أوقات الفراغ أو حكايات لشغل وقت الطفل ما قبل النوم بل ترتقي إلى هدف المساعدة في نمو الأطفال في كافة المجالات نمواً سوياً مؤكدة أن شكل جلسات الجدّة أثبتت جدواها في تثقيف الأطفال. وذكرت أن الدراسات التربوية والتعليمية والثقافية أثبتت أهميّة فن الحكي في تنمية عدد من المهارات والقدرات والخبرات التي تساعد على النمو السوي للطفل منها تنمية الإحساس بالأمن والأمان من خلال روح المودة والتعاطف والألفة التي تسود جلسات الحكي. وأضافت الدراسة أن جلسات الحكاية ... ُتنمي مهارات التواصل لدى الطفل خاصة مهارات الحديث والإنصات والتمهيد للقرآءة والكتابة . وكذلك تنميّة الجانب المعرفي بما قد تضيفه من معلومات حول العالم الواقعي والمُتخيّل . إن الإسلوب القصصي ينمي خيال الطفل بنقله إلى عوالم غير مألوفة وتقديم نماذج غريبة عليه و بالتالي تنمية قدراته الإبداعية من خلال مشاركته في فعل الحكي والأنشطة الأخرى المرتبطة به . و هناك عدّة قواعد يمكن الاسترشاد بها لممارسة فعل الحكي وقراءة القصة بصوت مرتفع للأطفال أهمها معرفة القصة المناسبة لكل مرحلة عمرية موضحة أن : - صغار الأطفال ( 4 - 6 سنوات ) ُيفضل لهم القصص القصيرة والحوار البسيط أو الحدث الواحد والشخصيات القليلة العدد - والأطفال من ( 6 _ 10 ) تناسبهم قصص الأنبياء والقصص الواردة في القرآن الكريم على أن تكون بأسلوب مبسط . - فيما ُيفضل للأكبر سناً القصص الواقعية وقصص الأبطال . ولقد أثبتت جميع الدراسات المتعلقة بحكايات الأطفال أن المرأة بطبيعتها وموهبتها الطبيعية كأم وحاضنة وراعية للصغار هي الأفضل والأكثر مهارة وقدرة وإبداعاً لعالم الحكايات ولرواية القصص أو قرآءتها للصغار. عزيزتي الأم : يجب أن تعلمي أن المرأة كانت وما زالت حتى العصر الحديث أفضل من الرجل في رواية القصة و لذلك نرجو منك أن تتوجهي لطفلك كل ليلة وتبحثي له عن حكاية تنقلي فيها خبرتك في الحياة وتغرسي من خلالها كل الفضائل والقيم التي تريدين أن تربيه عليها وثقي بأنك ستكونين في تلك اللحظات لسان الصدق الذي يبحث عنه ولا يجده في عالم الزيف المسمى التلفاز فلا تتحججي ِ بشعورك بالتعب بعد يوم عمل شاق وأنك لن تستطيعي أن تحكي لطفلك حكاية المساء.