عادة تحدد المطاعم قوانينها التي تفرض على الجميع احترام المكان، وباقي الزبائن، وغيرها، ولكنّ مطاعم وقاعات شاي أخرى لا تفعل، بل إنها في المقابل تفعل أيّ شيء من أجل أن تجلب أكبر قدر من الزبائن، حتى ولو كان لا يتعرض مع قوانين المطعم فحسب، ولكن مع المبادئ والأخلاق العامة، لكن المهم أن يدفع الزبون المال، وأن يكون ثريا، ولا يهم بعدها ما يفعله بالآخرين. مصطفى مهدي تماماً مثلما حدث لأحد الزبائن في إحدى المطاعم الفاخرة بالجزائر الوسطى، ونحن جالسون إلى إحدى الطاولات به، كانت هناك فتاة لا يتجاوز سنُّها العشرين، كانت تدخن سيجارتها بكلّ راحة، رغم أنّه كانت ملصقة تمنع التدخين، ولكن لا هي توقفت، ولا النادل منعها، وهو الأمر الذي أثار استياء زبون آخر كان يجلس إلى جانبها، ولكنّ النادل تحجّج في البداية بأنّ الفتاة تعاني من أزمة نفسيّة حادّة، وأنه لم يشأ أن يُغضبها لئلاّ تزيد حالتها توترا، ولكنّ هذه الحجّة لم تقنع الزبون الذي هدد بالخروج، وعدم العودة إلى المطعم أن لا تتوقف الفتاة عن التدخين وجاء الردّ سريعاً من أحد الأشخاص الذي دخل المطعم وسمعه، فقال للنادل أن يتركها وأن يدفع له ما يعتبره ذلك الزبون خسارة للمطعم، وراح وجلس أمام الفتاة التي يبدو أنها كانت تنتظره، ولم يجد الزبون ما يفعل سوى أن يخرج من المطعم، أما الرجل الآخر، فقد طلب من النادل أن يعطيه ما اعتاد الزبون أن يدفعه، لكي يدفع عنه، ففعل النادل، وأتاه بالحساب، وهو تصرف أقلّ ما يقال عنه أنه يقلل من احترام الزبائن، قام به النادل والزبون معا، ويجعل كلّ من يرتاد ذلك المطعم، ويرى مثل ذلك التصرف يقرر ألاّ يعود إليه، ومنهم نحن. هذه الظاهرة لا تقتصر على بعض المطاعم، ولكن أخرى كثيرة تفعل نفس الشيء، أي أنها تقدم مصالحها الضيقة، على راحة الزبون، وفي غالب الأحيان تخسر الاثنين معا، يقول لنا مراد، وهو نادل في إحدى المطاعم بسيدي فرج، أو كان يعمل به قبل أن يتوقف، وذلك بسبب معاملة صاحب المطعم للزبائن، حيث أنه يقول لنا مراد عن صاحب المطعم، يُفضِّل من يدفع أكثر، حتى ولو كان ذلك على حساب راحة الزبائن المحترمين، وهو ما جعل المطعم وصاحبه يخسر الكثير من الزبائن، والذين صاروا يقصدون أماكن أخرى، ولم يعد يأتيهم، يضيف محدثنا، إلاّ من يمرّ من المكان، ولم يسبق له دخول المطعم، وهذا بسبب تصرفات صاحب المطعم الذي يطلب من العمّال أن يفرقوا بين الزبائن الأثرياء، وغيرهم من الزبائن، وهو الأمر الذي، يقول لنا عنه، أنه جعل المطعم يخسر الاثنين، ولا يربح شيئا، ولهذا وجب أن يكون التاجر، أيا كان النشاط الذي يعمل، أن يكون واعيا بمثل هذه الأمور، ولو بدت صغيرة، وهي التي من شأنها أن تكسبه تجارته، واحترام الناس له معا، عوض أن تفقده الاثنين. حادثة أخرى تدّل على أن ميدان التجارة، والذي كان في وقت سابقن او عصر سابق، كان لا يدخله إلا من كان متمرسا، ومطلعا على أخلاق التجارة، وما يصح مما لا يصح، خاصة عندما يكون هناك تعامل مع الزبائن، حادثة وقعت بالقرب من حي القلب المقدس بالجزائر الوسطى، حيث تشاجر أحد الزبائن مع صاحب مطعم طرده لأنه جلس في مكان اعتاد آخر من أصحاب الأموال الجلوس فيه، فطلب منه النادل أن يغير المكان، فرفض الزبون، واعتبر ذلك إهانة، وقال انه على المشرفين على المطعم أن يحيطوا المكان في المرات القادمة بسياج للدلالة على انه مؤجر، ولا يتركوا الزبائن يجلسون فيه، ولكن النادل لم يفهم شيئا، ولم يفكر إلا في غضب الزبون الثري الذي سيصل بعد لحظات، والذي اتصل به عبر الهاتف ليوصيه بان يترك له مكانه شاغرا، فادخل الاثنان في شجار، وصل إلى حد الاشتباك بالأيدي.