أخطر من السارق الذي يتربص بالمواطنين في الحافلات والأسواق، والذي يظهر من ثيابه ونظراته وطريقة مشيه أنه سارق، فتجد نفسك تضع يدك في جيبك أو حقيبتك ما إن تراه أو تصطدم به، أسوأ من ذلك النوع من اللصوص، نوع لا تشتبه به ولا تحسّ بوجوده أو بأنه ينوي لك أمرا، بل إنك قد ترتاح إليه لمظهره الأنيق، قبل أن تكتشف ما إن تفارقه أنك فقدت شيئا. ابتكرت بعض الفتيات حيلة في اختلاس حقائب وأموال وممتلكات البشر، ذلك بالدخول إلى محل أكل سريع أو مطعم أو حتى قاعة شاي أنيقة، تدخل لا تحمل في يدها حقيبة، تجلس أمام امرأة أخرى، تسحب حقيبتها قبل أن تدعي أنها تلقت مكالمة هاتفية مهمة، فتخرج بسرعة وهي تحمل حقيبة واحدة، حقيبة الضحية. هذه الظاهرة أو هذه الطريقة في السرقة والاختلاس اكتشفناها حين كنا في قاعة شاي بوسط الجزائر، حيث دخلت فتاة لا يتجاوز عمرها العشرين وهي طالبة جامعية- عرفنا فيما بعد- جلست بالقرب منا، ولم تمض لحظات حتى دخلت ثلاث نسوة أخريات، اتخذت واحدة منهن مقعدا لتجلس عليه، فيما راحت الثانية تتحدث إلى النادل، كانت تطلب منه على الأرجح أن يحضر لها مشروبات، أما الأخرى فبقت واقفة وراحت تنزع الخمار التي كانت تضعه على رأسها. بعد أن عادت الفتاة التي كانت تحدث النادل اتجهت مباشرة إلى الطالبة، والتي كان خطيبها أو رفيقها قد التحق بها، أسرت لها في أذنها ببعض الكلمات ثمّ انتقلت إلى طاولة صديقاتها، ولم تجلس إليهنّ حتى رنّ هاتفها النقال، فأجابت بسرعة كبيرة ثمّ استدارت إلى صديقاتها، وطلبت منهن مغادرة المكان لأنّ »فلان حضر«، فأسرعنّ وحملن حقائبهنّ وقلن للنادل أن يلغي ما طلبنه من مشروبات لأنهن ملزمات بموعد، ثم خرجن وهن يركضن. ولم يتفطن أحد إلى الأمر، ولا حتى الطالبة الجامعية التي أفاقت بعد خمس دقائق لتنتبه إلى أن حقيبتها قد سرقت منها، وفيما راحت تبحث عنها في كل مكان، خرج النادل من القاعة عله يلحق بالفتيات اللائي غادرن ويتمكن من الإمساك بهن، حيث كان قد تفطن إلى الأمر، واكتشف الحيلة التي حاكتها البنات الثلاث للإيقاع بالطالبة، بل لخداع الجميع. وحين عاد كانت الفتاة قد يئست من البحث، وراحت تبكي وبدت خائفة، خاصّة وأن الحقيبة وكما قالت لصديقها تحتوي على وثائقها وهاتفها وأوراق نقدية، وكذلك مفاتيح السيارة التي كانت مركونة- ولحسن الحظ _ أمام مدخل قاعة الشاي، وعندما سألها خطيبُها عما قالته لها تلك السارقة قبل أن تتلقى مكالمتها المزعومة، أجابت أنها طلبت منها ولاعة، وحين ردت عليها بأنها لا تدخن أصلاً تركتها، ولا شك أنها كانت طريقة لتلهيها بها عما كانت تفعله صديقتها التي سحبت الحقيبة إليها، ثم تظاهرن بأنهنّ يسرعن للالتحاق بموعدهن. الحادثة التي تعرضت لها الطالبة الجامعية ليست منفردة، فهناك خيمة توجد قرب القاعة وقعت بها نفس الحادثة، أو على الأقل تفاصيل مشابهة، حيث دخلت فتاتان في سن المراهقة الخيمة، وحين جلستا وضعتا حقيبتيهما أمامهما حيث كان المقعد طويلا ومستديرا، بحيث تلتف مجموعة من الزبائن على طاولة واحدة، ولأن الخيمة كانت مليئة بالزبائن، فقد حملت إحداهما حقيبتها ليس لأنها شكت في وجود أمر ما يدبر لها ولصديقتها ولكنها فضلت أن تحملها في يدها من باب الاحتياط، أمّا حقيبة صديقتها فبقت ملقاة على الكرسي، ومن بين الزبائن الذين تناوبوا في الجلوس على الكنبة، كانت هناك فتاة مع صديقها، عندما دخلت لم تكن تحمل في يدها حقيبة، جلست وبقيت مدة لا تتجاوز العشر دقائق، قبل أن تخرج وهي تحمل حقيبة، لكن لم يتفطن أحدٌ إلى ذلك في الوقت المناسب، ولم ينتبهوا إلاّ بعد أن راحت الفتاة التي كانت رفقة صديقتها تصرخ وتطلب من النادل أن يغلق مخارج الخيمة لأنّ حقيبتها سرقت منها ففعلن، لكنّ السارقة التي كانت رفقة صديقتها كانت قد غادرت المحل، ولم تجدِ محاولات تفتيش الزبائن نفعا. عندما تحدثنا مع النادل أخبرنا أنها ليست المرة الأولى التي تحدث فيها وقائع مشابهة، إن لم يكن ذلك في محله ففي محلات مشابهة، وفي كل مرة يختلقن سيناريوهات جديدة إما للفت انتباه الضحية أثناء عملية السرقة أو للخروج من المحل دون أن يشعر أحد بالأمر.