** توفي زوجي منذ ثلاثة أشهر ولم تنته أيام العدة بعد، ولي أختي تسكن في مدينة أخرى غير مدينتنا، وقد اتصلت بي لأكون إلى جوارها لأشاركها فرحتها في زواج ابنها فسافرت إليها وقضيت عندها بضع ليالٍ فهل علي في ذلك حرج؟ * يقول الشيخ عصام الشعار عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مجيباً عن هذا السؤال: بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.. فتحديد المكان الذي تقضي فيه المرأة عدتها إذا مات زوجها مسألة محل خلاف بين أهل العلم، والخلاف فيها معتبر، والذي عليه جماهير أهل العلم هو أن المرأة يجب أن تعتدَّ في بيت الزوجية، وأن تمكث في بيتها حتى تنقضي عدتُها، ولا يجوز للمرأة المعتدة أن تخرج من بيت الزوجية إلا بعد انقضاء عدتها. وإلى هذا ذهب جمهور فقهاء المذاهب الأربعة وغيرهم من فقهاء الصحابة والتابعين. وقد استدل القائلون بوجوب قرار معتدة الوفاة في بيت الزوجية وعدم الخروج منه، بالحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما، وصححه الألباني "أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة وأن زوجها خرج في طلب عبيد له أبقوا (أي تمرّدوا) حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم فقتلوه، قالت فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يترك لي مسكنا يملكه ولا نفقة، قالت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. قالت: فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أمر بي فنوديت له، فقال: كيف قلتِ؟ قالت: فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي. قال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله. قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا. قالت: فلما كان عثمان أرسل إليَّ فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم لم يروا للمعتدَّة أن تنتقل من بيت زوجها حتى تنقضي عدتها. وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحق وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم للمرأة أن تعتد حيث شاءت وإن لم تعتد في بيت زوجها قال أبو عيسى والقول الأول أصح. وممن قال بتخيير المرأة إذا أتاها نعيُ زوجها أن تعتد حيث شاءت: جابر بن زيد، والحسن، وعطاء كما روي ذلك أيضا عن علي وابن عباس، وعائشة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. وقد ساق صاحب المغني خلاف الفقهاء في المسألة فقال: ممن أوجب على المتوفى عنها زوجها الاعتداد في منزلها، عمر، وعثمان رضي الله عنهما وروي ذلك عن ابن عمر، وابن مسعود، وأم سلمة، وبه يقول مالك، والثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفة، والشافعي، وإسحاق وقال ابن عبد البر وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار، بالحجاز، والشام، والعراق، ومصر. وقال جابر بن زيد، والحسن، وعطاء تعتد حيث شاءت. وروي ذلك عن علي، وابن عباس، وجابر، وعائشة رضي الله عنهم، قال ابن عباس: نسخت هذه الآية عدتها عند أهله، وسكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت؛ لقول الله تعالى: "فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن". قال عطاء: ثم جاء الميراث، فنسخ السكنى، تعتد حيث شاءت. رواهما أبو داود. وإذا ثبت حديث فريعة بنت مالك بن سنان، فإنه يجب الاعتداد في المنزل الذي مات زوجُها وهي ساكنة به، سواء كان مملوكا لزوجها، أو بإجارة، أو عارية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفريعة: "امكثي في بيتك". ولم تكن في بيت يملكه زوجها. وفي بعض ألفاظه: "اعتدي في البيت الذي أتاك فيه نعيُ زوجك" وفي لفظ: "اعتدي حيث أتاك الخبر" فإن أتاها الخبر في غير مسكنها، رجعت إلى مسكنها فاعتدَّت فيه. وقال سعيد بن المسيب والنخعي: لا تبرح من مكانها الذي أتاها فيه نعيُ زوجها، اتباعا للفظ الخبر الذي رويناه. ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: "امكثي في بيتك" واللفظ الآخر قضية في عين، والمراد به هذا، فإن قضايا الأعيان لا عمومَ لها، ثم لا يمكن حمله على العموم؛ فإنه لا يلزمها الاعتداد في السوق والطريق والبرية، إذا أتاها الخبر وهي فيه. والخلاصة: كان على الأخت السائلة أن تعتذر لأختها وألا تبيت في غير المكان الذي وجب أن تقضي فيه عدتها، وخاصة أنه لم تكن هناك ضرورة أو حاجة معتبرة شرعا، وكان بوسعك أن تصِلي أختك وابن أختك بالاتصال الهاتفي أو بزيارتهم نهارا ثم تعودي للمبيت في المكان الذي تقضين فيه عدتك. أما وقد خرجت وبتِّ خارج بيت زوجك أثناء العدة فلا سبيل إلى جبر ما كان من أمرك سوى التوبة والاستغفار. والله أعلم. * إذا ثبت حديث فريعة بنت مالك بن سنان، فإنه يجب الاعتداد في المنزل الذي مات زوجُها وهي ساكنة به، سواء كان مملوكا لزوجها، أو بإجارة، أو عارية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفريعة: "امكثي في بيتك". ولم تكن في بيت يملكه زوجها. وفي بعض ألفاظه: "اعتدي في البيت الذي أتاك فيه نعيُ زوجك" وفي لفظ: "اعتدي حيث أتاك الخبر" فإن أتاها الخبر في غير مسكنها، رجعت إلى مسكنها فاعتدَّت فيه.