قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم »تهادوا تحابوا«، فالهدية من أكثر الوسائل التي تقرب ما بين الأشخاص خاصة الأهل والأقارب والمتحابين، ومن تربطهم علاقات إنسانية مختلفة، وتعد الهدايا كذلك وسيلة مهمة لتعزيز روابط الألفة والمحبة والإيثار وتكريسها ما بين الناس، فليس هنالك أجمل من أن يتذكر الواحد منا شخصا عزيزا على قلبه بهدية بصورة مفاجأة دون أن يكون هذا الأخير ينتظرها، مهما كانت بسيطة أو قليلة في قميتها وفي هذا يقول المثل الشعبي الجزائري »الحجرة من عند الحبيب تفاحة«، فالمهم هو الالتفاتة الطيبة التي ترفع درجات المحبة في قلوب الناس وتعزز أواصر القرابة ما بينهم. ولكن الهدايا تحولت الآن إلى كوابيس مزعجة، وضرائب خيالية قصمت ظهور الكثيرين، خاصة مع كثرة المناسبات السعيدة خلال هذا الموسم والتي ازدادت سرعتها وفاقت كل التوقعات والحسابات بسبب المونديال وشهر رمضان الكريم الذي سيأتي هذه السنة في شهر أوت، ما جعل الكثيرين يسابقون الزمن لأجل إتمام جميع مناسباتهم وأفراحهم قبل الموعد، وعليه وجد الكثيرون أنفسهم مجبرين على تخصيص ميزانية معتبرة ليس لأجل التحضير لقضاء بضعة أيام من العطلة الصيفية، ولا للتحضير لشهر رمضان الكريم، وإنما لأجل اقتناء عدد من الهدايا المختلفة التي سيقدمونها لبعض الأقارب والأحباب ممن هم مدعوون لحفلاتهم وأعراسهم ومناسباتهم السعيدة. ولأن كل شيء بات مرتبطاً بمتطلبات العصر والزمن، فإن الهدايا بدورها لم تشذ عن هذه القاعدة، ولم تعد هدايا أطقم العصير والقهوة والشاي أو المبالغ النقدية الأقل من 500 دج بالهدايا ذات القيمة والوزن التي من شأنها أن تمنح صاحبها على الأقل بعضاً من عبارات الشكر والثناء، وإنما سببا في إحراجه أمام بقية الأقارب والأحباب والجيران، ولذلك فإن أبرز الهدايا المقدمة حاليا لا يجب أن تخرج عن إطار الأفرشة والزرابي والقطع الذهبية أو مبالغ مالية تفوق ال1000دج ولا تقل عن 5000دج، وهو ما تسبب بالفعل في إرهاق جيوب الكثير من العائلات الجزائرية. تقول إحدى السيدات في هذا الموضوع، إنه ناهيك عن التكاليف التي يتطلبها عادة التوجه إلى العرس من ضرورة اقتناء ملابس جديدة وجميلة، إلى تكاليف الحلاقة، والتنقل، فإن تكاليف الهدايا بدورها تجبرها أحيانا على التخلي عن الكثير من حاجياتها الأساسية، خاصة إذا كانت المناسبات السعيدة كثيرة والحمد لله، وبطبيعة الحال يحسب فيها حتى حفلات النجاح في شهادة التعليم الابتدائي أو »السيزيام« التي صارت بدورها مناسبة قائمة بذاتها لا تقل عن مناسبات الزواج والخطوبة والختان وغيرها، وفي نفس السياق تضيف أن هدايا المناسبات التي هي مقبلة على حضورها خلال شهر جويلية فقط كلفتها حوالي مليون سنتيم، فزفاف ابنة شقيقها تطلب منها هدية بقيمة 4000 دج، وزواج ابنة شقيقتها كلفها مبلغ 2000، ونجاح ابن شقيقتها الأخرى في السيزيام كلفها 800 دج، في حين أن عرس إحدى القريبات كلفها هدية أيضا بقيمة 600دج، وختان ابن شقيقتها الثالثة كلفها أيضا هدية ب2000دج، دون احتساب بعض المبالغ المالية هنا وهناك لبعض الجيران المقربين الذين نجح أبناؤهم في شهادة التعليم الابتدائي والأساسي والبكالوريا، والذين كانت هداياهم عبارة عن »تاوسات« تراوحت مبالغها ما بين 400 إلى 600 دج، كل هذا خلال شهر جويلية المقبل فقط، ولا تستطيع منع نفسها من حضور كل هذه المناسبات ولا تبادلها مع الآخرين لأن ذلك من شأنه أن يحرمها من حضورهم مستقبلا في أعراسها هي، حيث تعتبر الفرصة الوحيدة التي بإمكانها أن تسترجع فيها قيمة هداياها، كما أنه من غير المعقول أن تمتنع عن حضور أعراس وحفلات أقاربها أو معارفها حفاظا على العلاقات الطيبة الموجودة بينهم. وعلى الرغم من تكاليف الحياة الصعبة، ومن إدراك الكثيرين للوضعية الاجتماعية وقلة ذات اليد لعدد كبير من العائلات الجزائرية، إلا أنهم لا يتفهمون الوضع، ويطالبون في بعض الأحيان بهدايا مكلفة ويستصغرون إلى درجة الاحتقار الهدايا البسيطة، ومنهم من يطالب أقاربه أو أفراد عائلته أو أصدقاءه بنوعية الهدايا التي »يجب« عليهم إحضارها له، انطلاقا من أنه لا يحتاج إلى هدايا لن يستعملها مجددا، ليبقى الجميع بين شد وجذب حائرا بين صرف الكثير من أمواله على الهدايا المقدمة إلى الآخرين وبين مقاطعة كافة الأفراح والحفلات تجنبا للإحراج والمصاريف الزائدة.