بقلم: فايز رشيد* بدايةً فإن الصراع العربي الصهيوني من أكثر الصراعات التي تعتمد على الخلل في موازين القوى. من جانبها فإن دولة الكيان اعتمدت مبدأ القوة العنيفة في تعاملها مع الفلسطينيين والدول العربية وهو المبدأ الأوّل. أما المبدأ الثاني فهو عدم السّماح للدول العربية مجتمعة بتفوّق سلاحها على السلاح الإسرائيلي لذا تقوم دولة الكيان بقصف السلاح المنقول من روسيا أو إيران مثلا إلى المقاومة اللبنانية وسوريا والمقاومة الفلسطينية في غزة. ما أدى إلى اعتماد هذه الدول كثيرا على مبدأ تصنيع الأسلحة في الدول نفسها التي يجري نقل السّلاح إليها. عملياً نستطيع القول إن المقاومتين اللبنانية والفلسطينية وصلتا إلى نوع من توازن الرّدع مع العدو ولكن من الصعب الوصول إلى مستوى توازن القوة التي تملكها إسرائيل أما المبدأ الأمني الصهيوني الثالث فهو نقل المعركة إلى أرض العدو وإبقاء الجبهة الإسرائيلية بعيدة عن أيّ حرب. بعد عام 2000 كسرت المقاومتان الفلسطينية واللبنانية هذا المبدأ ووصلت صواريخ المقاومة من شمال فلسطينالمحتلة إلى جنوبها ذلك في ردود المقاومة خاصة اللبنانية (وإلى حدّ ما الفلسطينية) في مجابهة الحروب العدوانية الصهيونية على المقاومتين في أعوام 2006 2009 2012 2014. بالنسبة إلى مبدأ حرب التحرير الشعبية الذي اعتمدته المقاومة الفلسطينية منذ عام 1965 أسوة بكافة حركات التحرر الوطني في آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية التي انتصرت على أعدائها فإن مبدأ توازن القوى لا يمكن أن يتحقق بين الغاصبين المحتلين أصحاب القوة العسكرية الغاشمة ومقاتلين وطنيين لا يمتلكون سوى أسلحة بسيطة! فهذا الأسلوب يجعل من المشروع الاحتلالي مشروعاً خاسراً بالمعنيين الاقتصادي والبشري والإعلامي العالمي. خذ مثلاً الفرق بين قوتي جبهة التحرير الفيتنامية والولاياتالمتحدة وغيرها ثم إن كلّ أرضنا الفلسطينية محتلة وقطاع غزة محاصر من العدو منذ عام 2006 وثورتنا تفتقد إلى هانوي القاعدة للانطلاق مثلما امتلكتها قوى التحرر الوطني الفيتنامية بالعكس فالنظام الرسمي العربي في معظمه يقوم بالتطبيع مع دولة الكيان في العلن والسّر (وفقاً لنتنياهو). ويقوم بكبح جماح الفلسطينيين ومحاصرتهم وافتعال معارك قتالية معهم لكسر شوكتهم. ووفقا للمبادئ والكلاسيكيات العسكرية فإن نظرية موازين القوى تقوم على وجود الدول والتحالفات في حالة تكاد تتعادل فيها قوتها العسكرية ما من شأنه أن يحول دون نشوب النزاع المسلح وعليه فإن بعضاً من الدول تسعى إلى الحفاظ على التوازن العسكري في ما بينها. ويعتبر سعي إحدى الدول لزيادة قدرتها العسكرية بالصورة التي تخلّ بتوازن القوى أمرا يدعو للخلل في الميزان ويولّد سعياً من قبل الدول الأخرى لتعزيز توازن القوى بمعاهدات تلتزم فيها الدول الأطراف بالحفاظ على قوتها العسكرية ضمن حدود مقبولة من الدول الأخرى. وفي معاهدات السلام التي تبرم بين الدول بعد انقضاء الحروب يتم في العادة التطرق لتوازن القوى والإشارة إلى الترتيبات التي من شأنها أن تحافظ عليه وتحول دون الإخلال به. تقول نظرية توازن القوى في العلاقات الدولية إن بإمكان الدولة ضمان وجودها عبر منع أي دولة أخرى من اكتساب قوة عسكرية تمكنها من الهيمنة على الدول الأخرى. ثار الجدل من جديد حول حلّ الدولة الديمقراطية الواحدة وفي إمكانية هذا الحلّ فإن العقبات الإسرائيلية تحتل الجوهر الأساسي وتتمثل في أن الدولة الديمقراطية تتناقض بالمطلق مع الهدف الاستراتيجي للكيان وهو إقامة الدولة اليهودية المصفّاة التي تجمع اليهود. نعم ثبت استحالة تحقيق دولة فلسطينية تنتزع من بين براثن الكيان الصهيوني ذلك بعد إقرار قانون الدولة القومية وسريان القوانين الإسرائيلية على المستعمرات في الضفة الغربية. ثم إن الواقع الجغرافي لم يعد يسمح بإقامة دولة مستقلة خاصة أن الاستيطان استولى على 65 من مساحة الضفة الغربية ومازال الاستيطان قائماً.. ثم لنتذكر اللاءات الإسرائيلية الست لغالبية الحقوق الفلسطينية.. بالنسبة للموقف الأمريكي خاصة بعد قرار ترامب حول القدس فإن الإدارة الأمريكية أكثر إسرائيلية من نتنياهو إضافة إلى رسالة الضمانات الإستراتيجية التي قدمتها الولاياتالمتحدة للكيان عام 2004 وفيها تتعهد أمريكا بعدم الضغط على إسرائيل لقبول ما لا تريده! من جانب ثان فإن بعض الكتّاب الصهاينة بدأوا يحذرون حكومتهم في مقالاتهم من أنها ستجد نفسها أمام حلّ الدولة الثنائية القومية بالمعنى الاستراتيجي. هذا الحل ترفضه إسرائيل للأسباب التالية: الواقع الديموغرافي الجديد وإمكانية زيادة عدد العرب على اليهود. ولهذا فإنه مباشرة وبعد إنشاء دولتها قامت بتنفيذ الخطة دالت التي وضعها بن غوريون وهي التطهير العرقي للفلسطينيين من خلال المذابح وتهجير 800 ألف فلسطيني. الدولة الواحدة تتناقض مع الجذور التوراتية للعقيدة الإسرائيلية المتمثلة في العدوان الدائم على الفلسطينيين والعرب (الأغيار) في أفق استعلائي فوقي وتفوقي عنصري مزنر بنظرة دونية إليهم. وتتناقض مع مسلك الحاخامات الذين أبقوا اليهود في إطار (الغيتو) الذي تحول إلى عنجهية (القلعة) بعد إقامة إسرائيل بالتالي فإن أي مراهنة على ثلاثة آلاف سنة مقبلة لإجراء تحول مسلكي مناقض لما تمارسه إسرائيل حاليا هي مراهنة بعيدة تماما عن الموضوعية.. بالطبع ضمن المعطيات الحالية وعلى المدى القريب المنظور. هذا عدا عن المناهج الإسرائيلية في رياض الأطفال والمدارس وفي المدارس الدينية والجامعات التي لم تنتج على مدى ما يزيد عن السبعين عاما سوى التطور في بنية اليمين الديني المتطرف إضافة إلى عسكرة (المجتمع) من خلال تطور المؤسستين العسكرية الأمنية والدينية بمفاهيمهما وشروطهما اللذين تفرضهما على الشارع الإسرائيلي لهذا فإن حلّ الدولة الديمقراطية الواحدة هو خيال ووهم.