رغم مرور أسبوع كامل عن بداية القصف الوحشي الاسرائيلي الذي طال كل مظاهرالحياة في لبنان وباستعمال أسلحة جديدة ومحرمة دوليا، إلا أن اسرائيل لم تتمكن حتى اليوم من تحقيق أهدافها التي كان من المفروض تحقيقها خلال 24 أو 72 ساعة على أبعد تقدير. سالم الزواوي صحيح أن الآلة الحربية الصهيونية المدمرة قد قضت على جزء كبير من المنشآت القاعدية والاقتصادية اللبنانية وقتلت المئات وشردت مئات الآلاف من اللبنانيين وقضت على كل ما يملكون تقريبا خاصة في الجنوب، حيث يتمركز حزب الله المستهدف الأول من العدوان الإسرائيلي، وصحيح كذلك أن كل الدول الكبرى، خاصة الغربية منها، تقف إلى جانب إسرائيل وتشجعها على مواصلة عدوانها مثل أمريكا التي تعمل على تعطيل أي قرار في مجلس الأمن يدعو الى وقف العدوان وتوقيف إطلاق النار بين الجانبين في ظل المواقف المتخاذلة لكل من الصين وروسيا العضوتين في مجلس الأمن واللتين تقفان موقف المتفرج مراعاة لمصالحهما مع أمريكا أكثر من مراعاة هذه المصالح مع العالم العربي والإسلامي، وصحيح أن إسرائيل قد وجدت في مواقف بعض الأنظمة العربية العميلة لها ولأمريكا مثل السعودية ومصر والأردن.. تشجيعا إضافيا كبيرا وحاسما لمتماديها في العدوان وتقتيل أبناء الشعب اللبناني، ولكن رغم ذلك بقيت عزيمة الوطنيين اللبنانيين على صلابتها المعهودة، خاصة في أوساط حزب الله الذي لم يكتف مقاوموه بالدفاع عن الأراضي اللبنانية ضد الغزو البري الاسرائيلي ولكنهم تمكنوا من نقل المعركة الى قلب اسرائيل باستعمال الصواريخ المتوفرة لديهم وإلحاق الخسائر المعتبرة المادية والبشرية بالمحتلين وأثبتوا بذلك أن النيل من اسرائيل ليس مستحيلا بل يمكن أن يكون هذا الكيان لقمة سائغة للعرب لو توسعت رقعة المقاومة الى كل الدول المجاورة، ولولا عقبة الأنظمة العربية العميلة لإسرائيل في المنطقة خاصة في بلدان المواجهة الأساسية التي يمكن أن تكون قواعد خلفية حيوية لهذه المقاومة مثل مصر والأردن والسعودية. ذلك أن طبيعة إسرائيل وجغرافيتها الطبيعية والبشرية وتفوقها العسكري الكبير على الترسانة العسكرية العربية التقليدية تجعل العرب أو الشعوب العربية أمام خيار واحد هو خيار المقاومة الشعبية وحرب العصابات مثل تلك التي تمارسها المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله والمقاومة الفلسطينية بقيادة حماس والجهاد الاسلامي والفصائل الثورية الأخرى. إسرائيل تدرك تمام الإدراك خطر هذ النوع من المقاومة على كيانها، ولذلك فهي تحاول إجهاضها في المهد من خلال محاولة القضاء على الفصائل الفلسطينية المقاومة وعلى حزب الله في لبنان الذي استصدر قرار مجلس الأمن رقم 1559 من أجل القضاء عليه وقطعه عن امتداداته الخلفية المتمثلة في سوريا وإيران، ولذلك فهي تلجأ منذ بداية بناء قوتها العسكرية في حروبها ومواجهاتها مع العرب إلى الاعتماد اعتمادا أساسيا إن لم يكن كليا على سلاح الجو والمدفعية المتطورة بعيدة المدى، لأنها تدرك أنها لا تستطيع أن تغامر برا أمام المقاومات العربية الأرضية، ولذلك فقد عملت دوما على إبقاء العرب بدون دفاعات جوية لكي تبقى هي المتفوقة في هذا المجال، والدليل الأقرب إلينا على ذلك هو البالون الأسود البدائي أو منطاد التجسس وتنسيق عمليات القصف الجوي الاسرائيلية الذي نصبته إسرائيل مباشرة فوق رأس الجيش اللبناني والساسة والمسؤولين اللبنانيين لتوجيه طائرات أف 16 لقصف الأهداف الاستراتيجية في كامل لبنان. العقبة الأساسية إذن أمام توسع المقاومة العربية وتوحيدها وإيجاد القواعد الخلفية لها وإمدادها هي وجود هذه الأنظمة العربية، بما فيها النظام اللبناني، الموالية لإسرائيل وأمريكا والتي أصبحت تستمد شرعيتها، في الاستحواذ على الحكم والسلطة، من الدفاع عن الكيان الصهيوني بعد أن كانت في حقب ماضية تستمد هذه الشرعية من مناهضة هذا الكيان ولو بالكلام والخطب الرنانة الحماسية والقرارات الفارغة من أي محتوى أو مفعول، الصادرة عن الجامعة العربية وقمم الرؤساء والملوك العرب.. وقد أدت هذه السطيرة والتبعية لإسرائيل إلى قيام قادة الجيش الاسرائيلي بإصدار أوامر صارمة للجيش اللبناني بعدم التحرك أو الرد على العدوان، بل وعدم الخروج من ثكناته حيث يتعرض وهو نائم للإبادة الكاملة من قبل الطائرات الاسرائيلية. وإذا كانت محاولات إحداث توازنات عسكرية وتسليحية بين العرب وإسرائيل قد تمخضت دائما عن تخلف العالم العربي بعدة سنوات ضوئية عن إسرائيل في هذا المجال، فإن الالتجاء إلى خيار المقاومة الشعبية على غرار المقاومة اللبنانية قد يمكن من تدارك هذا التخلف، بل وقد يمكن من تجاوز اسرائيل وقوتها التكنولوجية العسكرية بحكم زئبقية هذه المقاومة وسهولة إفلاتها من المسؤوليات التي تفرضها القوى الغربية الموالية لإسرائيل على العرب في مواجهتهم مع هذا الكيان بالإضافة الى سهولة الاستفادة من توظيف التكنولوجيا الحديثة والبسيطة في تصنيع الأسلحة الملازمة كما أثبتت ذلك تجربة المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله في صناعة الصواريخ الخفيفة التي تساعد بشكل حاسم على تحقيق أهم الأهداف، ومنها ما بثه من خوف وفوضى وإحباط ويأس في صفوف الاسرائيليين عسكريين ومدنيين، وما سببته من انشقاقات في القيادات الاسرائيلية وخلافات وتعتيم إعلامي وسياسي حول عمليات القصف التي يقوم بها حزب الله في عمق اسرائيل ونتائجها، وهذا دليل تشرذم القيادة الاسرائيلية سواء العسكرية أو المدنية، وهي نقطة ضعف كبيرة عند الكيان الصهيوني يمكن التركيز عليها في المواجهة. لكن ما العمل في ظل وجود أنظمة عربية تحمي مصالح اسرائيل، وبالتالي فهي لا تتوقف عند عدم السماح بقيام مثل هذه المقاومة ولكنها مستعدة لضربها من الخلف ومن كل الجهات، باعتبارها تشكل تهديدا لمصالحها ووجودها؟! إنه ليس هناك حل في الظرف الحالي غير ربط التعاون الوثيق مع قوى إقليمية ثبت أن مصيرها واحد مع هذه المقاومة سواء في لبنان أو في فلسطين أو في السعودية أو في غيرها، والمقصود بهذه القوى بالأساس هو إيران وسوريا التي فرضت المخططات والأهداف الأمرييكية الصهيونية في المنطقة أن يكون مصيرهما وحدا مع بقية شعوب المنطقة العربية والإسلامية، وخاصة ما لإيران من مواقف تجاه ما يجري في المنطقة تتطابق تماما مع مصالح الشعوب العربية، ولما لها من نظام وقوة يمكن الاستفادة منها على الرغم من كل ما يصب عليها من غضب وضغوطات وتهديدات أمريكية وإسرائيلية وفرنسية إلخ... وهذا زيادة على استغلال السمعة السيئة لهذه الأنظمة لدى الولاياتالمتحدة المستعدة للتضحية بها والتخلي عنها في أي وقت ولصالح أي قوة أخرى لأنها تعرف أنها أنظمة ضعيفة ومنبوذة ولا يمكنها أن تؤدي سوى أدوار ثانوية قصيرة، وهذا ما ثبت من خلال مواقفها المتناقضة من إيران، فهي تساندها وتحاول التعامل معها في العراق، لأن أمريكا تعتبرها طرفا لا يمكن تجاوزه في المعادلة العراقية، أو في المستنقع العراقي، وهي تناهضها وتقف ضدها فيما يتعلق بلبنان وحزب الله والمقاومة الفلسطينية، لأن أمريكا وإسرائيل تفعل ذلك وهو ما تمقته الولاياتالمتحدة والرئيس بوش في هذه الأنظمة ذات الوجهين أو الأوجه المتعددة التي ثبت ضعفها وقيمتها المتهاوية عند شعوبها. هذه هي الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها مما يجري في لبنان، وستظل ثابتة مهما كانت نهاية الصراع الدائر حاليا ونتائجه، ومهما يكون مصير المقاومة اللبنانية وحزب الله، والذي قد لا يكون مصيرا إيجابيا بالنظر لقوة العدو وتجند كل القوى الكبرى والأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى جانب الظلم الإسرائيلي.