* الشيخ راغب السرجاني تستخدم العرب كلمة الكوثر للدلالة على الشيء الكثير فالنهر كثير في مائه كثير في آنيته كثير في لآلئه كثير في بركته كثير في كل شيء طيب إنه عطاء خاصٌّ من ربِّ العالمين جلَّ وعلا لرسوله العظيم صلى الله عليه وسلم! *نهر الكوثر كما رآه رسول الله روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِنَهَر حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ المُجَوَّفِ قُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ. فَإِذَا طِينُهُ -أَوْ طِيبُهُ-مِسْكٌ أَذْفَرُ . وروى الترمذي -بسند صحيح-عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الجَنَّةِ حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَب وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَاليَاقُوتِ تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنَ العَسَلِ وَأَبْيَضُ مِنَ الثَّلْجِ . وفي مسند أحمد بإسناد صحيح عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُعْطِيتُ الْكَوْثَرَ فَإِذَا هُوَ نَهَرٌ يَجْرِي كَذَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ حَافَّتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ لَيْسَ مَشقُوقًا فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَى تُرْبَتِهِ فَإِذَا مِسْكَةٌ ذَفِرَةٌ وَإِذَا حَصَاهُ اللُّؤْلُؤُ . وفي لفظ فيه اختلافات طفيفة -عند أحمد كذلك بسند صحيح- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُعْطِيتُ الْكَوْثَرَ فَإِذَا هُوَ نَهَرٌ يَجْرِي وَلَمْ يُشَقَّ شَقًّا فَإِذَا حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَى تُرْبَتِهِ فَإِذَا مِسْكَةٌ ذَفِرَةٌ وَإِذَا حَصَاهُ اللُّؤْلُؤُ . وعند البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: لَمَّا عُرِجَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاءِ قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى نَهَر حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ مُجَوَّفًا فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الكَوْثَرُ . وهذا الكوثر الذي جاء في هذه الأحاديث هو الكوثر نفسه الذي جاء في سورة الكوثر قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر: 1-3] وقد جاء التصريح بأن نهر الكوثر في الجنَّة هو المقصود في السورة في كلام عائشة رضي الله عنها فقد روى البخاري عن أبي عُبَيْدَةَ عن عائشة رضي الله عنها قال: سَأَلْتُهَا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} قَالَتْ: نَهَرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم شَاطِئَاهُ عَلَيْهِ دُرٌّ مُجَوَّفٌ آنِيَتُهُ كَعَدَدِ النُّجُومِ . وكذا قال أنس رضي الله عنه كما جاء عنه في سنن الترمذي -بسند صحيح- في قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: هُوَ نَهْرٌ فِي الجَنَّةِ . قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رَأَيْتُ نَهْرًا فِي الجَنَّةِ حَافَّتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ. قُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللهُ . *هذا هو نهر الكوثر! لقد أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفًا دقيقًا للنهر إلى الدرجة التي نشعر فيها أننا نكاد نراه بل نكاد نشعر بطعمه ورائحته! إنه نهر يجري على سطح أرض الجنة دون أن يكون له مجرى عميق! فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ . وقال: لَيْسَ مَشقُوقًا . وفي رواية: فَإِذَا هُوَ نَهَرٌ يَجْرِي وَلَمْ يُشَقَّ شَقًّا . وهذا العمق الطفيف قد يكون هدفه هو إظهار أرض النهر حيث إن طين أرضه المسك وعليه اللؤلؤ والياقوت فهذا العمق البسيط يُعطي الفرصة للاستمتاع برؤية جواهره الكريمة المنثورة في قاعه! وحافَّتا هذا النهر من الذهب وعلى هاتين الحافتين تنتشر الأبنية الجميلة وهي على شكل قباب عجيبة كل قبة منها عبارة عن لؤلؤة ضخمة مُجَوَّفة وعلى الحافتين كذلك آنية كثيرة كثيرة عددها كعدد نجوم السماء! أما الطعم واللون والرائحة فليس كمياه الدنيا! الطعم أحلى من العسل واللون أبيض من الثلج والرائحة رائحة المسك الأذفر! قال أنس بن مالك رضي الله عنه واصفًا هذا المشهد وكان بعد رؤية النيل والفرات كما أسلفنا هناك: ثُمَّ مَضَى بِهِ فِي السَّمَاءِ فَإِذَا هُوَ بِنَهَر آخَرَ عَلَيْهِ قَصْرٌ مِنْ لُؤْلُؤ وَزَبَرْجَد فَضَرَبَ يَدَهُ فَإِذَا هُوَ مِسْكٌ أَذْفَرُ قَالَ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الكَوْثَرُ الَّذِي خَبَأَ لَكَ رَبُّكَ . *حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاستكمال صورة نهر الكوثر ينبغي أن نأخذ فكرة عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سيسقي منه المؤمنين يوم القيامة فهو ذو علاقة وثيقة بما نحن بصدد الحديث عنه. وردت روايات كثيرة جدًّا تصف حوض رسول الله حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس الهدف في هذه السطور تقصِّي صفته بالكامل إنما سنورد بعض الروايات فقط لفهم العلاقة بينه وبين نهر الكوثر. روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ حَوْضِي أَبْعَدُ مِنْ أَيْلَةَ مِنْ عَدَن لَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ بِاللَّبَنِ وَلآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ النُّجُومِ وَإِنِّي لأَصُدُّ النَّاسَ عَنْهُ كَمَا يَصُدُّ الرَّجُلُ إِبِلَ النَّاسِ عَنْ حَوْضِهِ قالوا: يا رسول الله أتعرُفنا يومئذ ؟ قال: نَعَمْ لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لأَحَد مِنَ الأُمَمِ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ . وروى الترمذي -بإسناد صحيح- عن ثَوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حَوْضِي مِنْ عَدَنَ إِلَى عَمَّانَ البَلْقَاءِ مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ وَأَكْوَابُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا أَوَّلُ النَّاسِ وُرُودًا عَلَيْهِ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ الشُّعْثُ (المتفرِّقُو الشعر) رُءُوسًا الدُّنْسُ (الوسخ) ثِيَابًا الَّذِينَ لاَ يَنْكِحُونَ المُتَنَعِّمَاتِ [10] وَلاَ تُفْتَحُ لَهُمُ أَبْوَابُ السُّدَدِ . وروى الترمذي -بإسناد صحيح- عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله ما آنِيَةُ الحَوْضِ؟ قال: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا فِي لَيْلَة مُظْلِمَة مُصْحِيَة مِنْ آنِيَةِ الجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ مَا عَلَيْهِ عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ مَا بَيْنَ عُمَانَ إِلَى أَيْلَةَ مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ . وروى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْر وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ وَمَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ الْوَرِقِ وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلاَ يَظْمَأُ بَعْدَهُ أَبَدًا .