تستعدّ أسعار النّفط لمرحلة جديدة من الارتفاع بصورة حادّة بعد تراجع مستمرّ في أسعار النّفط خلال الفترة الأخيرة الماضية، ويوم 28 جوان الماضي ارتفعت أسعار النّفط في نيويورك ولندن إلى أكثر من 2 بالمائة، وهو ما دفع البعض إلى ربط السياسة بالاقتصاد والتأكيد بأن طبول حرب النّفط قد دقّت· وأشار المحلّلون إلى أنه منذ إعلان وكالة الطاقة الدولية عن موافقة الدول الأعضاء على الإفراج عن 60 مليون برميل من النّفط الاحتياطي الاستراتيجي وذلك بسبب تمزّق الجارية لامدادات النّفط من ليبيا، تراجعت أسعار النّفط في نيويورك بنسبة 5 بالمائة وانخفضت أسعار النّفط الخام برنت أكثر من 7 بالمائة، وبلوغ السوق ذروة البيع الخطيرة وارتفاع الأسعار هي حاجة تقنية· النّفط سلعة يتغيّر سعرها حسب ظروف السوق، لكن وباعتبارها واحدة من الموارد الاستراتيجية الأكثر أهمّية فإن كلّ الأطراف تبحث عن جميع الطرق المختلفة ليتّجه مؤشّر تقلّبات سعر الذهب الأسود نحو مصالحهم· إن إعلان وكالة الطاقة الدولية في الأسبوع الماضي وبشكل غير متوقّع الإفراج عن احتياطيات النّفط الاستراتيجية أدّى إلى ظهور نقاش كثير· وكالة الطاقة الدولية هي منظّمة غير حكومية تهدف إلى تعميق التعاون الاقتصادي بين أعضائها في مجال النّفط· وأرجعت الوكالة سبب إطلاق هذه الكمّية في الأسواق إلى الحجج التالية: ملء الفجوة بين العرض والطلب الذي سبّبه النّقص في الطلب الذي سبّبه غياب الخام الليبي، وتحقيق الاستقرار في أسعار النّفط، حماية زخم الاقتصادي العالمي الهش، ومع ذلكلا أحد يفكّر في أن هذا هو السبب القاهر في الإفراج عن احتياطيات النّفط الاستراتيجية· لقد ظلّت الحرب في ليبيا مستمرّة منذ عدّة شهور، في حين أنه بعد تجاوز سعر النّفط 127 دولار أمريكي للبرميل في شهر أفريل الماضي انخفضت أسعار العقود الآجلة لمزيج برنت للنّفط الخام ما يقرب من 10 بالمائة خلال الأسبوع الماضي، علاوة على ذلك فإنه ليس هناك أيّ مظاهر توحي بنقص النّفط في السوق· إذن لماذا تختار هذا الوقت بذات لإفراج عن احتياطيات النّفط الاستراتيجية؟ لقد كان ردّ فعل دول الشرق الأوسط قويا، حيث اتّهمت الدول المصدّرة للبترول (أوبك) وكالة الطاقة الدولية بأن هذه الخطوة لا مبرّر لها وبدون سبب، وأعلنت وسائل الإعلام العربية أن وراء هذه الخطوة مؤامرة غربية· لقد كان للولايات المتحّدة دورا كبيرا في قرار وكالة الطاقة الدولية الإفراج عن احتياطيات النّفط الاستراتيجية، ومن المنتظر أن تفرج الولايات المتّحدة عن 30 مليون برميل من احتياطيها الاستراتيجي، وهذا مثير للاهتمام· ويتوقّع كريس جارفيز كبير المحلّلين لدى وكالة موديز لخدمات المستثمرين الاقتصاديين أن خفض أسعار النّفط الخام هذه المرّة سوف يجعل أسعار البنزين في الولايات المتّحدة تنخفض من 4 إلى 3.5 دولار أمريكي لكلّ جالون، وهو بمثابة خفض مليارات دولارات من الضرائب، وتحفيز للاستهلاك وبالتالي تعزيز النمو الاقتصادي الأمريكي· وهي وسيلة جديدة فكّرت فيها الولايات المتّحدة لتحفيز الاقتصاد حاليا، وهذا من الصّعب أن لا يكون قد سكن تخيلات في أذهان النّاس· ومع ذلك، أشار محلّلون إلى أنه رغم تحقيق هدف قمع أسعار النّفط على المدى القصير، لكن على المدى الطويل فإن هدف الإفراج عن الاحتياطات الاستراتيجية من النّفط يكون ضئيلا للغاية· في الوقت الحالي يصل الاستهلاك العالمي للنّفط إلى حوالي 90 مليون برميل يوميا، والإفراج عن 1.6 مليار برميل من الاحتياطات الاستراتيجية للسوق لا يعني أنه يكفي لتغيير وسدّ فجوة العرض والطلب، ممّا لا يمكن منع الاتجاه التصاعدي في أسعار النفط على المدى الطويل· علاوة على ذلك، فإن (أوبك) منظّمة الدول الرئيسية المصدّرة للبترول سوف لا تقف مكتوفة اليدين على طول الطريق· وقد وسّعت دول بريك العديد من اتّفاقاتها هذا العام لخلق فرص عمل بنّاءة للحفاظ على أسعار النّفط المرتفعة· وأعلنت المنظّمة في اجتماعها بفيينا في أوائل جوان هذا العام أن المنظّمة أخفقت في توجيه رسالة تسهم في تهدئة أسواق النّفط العالمية عندما أجّلت اتّخاذ قرار بشأن زيادة سقف إنتاجها· بالإضافة إلى ذلك، يعتقد خبير الطاقة من دولة الإمارات العربية المتّحدة أن انخفاض أسعار النّفط إلى 90 دولار أمريكي للبرميل فجأة، سوف يؤدّي إلى خفض (أوبك) لإنتاج النّفط، لكن وكالة الطاقة الدولية ليس ضعيفة· قال المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية نوبو تاناكا إنه إذا لم تستطيع 60 مليون برميل من النّفط التي أخرجت تحقيق هدف في استقرار السوق فلا يستبعد احتمال الإخراج عن مزيد من احتياطات النفط في المستقبل· ويبدو أن البائع والمشتري كلاهما غير ضعيفين، حيث يرى البعض أن حرب أسعار النفط قادمة والعالم الآن يحتاج إلى تقدير متأنيّ لكلّ الأبحاث والمقالات الخاصّة بالنّفط في الوقت الحاضر·