في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ - الجزء الأربعون- بقلم: الطيب بن إبراهيم * عنوان الصورة: رئيس الإرسالية بسبحته في مرحلة التكوين بتونس *الإرسالية وتوظيف السبحة في نشاطها نحن لا ندعي هنا أن السُّبحة غريبة على المسيحيين وأن أول من استعملها هم المسلمون ولكن نتحدث في سياق سياسة التكيف التي انتهجها رجال إرسالية إخوة يسوع الصغار بمدينة الأبيض سيدي الشيح في التعامل مع السكان ومحاولة اختراق ديني وثقافي فاضح. فكما كانت صلواتهم ومنارتهم وأذانهم مشابهة لشعائر المسلمين كان استعمال سبحتهم يسير في هذا السياق وهذا باعترافهم هم أنفسهم في استعمال السبحة بطريقة المسلمين للتقرب منهم والتأثير عليهم . تحدثنا في الحلقة الأخيرة عن الأب شارل دي فوكو شيخ جماعة إرسالية الأبيض ومرجعهم الأول وكيف كان يدعو لإقامة زوايا بالصحراء تقليدا لزوايا المسلمين كما دعا لتوظيف السبحة المسيحية بطريقة تشبه مسابح المسلمين وهذه الوصايا كانت نصب أعين تلامذة شارل دي فوكو بإرسالية الأبيض يسيرون على خطى شيخهم في استعمال السبحة فحرصوا على تنفيذها وأضافوا لها ما رأوه مفيدا لها . منذ اليوم الأول لظهور القساوسة بمدينة الأبيض سيدي الشيخ كانوا يحملون مسابحهم على أحزمتهم وهذا يبدوا منذ مرحلة التكوين كما تظهر صورة رئيسهم أدناه بسبحته حول رقبته أيام تكوينه بتونس سنة 1926 لكن الجديد أثناء تواجدهم في الميدان بالأبيض سيدي الشيخ تطور خطوات وإجراءات تكيف استعمال السبحة ويظهر ذلك سواء من خلال المراسلات التي كانت تأتيهم وكذلك من خلال قرارات الاجتماعات التي كانت تعقد من أجل ذلك . كان رئيس الإرسالية الأب روني فوايوم يتواصل بالمراسلة مع عدة جهات خبيرة يطلعهم على انطلاق مشروعه ويطلب الدعم والتوجيه وعلى سبيل المثال فمن الذين كان رئيس الإرسالية يراسلهم الأب كوردونييه Cordonnier بفرنسا كان يخبره في رسائله عن أول تجاربه في مدينة الأبيض مع الطلبة المتكونين والصعوبة التي يتلقاها في البداية فرد هذا الأخير على احدى رسائله بتاريخ 29 سبتمبر سنة 1934 مشجعا وموجها كما أرسل إليه مجموعة من السُّبح ذات الحبات البيضاء الكبيرة من سبحات الرهبان الشارتوزيين ( نسبة لهضبة شارتروز شمال مدينة غرونوبل ) الذين أسس تنظيمهم الأب سان برونو الكارثوسي وزملاؤه سنة 1084 وذلك لتضفي هذه السُّبح على أصحابها نوعا من الاحترام والقداسة أمام سكان وسط عربي صحراوي صوفي يقدس استعمال السبحة وفي أحد قلاع التصوف. وضع رجال الإرسالية هذه السبح بأحزمتهم ويقر رئيس الإرسالية بأن التعليمات كانت تنص على الانضباط الصارم بتطبيق نصوص استعمال السبحة وعدم التخلي عليها أثناء تواجدهم بمدينة الأبيض خاصة أمام السكان حيث كان كل واحد من القساوسة يحمل سبحته ويستعملها في طقوسه اليومية بتوجيه من رئيس الإرسالية الأب روني فوايوم . كانوا يستعملون المسبحة في طقوسهم لتلاوة مخصصة للسيدة العذراء مريم والدة يسوع المسيح ثلاث مرات في اليوم سبحة خلال عبادة الليل سبحة خلال العبادة الصباحية واستعمال ثالث للسبحة وفقا لإرادة كاهن الكنيسة. لقد أظهر رجال الإرسالية منذ بداية أيامهم الأولى علاقتهم وارتباطهم بالسبحة كمتصوفة جدد حيث يقدسونها ولا تفارقهم. ومن بعض أساليب استعمال السبحة كان الراهب منهم عندما يريد تقبيل صليب سبحته المعلقة بحزامه يضع احدى ركبتيه على الأرض قبل تقبيل سبحته تقليدا لأتباع بعض الطرق الصوفية بعد ذلك بدأوا في اتباع تقاليد السكان في وضع السبحة على العباءة تحت جناح البرنوس. أما تحيّتُهم لبعضهم البعض أثناء استعمال السبحة فإذا التقى أحد الإخوة مع الآخر أو إذا دخل عليه في غرفته فعلى الأول أن يحيي الثاني قائلا : الحمد لسيدنا يسوع وعلى الثاني أن يرد عليه قائلا : آمين ونفس الصيغة يرددونها يوميا صباحا عندما يلتقي اثنان في أي مكان. كان نظام استعمال السبحة يختلف حسب اختلاف المكان فإذا كان الإخوة خارج الإرسالية في جولة سياحية يجب عليهم أن يقرؤوا معا بصفة جماعية سبحة خلال جولتهم وهذا تشبيها لسكان البدو الذين يقرأون في المناسبات التي تجمعهم سبحة أو اكثر هيللة ( لا اله إلا الله محمد رسول الله) وقد أخبرني احد سكان البدو رحمة الله عليه قبل أكثر من عشرين سنة أن ذلك كان يحدث مع حضور أحد بدو الإرسالية جانو واحيانا يتعمّدون فعل ذلك بحضوره فكان يردد معهم لا اله إلا الله وعند ذكر محمد رسول الله يلتفت ويقول: لا. أما إخوة الجوقة ( فرقة الإنشاد) بالكنيسة فيقرأون يوميا مسبحة خاصة يَتَّبِع فيها المبتدئون والمقيمون توجيهات الأخ المعلم حول ما يتلونه. يتبع..