بقلم: الدكتورة سميرة بيطام* كثرت في الآونة الأخيرة الحديث عن جرائم عصابات الأحياء حتى أنه يظن المنتبه للتسمية أنها تقتصر على عصابات الأحياء فقط ففي تعاريف مختلفة لهذا النوع من الاجرام يبدو القصور في وضع استراتيجية شاملة ودقيقة طبعا استباقية للحد من منها وبمراجعتي للكثير من المراجع والكتب لم أجد تعريفا واضحا متصلا بالجريمة وعصاباتها لا أقصد المضمون العام للجريمة كفعل مخالف للقانون وانما ما اقصده فعل الاجرام ذو الصلة بالأحياء السكنية فحتى أن الأمر رقم 20 -03 المؤرخ في 30 أغسطس 2020 المتعلق بالوقاية من عصابات الأحياء ومكافحتها يعتبر أن عصابة أحياء هي كل مجموعة تحت أي تسمية كانت (هنا أفتح قوس قبل اكمال التعريف اذ أنه كان من المفروض أن يكون فيه شرح عن معنى تحت أية تسمية حتى لا يدرج ضمن الأفعال الاجرامية الممازحة المفضية للاعتداء دون قصد مثلا ) مكونة من شخصين اثنين أو أكثر ينتمون إلى حي سكني واحد أو أكثر تقوم بارتكاب فعل أو عدة أفعال بغرض خلق جو ينعدم فيه الأمن في أوساط الأحياء السكنية أو في أي حيز مكاني آخر أو بغرض فرض السيطرة عليها من خلال الاعتداء المعنوي أو الجسدي على الغير أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو المساس بممتلكاتهم مع حمل أو استعمال أسلحة بيضاء ظاهرة أو مخبأة . عند اعادة قراءة هذا الشرح لجريمة عصابات الأحياء نجد أن المشرع لم يكن مرنا كفاية في شرح الفعل من ناحيته المادية والفعلية وربط الصلة بينهما اذ اكتفى بذكر أن نوع هذا الاجرام يقوم به شخصين أو أكثر في حي سكني أو غيره والعادة لدى رجال القانون أن وصف الجريمة لا يتوقف عند الشرح السطحي للصورة النمطية للإجرام بمفهومه القانوني والمجتمعي في كون الفعل لا ينضوي تحت الاحترام الرادع بالقانون ما يجعل جرائم عصابات الأحياء تبدو للوهلة الأولى من التحليل أنها جرائم خارجة عن التصنيف الاجرامي ولو أنها تبدو جرائم مجتمعية ميدانية هدفها بث البلبلة والتخويف والتمكين من تحقيق الهدف الانتقامي من كل من يريد فرض نظام قانوني أو أخلاقي لأن التركيبة الذهنية للمجتمع الجزائري في بعض جوانبها ترفض الانضواء تحت طائلة القانون في حالة المخالفات وهي طبقة دنيا غير مثقفة كفاية بثقافة الاحترام ما يجعلها تحاول فرض قانون الأنا المتغول سبقا على شرعية القانون في ردعه فيصبح المواطن المتخلق والمنضبط يعاني من همجية ونمطية سلوك يقف معها حائرا في ايجاد الحل المناسب والذي يفترض أنه غير ملزم بمواجهتها لأنها خارجة عن القانون. ثم تسمية عصابات الأحياء لا يمكن حصرها كتسمية منفردة ومركزة على مسرح جريمة واحد ألا وهو الأحياء السكنية بل أن المجرم أو المجرمين قد يشكلون عصابات في الادارة مثلا بخرقهم للقانون والاعتداء على حقوق الموظفين بالابتزاز أو الاختلاس أو المنع من الترقية والمشاركة في الحقوق العمالية المشروعة قانونا وبلا مساومات الأسرة كذلك قد تكون حاضنة لعصابة متكونة اما من الوالدين أو من الاخوة في حق فرد من أفراد هذه الأسرة او في حق فرد من ذوي الأرحام كمنع الميراث مثلا فتصبح الجريمة متنفسا لهم اما للابتعاد عن تحمل المسؤوليات التي تعودها المجتمع من منطلق واجب قانوني وأخلاقي أو للتعبير عن مكنونات العنف الكامنة في التركيبة الشخصية للمجرم والذي هو فرد من عصابة أو ربما يشكل هو بتكرار السلوك عصابة لوحده ان ما كانت مقومات الاضعاف للرضوخ سهلة التحقيق . وبالرجوع الى نية الحكومة الجزائرية في مكافحتها لجرائم عصابات الأحياء بسن الأمر رقم 20-03 المؤرخ في 30 أغسطس 2020 ف هذه مبادرة نثمنها في ظل غياب النصوص المتخصصة في قانون العقوبات ولكن يجب شرح الآليات : التطبيقية لهذا المرسوم من حيث مايلي : -تسطير مجموعة طرق مكافحة جرائم عصابات الأحياء بمنهجية استباقية قبل حدوثها يعني يجب تعلم تفادي الخسارة قبل وقوعها ثم النظريات التنظيرية لأي فعل اجرامي تتم من خلال عمليات تقريبية قد لا تعطي الزمن الدقيق لوقوع الجريمة لكنه يحيط علما رجال الأمن على الأقل بمكان حدوثها. -القيام بعملية جرد للمباني السكنية التي لا تخضع لمعايير الملائمة الأمنية كالمباني التي تكون خارج المدينة والتي تكون عرضة للاستهداف وارتكاب جرائم الاعتداء كالسرقة والاختلاس والضرب والتعدي بالعنف . -الجرد الدقيق لنوع السلوك الجرمي المرتكب بكثرة واحصاء الحالات المتقاربة من حيث الفئات المستهدفة من حيث نوع الجنس والعمر وأهم آثار الاعتداء في دراسة تحليلية اجتماعية نفسية لفهم السلوك الاجرامي والشخصية الاجرامية لمعرفة ان ما كانت أبعادها انتقامية أم مجرد عمليات شغب حتى يتم ابعاد فرضية أعمال ارهابية تنظمها جهات أجنبية تريد زرع الفوضى والاخلال بالأمن خاصة في فترة استحقاقية أو حدث سياسي هام يمر به البلد كالانتخابات مثلا . -سن القوانين لا يكفي..عقد لجان مراقبة ومتابعة لا يكفي أيضا اكتفاء المشرع الجزائري بالنص القانوني قد يجعل من المواطن مجرد قارئ لنص أجوف ما لم يتبعه بشرح مفصل لسلوك المواطنة وضرورة مساهمة المواطن في عملية مكافحة جرائم عصابات الأحياء فهي ترتكز بالأساس على اليقظة والحذر وثقافة التبليغ التي نلحظ أنها بالكاد تكون بنسبة قليلة وهذا لأن المواطن لم يتم تبسيط فكرة المساهمة منه كواجب وطني لابد منه وليس كرد فعلي اختياري لا يقع على عدم الاتيان به أي مساءلة أو متابعة ولكن الضرر يمس المواطن فعليه أن يكون هو البادئ في حماية وسلامة حيه أو مسكنه باليقظة اللازمة وعلى الأجهزة الأمنية أن تغير سلوك التدخل الاستعجالي الذي لوحظ انه لا يكون فعالا وسريعا ودقيقا من باب أن الثغرات القانونية الموجودة في تسيير مؤسسات الدولة لا تحتوي على قوانين أساسية أو تكميلية لما بعد انتهاء صفقة شراء سكن فمثلا ديوان الترقية والتسيير العقاري بمجرد أن ينتهي المواطن من دفع مستحقات السكن فهي مباشرة تخلي مسؤولياتها من تحمل جزء من المشاكل وحلها بطريقة قانونية وفق ما ينص عليه قانونها الداخلي أو القانون المغيب في هكذا وساطة مدنية يفترض وجودها بل أن الحماية مسؤولية الجميع وبالتنسيق مع الكل مؤسسات دولة وأشخاص . -ضرورة متابعة السجناء الذين ينهون فترة السجن لما بعد الخروج منه لأن البعض منهم تلقائيا يعود للإجرام بمجرد غياب الحضن الأسري المهيىء لاستقبالهم ومساعدتهم في الاندماج فغياب دور الأسرة وغياب المساعدة الاجتماعية من مؤسسات المجتمع المدني قد تخلق عاملا لارتكاب جرائم العود وربما مع نفس العناصر التي كانت سابقا تمتهن الجريمة كحرفة فالجريمة لا تكون جديدة ثم تصبح في السجن مقبوض على فاعليها بل تتجدد بمجرد الخروج من السجن وقد لاحظ الجميع فكرة السوار الالكتروني والانتقادات التي وجهت اليه فهذا يبعث على ضرورة البحث على آليات أخرى لاحتواء السجين بعد انتهاء فترة سجنه بما يعود عليه بالنفع العام له ولأسرته ولمجتمعه . -في الأخير وكآلية مهمة جدا في تطويق ومكافحة جريمة عصابات الأحياء هي الردع القانوني فلا تسامح مع من يزرع ويبث الرعب في نفوس المواطنين والساكنين في مناطق الظل أو المناطق النائية لما تخلفه عمليات الاعتداء من أضرار نفسية بالغة الجسامة على نفسية الضحية ومهم جدا القيام بدراسات سيكولوجية لتقديم العلاج المناسب لها ان كانت فرصة العلاج تتقدم فترة العقوبة بالسجن ونقترح في الأخير سن عقوبة الإعدام للجنايات الخطيرة التي تترتب على المعتدين من قتل واغتصاب وتنكيل فسلامة المجتمع من سلامة المواطن ورقي الدولة من استقرار المجتمع وسلامته..نتمنى السلامة للجميع ونتمنى أن تسود الثقافة القانونية لدى المواطنين وكذا ثقافة التبليغ بتعزيز روح الانتماء لهذا الوطن الغالي.