مقدمة: مما لا شك فليه أن الامتداد التاريخي للإجرام بدأ منذ وجود بن آدم على الأرض واستمرت مظاهر العنف لقرون متواصلة تلتها تعبيرات عنه بتنوع الاجرام الذي لم يكن الدافع منه شذوذا أو جنوحا لفعل الشر أكثر من فعل الخير بقدر ما هو مركب وميل طفولي يدفع إلى الاستسهال والاختصار فتتبلور فكرة الجريمة دفاعا عن رغبة أو تعبيرا عن عقدة نفسية نشأت نتاج بيئة ظالمة أو سوء توجيه لتربية خاطئة طورت العنف والميول للقسوة أكثر منه للتفاهم والحوار والمصالحة النفسية الذاتية لتليها المصالحة الخارجية التي تتم بين أفراد الأسرة الواحدة وبين أفراد المجتمع وحتى بين مجتمعات الدول اعتبارا كون الأسرة هي التي نعول عليها كثيرا في خلق التوازن المجتمعي مراعاة للظروف والمستجدات والرهانات المحيطة بنا لينشأ ذاك التوازن الذي ان هو اختل انعكس سلبا على تركيبة الاجرام ليتحول إلى سلوك اعتيادي متكرر ومتنوع وغير مفهوم الخطط أحيانا لذلك يعكف رجال القانون والمختصين في عالم التحقيقات الجنائية بشأن ارتكاب الجريمة بكافة أشكالها وكذا مسرح الجريمة الذي أصبح ينطق بكافة اللغات التدليلية على أنه ليس واحد لجريمة واحدة في بعض الحالات بل قد يكون متنوعا ومتنقلا وغامضا في أحايين أخرى فحتى أن نظرية لوكارد لا تسع لمفهوم أن أي تلامس بين جسمين إلا ويترك أثرا لأن مجرم هذا العصر أصبح ذكيا بلا علم يقرأه ولا تجربة يأخذها من غيره من المجرمين بل تكفي المعرفة التفصيلية للحي الذي يعيش فيه ومعرفة أسرار الحركة اليومية للجيران لتنطلق من هنا رحلة عصابات الأحياء التي أخذت لها شكلا جديدا مكونا من مجموعات تنشط في الأحياء لتحقق لها مآرب متعددة والبدء سيكون بتعريف هذه العصابات وكيف كان المنشأ وما هي الممارسات الغير قانونية التي تقوم بها لتصل لحد ارتكاب الجريمة ومع الوقت تصبح امتدادا لجرائم العود بصيغة انفرادية أحيانا للتمويه والتغطية عن باقي أفراد العصابات. *نشأة عصابات الأحياء والصيغة القانونية لآليات الحماية منها: ان دوافع ارتكاب الجريمة تختلف من جنس بشري لآخر ومن بيئة لأخرى فالفرنسيون والايطاليون يقتلون لأسباب عاطفية والألمان يقتلون بدوافع سادية والانجليز يقتلون بعد وضع خطة دقيقة ينفذونها بعناية فائقة أما الأمريكان فهم ينفذون الجريمة لدوافع آنية في لحظتها على خلاف الدول العربية فدوافع ارتكاب الجريمة غالبيتها راجع للظروف المعيشية المزرية الدافعة للانتقام من الوضع المتردي أو بسبب تعاطي الكحول والمخدرات ولأسباب اجتماعية مختلفة غالبيتها اخفاقات وفشل ورفض أسري لاحتواء المجرم بعد أن انحرف به المسار ليقترف الجريمة فيصبح مرفوضا من المحيط القريب منه ألا وهو الأسرة والأصدقاء وبالمناسبة وفي نفس السياق يمكن القول أن الجزائر انتقلت عموما من البحث عن حلول الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلى محاربة الجريمة ومواجهة الخوف الذي يبثه المجرمون في أوساط المجتمع بعد أن سيطرت على الساحة المجتمعية مشاهد حمل السكاكين والخناجر والآلات الحادة والسواطير مشاهد تظهر العنف في أقصى صوره وأنواعه ناهيك عن تأثير المخدرات والكحول التي تزيد من رتابة السلوك الاجرامي فلا تنفع النصائح ولا الوعظ ولا التنبيه بخطورة اللاستقرار في الأحياء والمناطق السكنية خاصة العمارات التي لا تتوفر على التوزيع المنظم بحسب المهنة والثقافة لساكنيها بغض النظر على الأحقية في السكن وتحقيق الدفع المادي للإيجار أو لصيغة الملكية بالشراء الجزئي. هذا من جهة من جهة أخرى لم نتمكن من العثور على توثيق لأول حادثة عصابات الأحياء في الجزائر وهو ما يعد تغافلا عن تسجيل ذلك من خلال التنسيق مع مصالح الأمن لمعرفة الأسباب الحقيقية الدافعة لها خاصة في ظاهرة جرائم العود (هي تكرار ارتكاب الجرائم بحيث لا يقتصر على الجرائم التي ثبتت بحكم قضائي بل هي حالة الاصرار لدى الشخص العائد على اعادة ارتكاب الجريمة) والتي لوحظ من قبل المختصين أنها تتزامن مع إجراء العفو عن المساجين وهو ما يجده المجرمون ذريعة لتجديد النشاط الاجرامي ليصبح الأمر في حاجة لإعادة النظر وترسيم قواعد وضوابط لهذا الاجراء على الأقل متابعة المطلق سراحه بعفو رئاسي بوضع السوار الالكتروني لمراقبة سلوكه للأشهر الأولى من تاريخ العفو عنه. و بما أن الدولة الجزائرية مصممة على مكافحة هذه الظاهرة التي اجتاحت الأسواق والشوارع والأحياء السكنية والقول أن مشكل البطالة هو الدافع الأساسي لها يجعل من واضعي الآليات أنهم في كل مرة يبحثون عن طرق أخرى لتطويق هذه الجرائم وربطها بظواهر أخرى للبدء في معالجتها ظاهرة بظاهرة مثل المراقبة الجيدة للمواد المستوردة ومكافحة الادمان على المخدرات وكذا وضع برامج تنظيمية لفتح حانات الخمر التي تتنافى وقواعد أخلاقيات المجتمع الجزائري لأنه لا يمكن القول بمكافحة ظاهرة اجرامية دون دراسة معقمة لنسق الحياة لدى المجتمع الجزائري ونمط سلوك الشباب وتوجهاته فيما يخص طريقة استغلال وقته والأماكن التي يرتادها وقت العطل ونهاية الأسبوع وكذا الجماعات التي يتعامل معها اذ لا يكفي وضع قانون لمحاربة ظاهرة اجرامية دون دراسة السلوك الاجتماعي والثقافي والمهني فكل مرتبط ببعضه البعض وكله يساعد ويكثف من الحركة الإجرامية داخل المجتمع. وعليه يمكن القول أن آليات مكافحة جرائم عصابات الأحياء لا تعتمد فقط على سن القوانين ومحاولة تطبيقها في الميدان دون حل المشاكل الأساسية الدافعة للإجرام بعد القيام بدراسات واحصائيات سوسيولوجية تسمح لنا بالانتقال بناء عليها إلى المرحلة الثانية وهي سن قوانين تتوافق مع طبيعة الاستنتاجات المتحصل عليها بعد دراسة العوامل المساعدة أو الدافعة إلى ارتكاب الجريمة ولن تقتصر فقط على عصابات الأحياء لأن هناك نوع من الجريمة هو من يفتح المجال لجرائم أخرى بل يسهلها ويضبطها برزنامة وقتية ومكانية مدروسة مثل الجريمة السيبرانية التي توفر المعلومات الكافية عن المكان والشخص المراد تطبيق الفعل الإجرامي عليه. *هل تشديد العقوبات كاف لمحاربة جرائم عصابات الأحياء؟ يعتبر سن القوانين الرادعة لأي ظاهرة اجرامية سلوك عقلاني وصارم من أجل التقليل من الظاهرة الاجرامية محل الدراسة أو محل المتابعة نظرا لما تشكله من تهديد وخطر على أمن وسلامة المجتمع برمته وليس المواطن أو الأسرة انفرادا فمثلا الأمر رقم 20-03 المؤرخ في 30 أغسطس 2020 والمتعلق بالوقاية من عصابات الأحياء ومكافحتها والذي عرف في المادة الثانية منه أن عصابة الأحياء هي كل مجموعة تحت أي تسمية كانت مكونة من شخصين أو أكثر ينتمون إلى حي سكني واحد أو أكثر تقوم بارتكاب فعل أو عدة أفعال بغرض خلق جو انعدام الأمن في أوساط الأحياء السكنية أو في أي حيز مكاني آخر أو بغرض فرض السيطرة عليها من خلال الاعتداء المعنوي أو الجسدي أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو المساس بممتلكاتهم مع حمل أو استعمال أسلحة بيضاء ظاهرة أو مخبأة....... . فبقراءة متفحصة لهذا النص نجد أن عصابات الأحياء ليس شرطا أن تكون من قاطني الحي السكني الذي تسكن فيه اذ بالإمكان التواصل مع أشخاص غرباء بتواطؤ مع قاطني الحي السكني من أجل وضع خطة لتنفيذ اعتداء بسرقة منزل أو بالاعتداء الجسدي على ضحية قاطنة بالحي مثلا فتشكيلة العصابة ليس شرطا أن تتوقف ضمن محدودية الاطار السكني في الحي بل تتجاوزه إلى غرباء معتادون على ارتكاب الجرائم والفرار من قبضة العدالة وهنا تتبين العلاقة الخفية بين عصابات الأحياء وجرائم العود وعادة ما يكونون يتمتعون بمؤهلات اجرامية تمنحهم تكرار الجريمة وتوسيع النشاط الإجرامي لأن مرتكبوها المباشرون لا يقطنون الحي السكني الذي يحتوي على مجال حر في مسرح الجريمة وعليه فان توسعة المفاهيم ضرورية لضبط دقيق لمفهوم جريمة الأحياء ولإعطاء رجال الشرطة النظرة التوسعية لعدد أفراد العصابة كونهم غرباء أو من أُطلق سراحهم منذ سنوات خلت ليتجدد النشاط الاجرامي بعد خروجهم من السجن بخطط جديدة يمكنها تمويه رجال الأمن والمحققين الجنائيين فالمدة التي قضوها في السجن تمنحهم تجربة وخبرة في تغيير ديناميكية العمل الاجرامي وهذا القول لا ينطبق على كل المجرمين اذ فيهم من ينصاعون لردع القانون ولا يعودون لارتكاب الفعل الاجرامي مرة أخرى. *خاتمة : لنصل في الختام إلى أنه بالرغم من أن هذا الموضوع متشعب وواسع وله ارتباطات وصلات عديدة بجوانب كثيرة كما سبق وذكرت سابقا إلا أنه يمكن القول أن جرائم عصابات الأحياء قد تكون آنية ظرفية ترجع لأزمة ظهرت فجأة لم تكن في السابق ويمكن اعتبار جائحة كورونا مثلا عامل يساعد على تهيئة المناخ لارتكاب الجريمة لأن المواطنون يركزون على تفادي هذه الجائحة بالطرق الوقائية ما يجعلهم يتجاهلون الجانب الوقائي للجريمة كالقيام بالتبليغ مثلا عن أي سلوك مناف لقواعد الاحترام داخل المجتمع أو أي سلوك مناف للآداب العامة في الأحياء السكنية فالمطلوب في مثل هكذا ظروف اليقظة والتعاون والتنسيق فيما بين المواطنين وعناصر الأمن باستعمال وسائل التواصل كالخطوط الهاتفية الخضراء وغيرها ليكون المجتمع على أهبة للدفاع عن الكيان ككل وليس الفرد فقط اذ أن أي تساهل أو تخاذل سيفتح المجال واسعا أمام عصابات الأحياء لتنشط بقوة وبسرعة كما يجب تحسيس المواطن بأخذ الحيطة والحذر وهو يتعامل مع غرباء عن الحي الذي يقطن فيه لمنع الفرصة أمام هؤلاء الغرباء لاختراق المجال السكني وبالتالي زرع الفوضى والخوف في أوساط ساكنيه. وتبقى جرائم عصابات الأحياء ليست مسؤولية الجهاز الأمني بمختلف رتبه وانما هي مسؤولية المواطن بالدرجة الأولى لأنه هو من يعلم ويتحسس الحركات الغريبة والتجمعات المشبوهة داخل الأحياء وبالتالي يقظته ووعيه يشكلان عامل مساعدة وتيسيير لعمل عناصر شرطة العمران (الشرطة الجوارية) والدرك الوطني في المهام المنوطة به ليبقى التعاون والتضامن والتجند المستمر مع احترام القانون والعمل ببنوده بمثابة أهم آلية لمحاربة جرائم عصابات الأحياء.