بقلم: سميرة بيطام* مقدمة : نسمع كثيرا في الآونة الأخيرة الحديث من العصر الحديث عن الوعي أو صناعة الوعي وحتى تحرير الوعي لسنا نعرف مصدر المصطلح والحاجة لاستعماله والظرف الذي أدى لتداوله وأيهم أصح في الاستعمال: صناعة الوعي أم تحرير الوعي ربما سنجد آراء مختلفة وأفكارا عديدة ومقترحات مفاهيم متقاربة ولكن أيهم أصح للتداول. إن التأثير الآن على وعي الشعوب والأفراد لهو الهدف الأساس الذي تسعى إليه كل الأطراف المتدخلة في تشكيل وعي المجتمع بغض النظر عن توجهاتها الإيديولوجية والفكرية والسياسية مستعملة في ذلك كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة الظاهرة والباطنة هدفها في ذلك كسب المزيد من المنخرطين في دائرة الوعي المنشود لديها. فالوعي إذن فعل تاريخي خضع لسيرورة طويلة منذ حاول الإنسان استيعاب ما حوله من ظواهر وتفسيرها والأمة الإسلامية الآن أحوج ما تكون إلى صنع وبناء وعي أصيل يعيد لها ريادتها بين الأمم الأخرى ويرد لها نصاعة تقدمها وسبقها في مجالات شتى من هنا نتساءل: ما هي القضايا التي تحتاج من علماء ومثقفي الأمة أن يرفعوا منسوب الوعي حولها؟ وكيف تستعيد الأمة بريق وعيها المنشود؟ وأي وعي نريد لأمتنا ومجتمعاتنا المسلمة؟ وهل غاب وعينا أم غُيِّب؟.و لماذا الوعي الآن أصبح ضرورة حتمية أكثر من أي وقت مضى ؟. التحولات العالمية والتغيير الإيجابي في الدول هو الدافع لصناعة الوعي : إن من واجب الأفراد والجماعات أن يعملوا على إمداد الوعي الجماعي بما يملكونه من إمكانات ومواهب فصناعة الوعي لا تتأتى إلا بالاستفادة الكاملة من جميع الطاقات والكفاءات والبحث عنها واستثمارها في جذب الناس إلى الفكر الأصيل والثقافة الواعية والكتاب الهادف والمعلم الأمين من هنا يبرز دور الرجوع إلى أصولنا وقواعدنا الكبرى وشخصياتنا التاريخية المؤثرة والفكرية العريقة كي نعود معها إلى النبع الصافي والمنهل الخالد لإمدادنا بكل مقومات النهوض والرفع من مستوى وعينا الأصيل. عن أي وعي نبحث الآن للتغيير الإيجابي: لا شك أن الأمة دفعت ضريبة قاسية ولا تزال تؤدي جراء عدم وعيها بقضاياها المحورية والمحددة لنقاط قوتها وهزائمها إذ ما خلفته صدمة انحراف مسار الحكم في تاريخ المسلمين وما تعرضوا له وبلدانهم من استعمار مسلح واستغلال لثرواتهم يبقى قويا وصادما أدى لضرب أسس الوعي الجمعي الإسلامي والقضاء على النخب الواعية بمقومات أمتنا الإسلامية بتغييبها أو إغرائها أو تهميشها أو تجاهلها إذ تعتبر هذه العناصر أساليب قد اعتمدت لضرب وعينا قصدا وتحكما واستبدادا فقد اعتمد النظام الليبرالي مثلا القوة الناعمة أو القمع اللطيف والغير المحسوس لتشكيل وعي هجين يضع السم في العسل لقاعدة هامة غير محصنة فكريا وعقائديا ضد هذه الهجمات المنظمة الخطيرة وقد اعتمدت الأنظمة القمعية السابقة كالنظام السوفيتي والناصري على المواجهة المباشرة لضرب فكر المخالفين قمعا لهم وسجنهم واغتيالهم بشكل مباشر وغير مباشر وقد أدت هذه الأساليب على اختلافها لخلق وضعية فكرية وعقائدية هشة عانت منها الأمة ولا تزال الأمرين. معوقات أرادت عرقلة تحرير الوعي الجزائري لكنها فشلت : يبدو أن المسار الذي انتهجته الجزائر نحو التغيير الإيجابي بدأ بحراك شعبي رفض ممارسات الفساد والاستمرار في استنزاف الخيرات لوجهة لم تكن وطنية ولم تخدم الوطن كما ينبغي فانطلق الحراك ليحرر الوعي الجزائري من قيود الخوف والتردد لصناعة مصير محتم مصير دولة ضحى شعبها لقرون خلت ولا يزال يضحي ليومنا هذا ولكن نتائج تحقيق شرارة الانبعاث الحضاري لم تنطلق وربما المعوقات كانت بدافع تغليط الجمهور الجزائري عن رغبته الحقيقية والمشروعة وعن هدفه الأسمى فانطلقت أصوات مطبلة وناعقة تلهث لهث الكلاب في البراري لتستغل مشروع الحراك إلى ما يفيد جبهات أجنبية تكن العداء والكراهية للجزائر ولشعبها ولجيشها فصار جزء من الشعب فاقد لتلك الثقة التي تؤهله لأن يفهم قواعد اللعبة العالمية كما هي وليس كما يوصف له عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر فيديوهات اليوتيوب لتدخلات أشخاص يستعملون لغة الكراهية والتضليل ولا من أدلة واضحة صحيحة ولا من نوايا صريحة لحبهم كما يدعون للجزائر فلو كانوا يحبون الجزائر لما غادروها ليرجموا شرفائها من خلف الحواسيب فالشجاع يتكلم من فوق أرضية بلده ويقابل وجها لوجه من يظنهم خصومه ثم مستعمر الأمس لم يهضم فكرة أن تتحرر الجزائر من أشكال العبودية والاستغلال للثروات وللعقول وللمشاريع التي استنزفت على مدار عشرين سنة أموالا طائلة ولكن المستفيد الأكبر منها لم يكن الشعب فخرج في حراك ليقرر مصيرا شريفا ومن هنا انطلق تحري الوعي ولم تنطلق صناعته لأنه أصلا كامن في الفكر الجزائري الأصيل لكنه كان مقيدا بتخويف الفشل وتناقض الارادات المنادية لضرورة القيام بمسار إصلاحي لكن التفاف الشعب حول جيشه ورغبة منه في أن يصون بلده من استمرار العصابات في نهب الخيرات والأموال حقق له النسبة الكبرى من الانفتاح على الحقيقة التي وُريت حتى يتم كسر طموح الجزائر لأي تطلع نحو مستقبل أفضل وعليه يمكن القول أن الوعي في الحراك الشعبي تحرر من التقييد وكانت جدلية البناء هي التي كانت تصول وتجول في عقول الجزائريين سواء نخبة آو فئات عمرية بسيطة على السواء فالمهم أن هذه الجدلية جعلتهم يرفعون شعارات في البدء كانت موحدة وانصبت كلها نحو تغيير الأشخاص الذي يملكون سلطة صناعة وتوجيه القرار لأنه بحسب الرؤية الثاقبة للشعب الجزائري هؤلاء الأشخاص لم يمثلوه أحسن تمثيل فنادى بضرورة إبعادهم من مناصبهم وهو ما حدث فعلا عند المضي قدما نحو إحداث تلكم القطيعة بين سلوكات لأشخاص لا تمت بصلة للثمن الذي دفعه الشهداء غاليا جدا بالنفس والنفيس فتحرر العقل ومضى نحو وقف جدلية البناء وإرسائها على قاعدة سليمة عبر قطار لبناء وطن برغبة أبنائه المخلصين والشرفاء والوطنيين وهو ما حدث فعلا وباعتراف الدول الأجنبية التي انبهرت لانسجام الحراكيين واتفاقهم على معطيات واحدة لدحض فرضية الرفض رفض تحقيق الهدف المنشود وهو إعادة بناء جزائر جديدة تقوم على أسس متينة وراقية وقوية فالجدل في البناء وفرضية الرفض حالت بينهما الإرادة الشعبية وإرادة الجيش فالتحم الكل تحت عبارة :جيش شعب خاوة خاوة وهو ما زاد في تراجع جدلية البناء لأن أي مبادرة نحو التغيير إلا ويتخللها تردد وخوف من المستقبل لأن التجربة في باقي الدول العربية باءت بالفشل والخوف من انتقال عدوى الاخفاق ربما وارد ولو بنسبة معينة لكنها الإرادة القوية التي ألغت كل أشكال المغالطات والتضليل والتفرقة على الرغم من المحاولات العديدة للتشكيك في مشروع الحراك الشعبي إلا أن تلك الظنون قابلها الشعب الجزائري بالسمو فوقها ووضع مصلحة الوطن فوق كل المصالح الشخصية والمصالح التي تسعى إليها أطراف جزائرية في الأصل لكن لها علاقات بأطراف أجنبية تبحث لها عن وسائط لزرع الشك والفوضى والبلبلة ولكن فطنة ويقظة الشعب والجيش جعلا من هذه المشاريع مجرد ذر رماد في العيون فنجح مشروع الحراك ولو أنه بدأ في النهاية يعرف انحرافا بسبب محاولة التغليط التي ما انفكت الدول المعادية لنهضة الجزائر ترفض التوقف عن الترصد ومحاولة الاختراق لكن العزيمة غيرت كل الاحتمالات وأخفقت كل محاولات إفشال المشروع الجزائري الوطني بامتياز. ومن هنا نستخلص إن فكرة الوعي وتحديد مصدره فيما إن كان صناعة أو تحريره يتوقف على مبادرة وهدف المشروع من التغيير وبالنسبة لمشروع الجزائر ولست أتكلم على لسان عامة الشعب ولكنه مجرد رأي شخصي أن الوعي تحرر ولم يُصنع لأنه كامن أصلا في عقل الجزائري والجزائرية منذ الأزل بل بالفطرة التي ربت فيهما حب الوطن والسمو فوق عداءات بشر قد لا ينتمون لفئة البشر الهادئين والعاقلين وإنما لفئة البشر الذين ولدوا من أجل بث البلبلة لأنهم أصلا يعيشون بلبلة في بيوتهم وعقولهم ونواياهم التي حرمتهم من الاستمتاع بقيمة وطن كانت أبوابه مفتوحة لهم على مصراعيها ليعلونها صراحة رفضا للمصالحة مع ذواتهم وأصروا على البقاء في طيش العدوانية والكراهية والحقد الدفين الذي ليس له مبرر سوى عقد نفسية وتراكمات الماضي التي قد نجهل تفاصيل مكنوناتها ولكن لا يوجد تفسير عاقل لكراهية وطن أنجب هؤلاء الشرذمة ومنحهم الحق في النمو والتعلم وتنفس الهواء الجزائري بكل حرية ليتحولوا مع الوقت إلى أعداء لذواتهم قبل أن يصيروا أعداء للغير وللوطن والحمد لله أن هذا الغير من جموع الجزائريين لا يهتم لخزعبلات وطلقات كلمات غير موزونة ولا هادفة سوى الهدف منها الترويج لبضاعة التخوين والعمالة بالوكالة لنصل في الختام إلى أن مشروع التغيير في الجزائر مشروع بدأ بانطلاقة سليمة وصحيحة رغم الصعوبات والجهود المبذولة والمتواصلة من شرفاء الوطن وهو ما يجعلنا نتفاءل كثيرا بمسار الجزائر الجديد على سكة قطار التفاؤل والثقة والصرامة والإصرار في الوصول إلى الهدف المنشود وهو تكملة أمل الشهداء في أن تتحرر الجزائر نهائيا من استعمار الأمس والذي يريد أن يبقى اليوم ويستمر للغد ولكننا رافضون لفكرة البقاء والدوام لأن العزيمة والتضحيات حررت الوعي وجعلته يقرر بقوة في بناء جزائر جديدة لا تخضع للإملاءات ولا لنماذج أجنبية في المشاريع والاستراتيجيات الإصلاحية..فتحرير الوعي أقرب وأصدق من صناعة الوعي بالنسبة لنموذج الجزائر الجديدة..هنيئا للمخلصين ولجهودهم المباركة وعلينا تحفيزهم للاستمرار رغم المضايقات والترصدات إلا أن ذلك سيقوي من عزيمة المضي قدما نحو بناء وطن قوي ينافس باقي الدول على حقبة سنوات قادمة وما هذا على الله ببعيد أو مستحيل.