رغم حملات التوعية والتحسيس فوبيا لقاح كورونا تُلاحق الجزائريين * معلومات متضاربة ومغلوطة ومضللة عبر الوسائط الاجتماعية رغم ارتفاع عدد إصابات كورونا في الجزائر إلى أزيد من 1000 يوميا منذ حوالي أسبوع وارتفاع معدل الوفيات إلى ازيد من 15 وفاة كل 24 ساعة لازال سيناريو الخوف من تلقي اللقاح متواصلا مما يدق ناقوس الخطر في احتمال ارتفاع منحى الإصابات أكثر خلال الأيام القادمة الأمر الذي وسّع وسرّع من وتيرة تنظيم حملات للتوعية والتحسيس بمنافع أخذ اللقاح وتبيين مخاطر العزوف عنه من طرف البعض بسبب المعلومات المتضاربة والمغلوطة والمضللة والتي شاركت فيها الوسائط الاجتماعية بالقسط الوفير. نسيمة خباجة تبذل الحكومة جهودا لحماية مواطنيها من الفيروس اللعين فبعد التوعية والتحسيس حول التدابير الوقائية في بداية الجائحة جاء دور اللقاح الذي تم استيراد ملايين الجرعات منه وتقديمه مجانيا للمواطنين وتنظيم حملات لتلقيه عبر المصالح الاستشفائية والساحات العمومية والمساجد لكن ورغم استجابة العديد من المواطنين لازال البعض الآخر يقاطع اللقاح بسبب تخوفات حوله وحول آثاره الجانبية التي يؤكد الأطباء والمختصون انها أعراض خفيفة لا ترقى إلى ما يضمنه اللقاح من منافع في محاربة الفيروس والتخفيف من أعراضه كما تلح منظمة الصحة العالمية على أخذ اللقاح لتحقيق المناعة الجماعية وكبح جماح الجائحة. آراء متباينة في جولة لنا عبر الشوارع اقتربنا من بعض المواطنين لرصد آرائهم حول تلقي اللقاح من عدمه فاختلفت آراؤهم بين مؤيد ومعارض. تقول السيدة سعاد إنها لم تأخذ اللقاح رغم رغبتها إلا أن التخوفات التي تحيط به زرعت القلق في نفسيتها وتتردد كثيرا لأن الآراء هي جد متضاربة حول فعاليته وآثاره الجانبية. سيدة أخرى وهي معلمة قالت إنها لم تتلق اللقاح ولن تتلقاه وتخاف نتائجه السلبية واحتمال عدم تلاؤمه مع طبيعة جسمها كما أن المدة التي تم تصنيع اللقاح فيها هي جد قصيرة وتتخوف من عدم نجاعته. خالفتها سيدة أخرى الرأي وقالت إنها أخذت اللقاح هي وزوجها وبنتيها واختلفت الأعراض حسب الطبيعة الفيزيولوجية للجسم وتراوحت بين الصداع والحمى والآلام الموضعية في مكان تلقي اللقاح ورأت أن تلك الآثار لا تضاهي المنافع العديدة للقاح في حماية الجسم من أعراض فتاكة لفيروس قاتل. العزوف ظاهرة عالمية منذ إعلان مرض كوفيد-19 جائحةً عالمية في فيفري 2020 يشهد العالم تهديدًا مستمرًّا ومع ارتفاع معدل الوفيات وظهور المتحورات الفيروسية واحد تلو الآخر يزداد القلق والخوف وعلى الرغم من توافر عدة لقاحات للوقاية من المرض لا يزال الوضع غير مطمئن وذلك نتيجة لإعراض فئة كبيرة من الناس عن تلقِّي اللقاح فما الأسباب وراء هذه الظاهرة التي تمثل خطرًا كبيرًا على العالم بأجمعه؟ وكيف يمكن التصدي لها؟ في جانفي الماضي نشرت دورية نيتشر كومينيكيشنز دراسة تحلل بيانات تمثيلية على المستوى الوطني في أيرلندا والمملكة المتحدة وجدت الدراسة أن مقاومة اللقاح تظهر بشكل واضح لدى 35 بالمائة من سكان أيرلندا و31 بالمائة من سكان المملكة المتحدة وفق نتائج عينات البحث محل الدراسة كما أشارت إلى وجود اختلافات في عدد من المتغيرات الاجتماعية والديموغرافية والصحية لدى الأشخاص الرافضين للقاح ولكنهم كانوا متشابهين في مجموعة واسعة من التركيبات النفسية كما أوضحت الدراسة أن الرافضين للقاح كانوا أقل احتمالًا للحصول على معلومات حول الوباء من المصادر التقليدية والموثوقة ولديهم مستويات مماثلة من عدم الثقة بهذه المصادر مقارنةً بالمستجيبين لدعوات تلقِّي اللقاح. على الرغم من عدم إمكانية تعميم نتائج الدراسة السابقة على بقية السكان إلا أن هناك العديد من نتائج الدراسات التي تتفق مع ما ذهبت إليه نتائج هذه الدراسة وهى تشير إلى الخطر ذاته. كما أفاد تقرير حديث -نشره معهد إمبريال كوليدج لندن للابتكار الصحي العالمي- أن المخاوف بشأن الآثار الجانبية وما إذا كانت اللقاحات قد خضعت لاختبارات كافية وراء مقاومة اللقاح نتج التقرير عن دراسة استقصائية دولية شملت 15 دولة -أسترالياكندا الدنمارك فرنسا ألمانيا إيطاليا اليابان النرويجسنغافورةكوريا الجنوبية إسبانيا السويد المملكة المتحدة الولايات المتحدة- وأُجريت بين مارس وماي من هذا العام أفاد التقرير أن أكثر أسباب مقاومة اللقاح شيوعًا تتضمن مخاوف بشأن عدم الحصول على اللقاح الذي يفضلونه وكون اللقاحات فعالةً بدرجة كافية. انعدام الثقة تختلف الأسباب لدى رافضي اللقاح في بين عدم الثقة باللقاح والذي قد يرجع إلى كونه مجانيًّا والقلق من التأثير بعيد المدى له وكذلك الشك في أهمية اللقاح من الأساس كما يُرجع القلق من اللقاحات إلى قِصر المدة التي صُنعت فيها ففي أقل من عام صُنعت خمسة لقاحات حول العالم على الرغم من أن تصنيع اللقاحات يستغرق في المعتاد عدة سنوات مما تسبب في حالة من عدم الثقة والقلق ولكن السبب وراء سرعة إنتاج اللقاحات هو التقنيات الحديثة والتمويل الضخم من كبريات الشركات ومراكز البحوث وكذلك إقبال الجامعات العالمية على عمليات الابتكار والإنتاج. خلص تقرير معهد إمبريال كوليدج لندن إلى أن أبرز المخاوف تتمثل في الخوف من الآثار الجانبية فاللقاحات إما أن ترسل للخلية البشرية إشارةً بتصنيع بروتين يشبه البروتين المكون لأشواك فيروس كورونا المعروف ببروتين الحسكة أو بروتين (s) أو تتكون من فيروس مُعطل يتحلل خلال أيام تاركًا البروتين (s) فقط يطور الباحثون لقاحات معتمدة على البروتينات لمكافحة أمراض فيروسية وبكتيرية مختلفة منذ ما يقرب من خمسين عامًا وهي لقاحات آمنة ولا تسبب آثارًا جانبيةً على المدى البعيد. ومن الناحية النفسية الخوف يتحكم في كل فرد بشكل مختلف قد يدرس شخصان الشيء ذاته ولكن لا تتكون لديهم العقلية النقدية ذاتها. تمتد مقاومة اللقاح لتشمل الممرضين والممرضات إذ أفادت دراسة صينية أُجريت العام الماضي في هونغ كونغ بين منتصف مارس وأواخر أفريل على 1205 من الممرضين والممرضات- أن نسبة الممرضين الذين ينوون الحصول على لقاح كوفيد-19 بلغت 63 بالمائة ولكن هذه النسبة لا تكفي للإسهام في تحقيق مناعة القطيع في الصين وانتهت نتائج الدراسة إلى استنتاج عام يفيد أن مهنة التمريض -وهي إحدى المهن الطبية- قد لا تكون مستعدةً لقبول لقاحات كوفيد-19 قد تسهم المعلومات غير المؤكدة عن مدى الفاعلية والآثار الجانبية ومدة فاعلية اللقاح بعد تناوله في هذا التناقض. ويرجع الخوف من اللقاحات إلى غريزة البقاء الأساسية إذ تمثل اللقاحات للبعض أمرًا مجهولًا ومُهددًا فالشعور بالخوف يعمل على إلغاء التفكير المنطقي والعقلية النقدية ومعظم الناس تحصل على معلوماتها بشكل سريع وغير عميق دون البحث عن مصادر أخرى لتأكيد صحة المعلومات. تتدخل بعض الانحيازات الفكرية في الخوف من اللقاحات ومقاومتها و بعض هذه الانحيازات تتضمن الانحياز إلى المعلومة الأولى مثل الشائعات التي ظهرت في بداية انتشار فيروس كورونا المستجد حول أن هذا الفيروس هو مؤامرة عالمية وفيروس مُصنع في المختبر يحتفظ العقل الباطن بهذه المعلومة ويظل منحازًا إليها ويبحث عما يؤكدها باستمرار وهو ما يُعرف ب الانحياز التأكيدي التوعية بوجود مثل هذه الانحيازات الفكرية ضرورية للتغلب عليها وتشجع على التفكير بشكل منطقي في كل المميزات أو العيوب المحتملة. معلومات مضللة رفض اللقاحات ومقاومتها أو التردد في أخذها أو التخوف منها هي بعض المظاهر السلبية الناتجة عما يسمى بالوباء المعلوماتي الذي واكب ظهور جائحة كوفيد-19 و يتمثل الوباء المعلوماتي في تدفق سيل من المعلومات بعضها مغلوط وبعضها مضلل وأغلبها يندرج في إطار الشائعات مما يتسبب في إغراق المتلقي بالغث والسمين حول الجائحة وكل ما يتعلق بها سواء الأسباب أو طرق العدوى أو المنشأ أو التدابير الوقائية أو اللقاح . كما ان الوجود النشط وغير المنضبط لوسائل التواصل الاجتماعي وسهولة التعامل معها بلا رقيب أدى إلى تفاقم هذه الظاهرة وشجَّع غير المختصين ومدعي العلم على الإدلاء بدلوهم في قضايا علمية هم غير ملمِّين بها وهذا ما أكدته دراسة بريطانية حديثة نشرها باحثون من جامعة أكسفورد وجامعة ساوثهامبتون أفادت بأن أولئك الذين يحصلون على معلوماتهم من وسائل التواصل الاجتماعي غير المنظمة نسبيًّا مثل موقع يوتيوب هم أقل استعدادًا لتلقي اللقاح. هناك عدة عوامل أسهمت في انتشار وباء المعلومات ومنها الانسياق غير الواعي من فئات وقطاعات واسعة في المجتمع وراء كل ما يُنشر دون تدقيق بل والمبادرة بمشاركته مع الآخرين والترويج له وكأنه حقائق دامغة وكذلك انتحال بعض الأفراد والمجموعات صفات علمية والتصدي للنصح والإرشاد وإرسال التحذيرات في شكل مقاطع فيديو أو رسائل صوتية تجد طريقها إلى الانتشار بعض هؤلاء الأفراد هم نشطاء ينتمون إلى جماعات معروف عنها مناهضة مبدأ التطعيم بالأساس وكان لديهم أدوار مشابهة حيال لقاحات مضادة لأمراض أخرى مثل الحصبة والسل وشلل الأطفال ما أدى إلى نوبات ارتدادية من هذه الأمراض بعد أن أوشكت على الاختفاء. يؤدي الإعلام دورًا حيويًّا في تشكيل الرأي العام وتوجيهه فالإعلام قد يشارك في إضفاء مشروعية على بعض المعلومات المغلوطة والمضللة من خلال التقاطها وإعادة طرحها ومناقشتها في البرامج الحوارية أو المواد الصحفية فيضعها المتلقي في خانة الحقائق والقضايا الجادة. منظمة الصحة العالمية بادرت منذ وقت مبكر بالتحذير من هذه الظاهرة وعقدت أكثر من مؤتمر عالمي شارك فيه مختصون من أنحاء العالم وقدموا توصيات نُجملها في أهمية البحث والتحري والتدقيق واستقاء المعلومات من مصادرها الموثوقة وإيلاء الجهات والسلطات الرسمية الثقة الكافية والنظر بعين مدققة فيما يجري تداوله خاصةً عبر وسائط التواصل الاجتماعي وعدم التورط في نشر معلومات مجهولة المصدر فرفض اللقاحات يرجع إلى المعلومات الخطأ المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي والتي يتأثر بها الناس تأثرًا كبيرًا وواسع النطاق فلا أساس من الصحة للشائعات المنتشرة حول تحول البشر إلى زومبي بعد تلقي اللقاح ولا أساس لكون اللقاح شريحة نانوية للتحكم في البشر فانتشار الشائعات هو نتيجة لضعف الوعي الإعلامي والمجتمعي والامر يتطلب الكثير من الجهود التوعوية للتعريف بدور اللقاحات وطريقة عملها وأهميتها. اللقاحات هي الأمل قضت اللقاحات على العديد من الأمراض الخطيرة والفتاكة فيما سبق مثل شلل الأطفال والسعال الديكي والحصبة الألمانية والتهاب الكبد (أ) وجدري الماء لنا أن نتخيل العالم من دون المكتسبات الصحية التي تحققت من خلال التطعيمات على صعيد الوقاية من عشرات الأمراض والسيطرة على الفاشيات وإنقاذ مئات الملايين من الأرواح ويجمع خبراء الصحة إن رفض اللقاحات يهدد كل هذه المكتسبات ويعرِّض الملايين من الناس لمخاطر جمة قد تنتهي بالوفاة. كما أن الخوف من اللقاحات يطيل عمر الجائحة و يطيل الوقت الذي نحتاج إليه للقضاء على الوباء مما يؤدي إلى زيادة عدد الوفيات والمصابين توجد آليتان للقضاء على الوباء إما من خلال حدوث إصابات جماعية تصيب أكثر من 70 بالمائة من أفراد المجتمع وهو ما يُعرف باسم مناعة القطيع وهذا الخيار يصاحبه خسائر جسيمة في الأرواح وسيمثل ضغطًا كبيرًا على مراكز الرعاية الصحية أو الآلية الثانية التي تتمثل في حصول أكثر من 70 بالمائة من أفراد المجتمع على اللقاحات لن نتمكن من الوصول إلى هذه النسبة إلا بزيادة الإقبال على اللقاح وبالتالي فإن مناهضة اللقاح تقف حائلًا بيننا وبين نهاية الجائحة كما أن الأشخاص الذين لم يتلقوا اللقاح ستكون لديهم القدرة على نشر العدوى ويشير الاطباء ان دول العالم الأول تتسارع في أخذ اللقاحات إذ تخطت نسبة مَن تلقوا اللقاح 50 بالمائة من عدد السكان في بعض الدول وظهر أثر ذلك على نسب الإصابات والوفيات بالإيجاب إذ انخفضت بشكل ملحوظ. في هذا السياق نشرت دورية نيتشر ميديسن دراسة حديثة تتضمن مسحًا مجتمعيًّا كبيرًا في بريطانيا شمل نتائج اختبار بي سي آر PCR خاص ب383 ألف شخص وذلك لتقييم فاعلية اللقاحات من واقع استخدامها على الأرض وجدت الدراسة أن لقاح فايزر فعال في تقليل الإصابات بنسبة 66 بالمائة بعد الجرعة الأولى و80 بالمائة بعد الجرعة الثانية أما لقاح أسترازينيكا فقد قلل الإصابات بنسبة 61 بالمائة بعد الجرعة الأولى و79 بالمائة بعد الجرعة الثانية وأفادت الدراسة بعدم وجود فرق واضح بين اللقاحين. ويأمل المختصون ألا يتردد الأشخاص في الحصول على اللقاح فالحل للخروج من هذه الأزمة هو تلقِّي اللقاح أيًّا كان النوع المتوافر لأن اللقاحات فعالة وآمنة وهي سبيلنا لعودة الحياة إلى طبيعتها.