تعرف المكتبات القليلة في العاصمة فراغا رهيبا من الزوار، وذلك منذ بداية هذا الموسم الصيفي، لذا فقد قرر بعض أصحاب المكتبات غلقها إلى حين انتهاء هذا الموسم وعودة المواطنين من عطلتهم السنوية. مكتبات مهملة وأخرى مغلقة في أهم الشوارع المركزية للعاصمة كالعربي بن مهيدي وديدوش مراد وحسيبة بن بوعلي، فالفئة القليلة التي كانت تزور هذه الأماكن قد أبدلت وجهتها إلى المناطق السياحية تماشيا مع الموسم الصيفي، لذلك فقد قرر ملاك هذه المكتبات هم كذلك اخذ حقهم في العطلة فقد صبروا طول العام على فراغ المكتبات إلا من عدد قليل من الزوار لكنهم لن يتحملوا أن يفتحوا أبوابهم طول أيام الصيف دون استقبال أي احد، فالعطلة ستكون إجبارية لهم إلى حين اقتراب موعد الدخول المدرسي فحينها ربما يطل عليهم بعض التلاميذ مع عائلاتهم لاختيار بعض الكتب التي تعينهم على الدراسة خاصة تلاميذ السنة الرابعة متوسط والسنة الثالثة ثانوي، وربما يستقبلون أيضا بعض النساء اللاتي قد ترغبن في اقتناء بعض الكتب الخاصة بطبخ الحلويات خاصة مع حلول عيد الفطر، وحتى الفعاليات الثقافية والندوات أجلت كلها إلى ما بعد الدخول المدرسي فأغلقت كل الأبواب أمام الفكر للفرد الجزائري. وللإشارة فان ثقافة المطالعة في الصيف قد غابت تماما عن يوميات العائلة الجزائرية، إذ كانت في الماضي بعض الأسر تضع مخططا صيفيا لأبنائها للمطالعة، فتختار لأطفالها بعض الكتب وخاصة منها القصص التي كانت تعرف رواجا كبيرا خلال فترة الصيف، حيث كانت تباع بشكل كبير القصص والروايات التاريخية التي كان الأطفال والمراهقون يهتمون بها بشكل كبير، وقد كانت بعض العائلات تمنع أبنائها من المطالعة خلال الفترة الدراسية لكي لا ينشغلوا بالقصص عن التركيز في دراستهم ثم يمنحوهم الحرية في ذلك عند بداية العطلة، لكن خلال العشر سنوات الأخيرة غابت كليا هذه الثقافة فأصبحت العطلة مجرد تخطيط للسباحة والخروج للمنتزهات لمن استطاع وفرصة للنوم لمن لا حيلة له ولا قدرة له على هذه التكاليف فيختار أسهل الطرق لقضاء العطلة وذلك عبر النوم طيلة النهار ثم السهر أمام التلفاز أو الكمبيوتر للعب. ولهذا يرجع المختصون الاجتماعيون هذا الاستعمال السلبي للعطلة إلى غياب مفهوم العطلة عند معظم الجزائريين، فأكثرهم لا يراها إلا وسيلة للراحة التامة بعيدا عن كل وسائل الترفيه الفكري، فالفكر أيضا في عطلة موسمية فغير مسموح له ولو حتى ببعض الجهد القليل في قراءة بعض القصص أو الكتب الثقافية ، فالجسد فقط هو الذي يتمتع بالعطلة والروح والفكر معطلان عن أداء دورهما الطبيعي. و من جهة أخرى فان كل المهرجان والفعاليات المقامة بالصيف تهتم هي كذلك بترسيخ هذه القاعدة لدى العائلة الجزائرية، فكلها تهتم بالجسد دون الفكر ورغم بعض الجهود من بعض المثقفين في إعادة إحياء الأسلوب الأمثل لقضاء العطل التي تكون ممتعة ومفيدة في نفس الوقت إلا أن بعض العارفين بخبايا المجتمع الجزائري يؤكدون على ضرورة تضافر كل الجهود لبث المفهوم الحقيقي للعطلة لدى العائلة الجزائرية وذلك بداية من المعلم في المدرسة الذي تناسى دوره في تنوير العقول وأصبح فقط يهتم بكيفية إتمام البرنامج الدراسي في الوقت المحدد.