مِن عُمق المجتمع وداعا إسكافي الحي.. ونحن عابرون كالعادة من على الرصيف الذي كان يركن أمامه عربته وكرسيه ومجموعة من الأحذية لإصلاحها غاب في ذلك اليوم الشتوي والغائم الوجه البشوش الذي كان ينهمك في حرفته الشريفة والنبيلة فهو لم يشترط مكتبا فخما للعمل بل ركن عربته إلى زاوية من الرصيف لكسب قوت عياله... كنا نمر أمامه ونحيي فيه شجاعته ورجولته وعراكه مع الحياة للاسترزاق وكسب مدخوله اليومي ضف إلى ذلك معاملته الطيبة مع الناس فالكل يحبه... لكن في ذلك اليوم حضرت العربة التي كانت مغطاة بغطاء بلاستيكي اغلاقا محكما حفاظا على احذية الزبائن وأدوات عمله وكان امامها كرسيه نصف المكسور وكانت العربة شبه مهجورة بعد ان غاب عنها الاسكافي.. إنه منظر جد مؤثر وقفنا عليه اقشعر له بدننا والأشد تأثيرا قدوم ابنه المراهق إلى مكان مزاولة ابيه الحرفة الشريفة ليزف إلى الناس وزبائنه خبرا محزنا جدا خانته العبارات وتلعثم في الكلام وهو ينقل خبر موت ابيه إلى الزبائن في ذلك اليوم الحزين ووعدهم انه سوف يحضر في اليوم الموالي لتسليم الزبائن أحذيتهم.. منها ما تمّ إصلاحها ومنها ما تنتظر فالأجل كان أسرع ومات إسكافي الحي الذي كان يزرع الأمل بضجيج مطرقته وهو يسمّر الأحذية فوق الرصيف وكان مثالا يُحتذى به في تحدّي كل الظروف القاسية من اجل كسب لقمة العيش.. وداعا اسكافي الحي وأسكنك الله فسيح جنانه.