عادت حرفة الإسكافي بقوة إلى الشوارع الجزائرية وانتشرت مؤخرا طاولات تصليح الأحذية على الأرصفة وفي مداخل الأسواق الشعبية، وأمام المؤسسات العمومية كمقرات البلديات، وتنافس عليها أفارقة وجزائريون، بينما اكتظت محلات الإسكافيين الذين يعملون بصفة شرعية، بالأحذية النسوية والرجالية وحتى الخاصة بالأطفال، وهي صورة تعكس حسب هؤلاء واقع فئة واسعة من المواطنين الجزائريين الذين مست الأسعار جيوبهم وزحفت إليهم الحاجة. ففي ظل ارتفاع أسعار الأحذية الجديدة، وتدني دخل الفرد، بات "الإسكافي" محل اهتمام واسع ومقصدا لتصليح الأحذية القديمة، ما يغني عن شراء أخرى جديدة، ويمكن من توفير ما يمكن توفيره من مال لسد الحاجيات الضرورية، مع أن البعض لا يفكرون أصلا في شراء ما هو جديد فيكون الخيار الوحيد هو العودة ولو لعدة مرات إلى الإسكافي لترقيع حذاء قد يصاحب أقدامهم طيلة شهور.
انتعاش نشاط الإسكافي والأحذية تملأ محلاتهم قال لنا أحد الإسكافيين، يملك محلا في الجزائر الوسطى، إنه يعرف العائلات قليلة الدخل من خلال الأحذية التي يقوم بإصلاحها، خاصة التي تعود إليه، ويذكر جيدا أنها زارته في مرات عديدة واحترفت يديه في جعلها صالحة لفترة أخرى قد تكون أطول من الأولى. وأكد أن الأحذية بمختلف أشكالها وأنواعها وبخاصة الرجالية، تبقى عنده لأسابيع، وهذا لكثرة إقبال الزبائن عليه في الآونة الأخيرة، وقد شهد محله طلبات غريبة تتعلق بتغيير الكعب أو اللون أو تضييق في المساحة الداخلية للحذاء، خاصة إذا كان لينا أو رياضيا، وغيرها من الرغبات المتعلقة بتصليح هذه الأحذية. وهذا حسب صاحب المحل، الذي يكشف عجز عدد كبير من الجزائريين عن شراء أحذية جديدة، وصل سعرها إلى ما يقارب مليون سنتيم أحيانا، وهي تلك المستوردة من الخارج. في محل آخر بحسين داي، كان متزاحما بالزبائن بالنساء والرجال والأطفال، تكومت فيه الأحذية في كل جانب، فمنها ما ينتظر أن يخاط، ومنها ما ترك ليتم التغيير في بعض جوانبه، وأخرى يكفي أن يدق فيها مسامير أو ترقع بالصمغ. وتحدثنا إلى سيدة كانت تتفاوض مع الإسكافي حول سعر أحذية قام بتصليحها، حيث قالت إن لها 5 أبناء وزوجها عامل يومي، ولا يمكنه أن يشتري في كل مرة أحذية جديدة، موضحة أن ابنيها يلعبان كرة القدم في الحي، ما يتسبب في تمزق واحتكاك أحذيتهما الرياضية. واشتكت من أسعار تصليح الأحذية التي قد تصل إلى 300 دج أحيانا، وهي تكلف بعض الذين لديهم أولاد كثيرا.
غلاء كراء المحلات وندرة المادة الأولية تزيد من إسكافيي الأرصفة ومما جعل الإسكافيين، وبخاصة الذين يملكون محلات، يرفعون أسعار تصليح الأحذية إلى الضعف أحيانا، مقارنة بالسنة الماضية، حسب ما أكده هؤلاء ل"الشروق"، هو زيادة تكلفة كراء المحلات وندرة مادة الجلد وبعض المواد الأولية. وفي مقابل ذلك، فضل الكثير من الإسكافيين الشباب نصب طاولات بالاستحواذ على حيز ضيق في منطقة من الشارع وعلى الرصيف، لمباشرة حرفتهم. وحسب استطلاع قامت به "الشروق"، في الكثير من الأحياء العاصمية، فإن الإسكافي استعاد مكانته بين أنشطة حرفية قديمة قدم التجمعات السكنية، وبات مبحوثا عنه في بعض البلديات والأحياء، إذ يجد اليوم الكثير من المواطنين أنفسهم في بحث بقطع مسافات طويلة عن "الكوردونيي". في هذا السياق، أكد الحاج الطاهر بولنوار، رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين الجزائريين، أن حرفة الإسكافي عادت إلى الانتشار عبر الأحياء والأسواق وأمام المساجد وفي مداخل الأسواق الجوارية، وامتدت إلى بعض الأفارقة الموجودين في الجزائر، علما، بحسبه، أن أكثر من 10 آلاف إسكافي عبر الوطن ينشطون كمحترفين تقليديين، مضيفا أن هؤلاء الذين يملكون محلات يحتاجون فقط إلى مساحة ضيقة لا تتعدى 20 مترا مربعا، في حين إن كراءها اليوم يتطلب دفع 3 ملايين إلى 4 ملايين سنتيم شهريا، الشيء الذي جعل الكثير من الإسكافيين يفضلون الأرصفة. وقال بولنوار إن ارتفاع أسعار الجلد ونقص بعض المواد الأولية الخاصة بتصليح الأحذية، مشكل يواجه حرفة الإسكافي، ما جعلها تنتشر على الأرصفة، فالمحلات الدائمة تكلف صاحبها المال، وقد تدفع به إلى عدم الربح. وطالب الأميار بتوفير محلات صغيرة تتسع ل 12 مترا مربعا أو على الأقل 9 أمتار مربعة، وبخاصة، بحسبه، أن بعض البلديات تفتقر إلى إسكافيين، ما يضع مواطنين في حرج، لاسيما العنصر النسوي. ودعا المواطنين الذين يمتلكون أحذية قديمة إلى التبرع بها إلى الإسكافي حتى يستغل مادتها في تصليح أحذية أخرى أو يمنحها للفقراء. ويرى بولنوار أن بعض الإسكافيين يعتبرون كحرفيين تقليديين، ولا بد من أن تهتم الجهات المعنية بذلك لترقية هذا النشاط في إطار الحرف التقليدية.