وفد روسي بالوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار للتعرف على المنظومة الاستثمارية الوطنية    فرنسا : "مسيرة الحرية" تواصل مسارها في بيزييه دعما للمعتقلين السياسيين الصحراويين في سجون المغرب    تمنراست : بتكليف من رئيس الجمهورية وزير الثقافة والفنون يقدم واجب العزاء إلى أسرة الراحلة بادي لالة    وزير الاتصال يبرز أهمية الدور الذي يلعبه الإعلام الاحترافي في مواكبة التحديات الراهنة    العدوان الصهيوني على غزة: التدخل الدولي الإنساني العاجل في القطاع ضرورة قانونية وأخلاقية    انقلابيو مالي يريدون تصدير فشلهم الذريع بمحاولة تشويه صورة الجزائر    الجزائر تؤكد التزامها بدعم الدول الإفريقية في مجال النفط والغاز    إعلام: سلطة ضبط السمعي البصري ترصد تجاوزات مهنية في برنامجين لقناة "الهداف"    ترامب وهارفارد وحقوق الإنسان    مجازر جديدة بحق عائلات..استشهاد 22 فلسطينيا بغارات إسرائيلية    هدّاف بالفطرة..أمين شياخة يخطف الأنظار ويريح بيتكوفيتش    البطولة السعودية : محرز يتوج بجائزة أفضل هدف في الأسبوع    بيتكوفيتش يستعيد خيارا قويا في تشكيلة "الخضر"    أوروبا في مواجهة قرارات ترامب.. كارثة أم آفاق؟    زروقي يبرز مجهودات الدولة لتحقيق التنمية الرقمية    قانون جديد للأوقاف    إصدار مجلة متخصصة    علاقاتنا بتركيا متكاملة    وفد برلماني يزور فيتنام تعزيزا للتعاون بين البلدين    كرة القدم :"الخضر" يواجهون منتخب رواندا وديا يوم 5 يونيو المقبل بقسنطينة    دراسة آليات بيع الأضاحي المستوردة    معرض إفريقي بالجزائر    رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية    الجزائر تراهن على الموانئ لتعزيز مكانتها التجارية الإقليمية    الجزائر وأذربيجان تعززان تعاونهما السياسي والدبلوماسي    تنظيم مسابقة وطنية للطلبة لأفضل فيديو توعوي لمكافحة المخدرات    وهران: الطبعة الثالثة للصالون الإفريقي للأعمال من 26 إلى 28 أبريل    حوادث الطرقات: وفاة 39 شخصا وإصابة 1526 آخرين بجروح في ظرف أسبوع    تمنراست: الكتابة والنشر ضمن أولويات برنامج المحافظة السامية للأمازيغية    كرة القدم: وليد صادي يجتمع بحكام النخبة في لقاء للتوعية حول الجولات المتبقية من البطولة    فلسطين: الاحتلال الصهيوني يواصل عدوانه على مدينة طولكرم ومخيمها    إطلاق حملة توعوية للوقاية من حرائق المحاصيل الزراعية عبر عدد من ولايات الجنوب    أمن ولاية الجزائر: حجز أكثر من 75 مليون سنتيم مزورة    حجز ما يقارب 3800 كبسولة من المؤثرات العقلية    ملف الذاكرة قضية أمة.. وليس ريعا استعماريا    عودة الرحلات التجارية ل"تليفيريك" قسنطينة    54 مشروعا جديدا لتوصيل الألياف البصرية إلى المنازل    وضعية مقلقة لمنصف بكرار في البطولة الأمريكية    الرابطة تنظم إلى "الفاف".. تحذر الأندية وتتوعد بعقوبات شديدة    نتيجة مخيبة ل"السي يا سي"    تنظيم وتحيين الإطار القانوني لتجنيد قدرات الدولة    نوتات عابرة للحدود.. من طوكيو إلى القاهرة مرورًا بسيول    الجزائر تمنح الإبداع حضورا مميزا    تحدي "البراسيتامول" خطر قاتل    أجال اقتناء قسيمة السيارات تنتهي نهاية أفريل    مواعيد جديدة لفتح أبواب جامع الجزائر    تمكين زبائن "بريد الجزائر" من كشف مفصّل للحساب    صناعة صيدلانية: رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية و ضبط تسويقها    قسنطينة : اختتام الطبعة 14 للمهرجان الثقافي الوطني للشعر النسوي    موضوع ندوة علميّة : إبراز جهود جمعيّة العلماء المسلمين في النّهوض بالمرأة والأمّة    انطلاق تظاهرة شهر التراث    هذه مقاصد سورة النازعات ..    سايحي: "تطوير مصالح الاستعجالات " أولوية قصوى"    تسهيل وتبسيط الإجراءات أمام الحجّاج الميامين    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنسان الحضارة وتجربة النملة!
نشر في أخبار اليوم يوم 23 - 03 - 2022


بقلم: عبد الباقي صلاي*
في تجربة أجرتها نخبة من العلماء الباحثين حول قدرة النملة التي ضحك سيدنا سليمان عليه السلام لجرأتها وصبرها وحرصها الشديد على العائلة النملية وقوة عزيمتها ومدى استطاعتها وقوتها الهائلة في الاستمرار في العمل وطرد اليأس والقنوط من ساحتها.والظن الأكبر ألا أحد يجهل أن النملة هي مثال المثابرة في عالم الحشرات والحيوانات ومثال الصبر والاجتهاد في عالم المسلمين وحتى غير المسلمين.
فحوى هذه التجربة تتمثل في وضع نملة في قارورة وتتبعها ورصد كل حركة تقوم بها في المرة الأولى وجدوا أن نفس النملة ما أن يتم إدخالها في القارورة حتى تمكث إلا برهة قصيرة ثم تخرج بسرعة فائقة وبعفوية كبيرة والسبب وحيد نظنه أن النملة كسائر الخلق من البشر وغير البشر تعشق الحرية وترفض الاستعباد والسجن ولا تعشق إلا العيش خارج أي حاجز.وقد تكررت عملية إدخالها داخل القارورة حتى وصل تكرار العملية إلى العدد 273 مرة.في المرة الأخيرة من العملية بعد عدد محاولات إدخالها القارورة وجد العلماء أن النملة وصلت إلى حالة تعب شديد وتقاعست ولم تعد تستطيع أن تحرك ساكنا بل استسلمت للأمر الواقع الذي فرض عليها وهي أنها مهما حاولت الخروج والبحث عن الحرية إلا أن الأمر كان فوق طاقتها وفوق قدرتها واستطاعتها.
وهنا تأكد العلماء بعد تجربة النملة والقارورة أن الاستطاعة مهما كانت لا بد لها من نهاية ولا بد لها من حدود ولا بد لها من سقف تصل عنده وحد تنتهي إليه.فماذا يمكن استنتاجه من هذه التجربة وماذا بإمكاننا قوله في التجربة التي كانت مع هذه النملة المكافحة ؟.
الغالب في الأمر أن العلماء الذين قاموا بهذا الاكتشاف العلمي عند حشرة تمتاز بالحيوية ورفض الخنوع أو الخضوع ولا تعرف أبدا الاستسلام والتبعية قاموا بهذا الاكتشاف لجعله أنموذجا حيا تكون له فيما بعد إسقاطات على كل ما يدب في الأرض.وتحديدا الإنسان صانع التاريخ والحضارات.
وأهم ما تحتويه هذه التجربة من مغزى حقيقي أن الاستطاعة لا بد لها من توقف في يوم من الأيام والمجتهد وصاحب الإرادة القوية ومن يمتلك صبر أيوب فحتما سوف يصاب بالخيبة ويخضع لأمر واقع ويستسلم لما فرض عليه.
صحيح أن التجربة التي قام بها علماء روس حول النملة واختاروا النملة لأنها تمثل لدى المجتمع الإنساني القدرة والاستطاعة وتعبر عن المجتمع الذي لا يكل ولا يمل ولا يعرف الاستسلام والخوف.قد لا تعبر عن حقيقة الإنسان الذي قد يكون له من الاستطاعة أكبر مما تعرفه النملة.لأن الإنسان أولا يمتاز بالعقل وثانيا يمتاز بالإدراك الذي يعرف به فقط الإنسان وهذا الإدراك هو الذي يجعل الإنسان يتوازن مع المصائب والشدائد ويحسن التدبير ويعرف متى يصبر ومتى لا يصبر.النملة التي استسلمت في نهاية المطاف استسلمت لأنها لم تجد مسلكا تسلكه غير الذي سلكته ولم تجد مخرجا تخرج منه سوى أنها تبقى في القارورة بعد أن استنفدت طاقتها في الخروج منها المرة تلو الأخرى.
الاستطاعة فعليا لها حدود ولها منتهى تنتهي عندها كل قدرة مهما كانت هذه القدرة ومهما وصفت بأوصاف كثيرة.لأن التعب دائما ينال من الشخص الذي وإن أوتي من الصبر صبر أيوب إلا أنه في آخر المطاف يركن لما تفرضه الطبيعة البشرية وهي الاستسلام والتسليم بأمر الواقع والرضا بما هو مفروض عليه.
لكن هناك من ينظر إلى الأمر من وجهة مختلفة ولو كانت مغايرة تماما لما نعلمه ونألفه في آن معا كون الاستطاعة قد تكون متاحة في حال مواقف معينة كما تدل دراسة نشرها موقع cnn الأمريكي حيث حسب الموقع :
على عكس ما يعتقده كثيرون أظهرت دراسة حديثة أجريت بجامعة كيل البريطانية أن الإنسان عندما يقوم بتوجيه السباب والشتائم فإن ذلك يخفف من حيث لا يدري من آثار الآلام والأوجاع البدنية التي تصيبه لا تلك النفسية فقط.وكشفت الدراسة أن الشتائم تعطي الإنسان قدرة أكبر على تحمل الألم بل وتخفف من وطأته عليهم وهو الأمر الذي أثار حيرة العلماء نظراً لعجزهم عن تفسيره.وذكر رئيس فريق البحث الذي أجرى الدراسة ريتشارد ستيفنز أن مصدر إلهام الدراسة كان عندما شعر بالألم الشديد عندما ضرب أصبعه بمطرقة عن طريق الخطأ أثناء إصلاحه لنافذته مما دعاه لأن يشتم بقسوة وهو الأمر الذي خفف من أوجاعه.
وبيّن ستيفنز أنه رغم أن الشتائم لها وقع سيء اجتماعياً ويُنظر لها على أنها فعل مشين إلا أن لها جانبها المشرق وهو المتمثل بأنها قادرة على مساعدتنا على تنظيم أحاسيسنا وهو تأثير مفيد بالفعل.
من جهتها أشارت العالمة النفسية الأمريكية بولا بلوم إلى أن تجربتها دلت على صحة ما ورد في الدراسة وخصوصاً عندما يقع الناس في مواقف صعبة مثل السقوط في حادث أو الإصابة بجروح.
وذكرت بلوم أن هذه الدراسة قد تغير النظرة الاجتماعية إلى الشتائم قائلة: هذه الدراسة تزيل الحاجر الأخلاقي الموضوع حول استخدامنا للغة فنحن نحكم على الأشياء والتصرفات بشكل متسرع وهو ما قد يتعارض مع نتائج الأبحاث العلمية فنحن نعتقد أن الشتم أمر سيء ولكنه في الحقيقة ليس كذلك.
قد تكون الدراسة مغايرة تماما لما ذكرناه في مستهل التجربة التي أجريت على النملة لكن تصب في ذات المصب الذي نحن بصدد الحديث عنه وهي الاستطاعة والقدرة على التحمل.وتحمل المشقة ربما للحظات أو لأيام ليس معناه أن الاستطاعة التي نقصدها لا حد لها لأن الإنسان أصله يعيش الحياة النسبية وليس الحياة المطلقة.
وبين استسلام النملة للواقع الذي فرض عليها فإن الواقع يفرض على الإنسان الذي لا يرى نورا ولو خيطا رفيعا منه في الأفق فيستسلم وربما ينتحر لأنه يرى المستقبل مظلم وأن القدرة مساوية للصفر في كل محاولة.
الانتحار الذي قد يصيب الأمم والإنسان مرده إلى هذا القنوط الحتمي الذي تفرضه الحياة على الرغم من المحاولات العديدة نحو النجاح أو نحو الانعتاق نحو الحرية كما فعلت النملة.لكن مهما حاولنا ربط التجربة الخاصة بالنملة فسيبقى الإنسان سيد التجارب الحضارية وهو صانعها كما يكون بعقله سيد الكون بتكيفه مع كل المتغيرات مهما كانت هذه المتغيرات.
* إعلامي ومخرج سينمائي وتلفزيوني
===
نظرية الذكاء الحضاري
بقلم: المفكر التنموي إبراهيم تاج
Email : هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته
01
منذ عقدين وأنا أبحث وأكتب في سبيل بناء نموذج نظري-عملي لمفهوم الذكاء الحضاري.. هذا المفهوم الذي يجمع بين الحالة والفعل.. بين حالة الحضارة وفعل النهضة.. ليكون قاعدة تأسيس لمشروع نمائي ينطلق من الفكر طريقة تفكير كل واحد فينا.. لكيف من المستحسن أن نفكر ضمن منظومة شاملة للفكر والانفعال والسلوك والاتجاهات فالحضارة من هذا المنطلق هي صناعة عقلية تحتاج إلى ذكاء.. تحتاج إلى نوع من الوعي.. إلى نوع من اليقظة حيث نتغلب فيها على عوامل التدمير الحضاري التي تسكننا كطفيليات فكرية.. ندرك فيها أنواع الأذهان والعقليات المدمرة للحضارة والمعيقة للنهضة.. نحارب فيها حالات العمى والعقوق.. ثم نوجه بوصلتنا نحو الحلول عبر كوكبة من الأدوات الداعمة لهذه الرحلة اللطيفة.. أقول اللطيفة لأنها لن تحدث بالارغام والقوة.. فقط هو الإدراك والوعي ما يوصل إليها نوع من التبصر.. وفي النهاية هي نوع من الهداية.. والمفكر هو حامل لرسالة تطوير وتحسين لمجتمعه وأمته.
02
سنبدأ الحديث بمناقشة مفاهيمية فارقية.. ونجيب عنها بنعم ولا وربما.
حتى نحيط بمجالات التشابه والاختلاف.
- هل هو نوع من الذكاء المنظومي ؟
نعم لأنه يتعلق الأمر بذكاء الجزء في وجوده داخل الكل وذكاء الكل في شكله المنظومي لا في شكله المجموعي.. مدركا قوانين السبب والنتيجة في حلقات التأثير والتفاعل.
و لا لأنه في حالتنا هذه لا تنطبق على كل المنظومات لأن ذكاءنا خاص فقط بموضوع الحضارة ولا يجوز تعميمه وهو أيضا ليس مجرد تطبيق.. فالذكاء الحضاري يتداخل مع الذكاء المنظومي وذكاء التعقيد وليس مجرد وعاء له يحتويه.. بل هو مستوى منطقي أعلى منه.
ربما... لأننا مهما أنكرنا ذلك فستبقى الحضارة منظومة سيبرنيطيقية مهما تفتحت ومهما تعقدت.
- هل هو نوع من الذكاء الانفعالي ؟
نعم لأنه في موضوعنا تحييد العقل وضبط الذات منطلق أساس.
و لا لأن موضوعنا يتجاوز ذلك في المواضيع والمستويات.. فهنا لا نتحدث عما هو فرداني فقط.. بل على ما هو جمعي وتجميعي.
ربما... لأن التداخل بين المفهومين في كثير من الموضوعات وارد.
- هل هو نوع من التفكير المركب ؟
نعم لأننا بصدد التعامل مع مستويات متعددة من الإدراك والمعرفة.
و لا لأن المغلوب لا يفكر كالغالب..و الذي هو في قمة الهرم وهو يسال عن القيم والغذ لن يدرك خيباتنا واحتياجاتنا نحن من نسكن الدرك الأسفل من المعمورة
ربما... وهو الأقرب تداخلا يتشابه بنية على شكل مستويات منطقية بعضها فوق بعض مثل قشرة البصلة.. وتختلف وظيفة فالمسلم ليس كالمؤمن فالقاطرة ليست كالعربات وإن كانت لها نفس سرعة المسير.
أولا : لا أنكر أن الذكاءات االثلاثة المذكورة هي أدوات مهمة للتمهيد للمفهوم.. وثانيا : لا بد عدم إهمال أدوات أخرى مستمدة من التفكير الإستيدامي ومجالات علم النفس الإيجابي والتشوهات المعرفية والنظرية البنائية والمدرسة النسقية طبعا.. وفلسفتي التأويل والتجريد أيضا.
و كنت أعمل على تأسيس نظرية الذكاء المنظومي بنفس التسمية منذ 2004.. إذ كنت أعتبره مستوى منطقي أدنى من الذكاء الحضاري.. وكان لا بد من التنظير له كمطية للذكاء الحضاري.. وسبب ذلك لي عقبة وعتبة وتأخيرا كثيرا وتشتتا لم أستطع تجاوزه لأنه كان علي حل معادلة رياضية بمجهولين.. إلى أن تعرفت على أعمال الفلنديين هاملنن وسارنن وحين قرأت ذلك أول مرة فرحت كثيرا.. وحين تعرفت على الفكر المركب لإدغار موران فرحت أكثر.. لأني كنت مثل النجار الذي يمتلك أجود الخشب ويفتقر إلى الأدوات لتحويله إلى أثاث
أما الذكاء الانفعالي فكان معروفا لنا خاصة في دوائر البحث الأكاديمي في مجال التربية والصحة النفسية.. وليس كل ما يسمى ذكاء هو كذلك فالمقصود هنا بالذكاء هو ذلك النمط من التفكير الذي يستطيع حل المشكلات أو الوقاية من الوقوع فيها لتحقيق الأهداف أو الغايات في إطار ما.
03
- إذا ما هو بالضبط.. هذا المسمى بالذكاء الحضاري ؟
الانطلاقة الصحيحة يجب أن تكون منطلقة من العلوم المعرفية.. وفهم آلية التفكير والإدراك والمحاكمة العقلية وحل المشكلات ومن ثم الذكاءات.
نحن نتحدث عن الذكاءات المتعددة وفي الحقيقة لا توجد ذكاءات متعددة.. بل هي مشكلات متعددة وذكاء واحد وحلول متعددة وأطر للتفكير.. ولذلك قبلت نظرية الذكاءات المتعددة افتراضا.. وفي العلم أحيانا نضع فرضيات مسبقة لجعلها قواعد ارتكاز أو دعائم أساسات حتى نتمكن من التأسيس لنظرية جديدة أو مفهوم مستحدث يستطيع أن يحل إشكالات ومشكلات.
و هذا لا يعني أبدا أن ما نفترضه صحيحا باليقين.. فالارتياب مصاحب لكل جهد فكري إنساني.. المهم هو تشكيل نموذج للتفكير يستطيع أن يثبت النفعية وتلبية الاحتياجات المنطلقة منه.
عملنا هو جهد فكري وعلمي في آن واحد.. وما هو علمي بحثي نترك شروحه في النسخة الموسعة للكتاب من نفس عنوان هذا المقال.. وينطلق العمل من كون منظومة الفكر لدى الفرد هي جوهر المنظومة الحضارية
- فما مدي تأثير هذا النمط من التفكير على هيموستازيا الحضارة
- و ما مدى فاعلية نموذج مقترح للتفكير هو الذكاء الحضاري على هيموستازيا الحضارة عبر كل مستوياتها المتراكبة.
إذا ما هو الذكاء الحضاري.. هو نموذج مقترح كطريقة تفكير.. نموذج قابل للتعليم والتدريب يهدف إلى تحقيق هيموستازيا الحضارة.
وهيموستازيا الحضارة هي حالة التوازن والرفاه على كل المستويات الخمسة للحضارة ( الفرد الأسرة المؤسسة القطاع الأمة ).
04
الذكاء الحضاري هو نوع من التفكير.. هو نوع من التأمل.. في الأزمنة الثلاث التاريخ والواقع وآمالنا المستقبلية.. يخص به الفرد اتجاه أمته ويختص به.
الذكاء الحضاري هو أن تفكر وتحاكم عقليا وتتخذ القرار وتسلك لصالح أمة تنتمي إليك وتنتمي إليها.. لذلك فأنت تستشير أسلافك أولا ثم من معك في الفلك ثانيا ثم في من سيخلفكم جميعا.. إنه تفكير عابر للأزمنة.
الذكاء الحضاري هو أن تفكر بأعمق ما في باطنك.. لتعمل لصالح من يشتركون معك في القيم والمعتقدات.. في نفس الوعي الجمعي الجامع بينكم تحت سقف أمة واحدة.
الذكاء الحضاري هو أن تفكر في مصالحك ومصالح أمتك في آن واحد.. هو تنمية للذات وتنمية للأمة في نفس التفكير ونفس السلوك.
الذكاء الحضاري هو انخراط واعي في حركة من الوجود والفناء المتلازمين المتزامنين.. إثبات الوجود في الأمة وإثبات الفناء من أجل الأمة.
الذكاء الحضاري هو مناعة فكرية حتى لا تكون ظهرا قابلة للاحتلال.. ولا ظهيرا لمن يريد سوء بأمتك
الذكاء الحضاري هو إصلاح للعقل حتى يتوافق ومقتضيات النهضة.
05
- لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم ؟
ما هي أحسن إجابة – حسب رأيكم – لهذا اللغز الذي حيرنا فعلا
حسب ظني أن نمتنع عن البحث في هكذا تساؤلات ومساءلات.. لنغير المسألة عن كيف التقدم.. عن شروط النهضة سأل بن نبي ونواصل السؤال.
الذكاء الحضاري هو محاولة فكرية.. هو نموذج معرفي خاص..
أنت لست ملزما بالإيمان به أو الالتزام بتطبيقه.. فقط هي لجلسة من التسامي والتأمل.. نحن فقط نمهد الطريق لأن الطريق موجودة أصلا.. وعلى الله قصد السبيل.
أظن أنه على كل من يبحث في الذكاء الحضاري أن يكون ذكيا هو بحد ذاته.. فالباحث ينتمي لنفس الظاهرة موضوع البحث – السيبرنيطيقا الموجة الثانية - ومن مظاهر هذا الإستفادة من كل ما أستحدث في زمانه من أدوات علمية ومقاربات ومناهج وطرائق.. وهذا هو محك الإضافة.
فأغلب المشاريع الفكرية الحديثة غير المعاصرة لا تمتلك الأدوات التي نحسبها ضرورية لمثل هذا الطموح التنموي.. ولذلك ما قيل فكريا في القرن الماضي صار لا يعوله عليه وحده في مطلع الألفية الجديدة.
06
- ماذا يعني انخفاض الذكاء الحضاري ؟
انخفاض الذكاء الحضاري.. كميات متساوية وكيفيات مختلفة.
فالذي يسعى إلى النهضة وهو يمارس التدميرية مهما كان شكلها فهو بالطبع غباء حضاري صارخ.. فكيف لمن يريد الصعود أن يرتكب تلك الحماقات المسببة للانحطاط والتدهور.. ولذلك نرى شعوب الجنوب غارقة في الماديات والشكليات.. والتي تستهوي الاستهلاك ملذة ومجلبة للسعادة.. ستبقى دائما عالما ثالثا ما دامت لا تريد التغيير.
إن تقليد الغرب في نزوله.. هو بحد ذاته سبب لعدم حصول النهضة.
فإذا شاركك الغربي كأس الخمر.. فهذا يعني أنك لن تستطيع تجاوزه.
من الغباء الحضاري.. أن نعتبر أخطاء المسلمين فالحاضر والماضي هي عيوب في الإسلام.. فالتاريخ الإسلامي ليس هو الإسلام.. ثم تعتبر ذلك سببا لرفض الماضي ودفن ما تركه السلف في مقبرة النسيان
فمن الغباء الحضاري.. أن نصنع قطيعة مع كنوز التراث الإسلامي.. في جريمة هي نوع من العقوق التاريخي.. كمن يمتلك البترول ويبحث عن الطاقة من حمار يدير طاحونة قديمة.. هو نوع من العجز والخذلان فالتراث مثل البترول الخام لا يستفيد منه إلا من يكرره ويستخلص منه مشتقاته.. فالبترول للأغبياء مجرد سائل لزج تتسخ به الأيدي.. وللذكي هو الآلة وهو المحرك وهو وقودها.
07
ولك أيها القارئ الذكي أن تكتشف وتكشف عن الكثير من مظاهر الغباء الحضاري التي هي من حولنا وفي مجتمعاتنا.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.