الدكتور قادة جليد لقد ظل العالم الإسلامي يتخبط في أزماته المتلاحقة ولم يستطع أن يشق طريقه إلى المستقبل لأنه ظل متأرجحا بين خيارات سياسية واقتصادية وثقافية خارجية مقلدا مستهلكا من دون رؤية حضارية، ومن هنا كانت التجربة التركية منعطفا حاسما ونموذجا مهما جديرا بالدراسة والتحليل، وهذا بحكم العلاقات التاريخية والحضارية التي تجمع تركيا بالعالم الإسلامي، هذه العلاقات التي يمكن أن تتعزز في إطار التعاون والتكامل من دون نزعة التعالي والاستغلال التي يفرضها الغرب على دول العالم الإسلامي. "لقد حاول العالم العربي مرارا أن يقلد بعض التجارب النهضوية العالمية، وكان الإخفاق حليفه في الغالب، لافتقاده الرؤية المتكاملة للمشروع النهضوي، ولافتقاده إلى إخوة صادقين يشاركونه المعاناة والرغبة الصادقة بتحقيق نهضته دون طمع ولا خداع ولا غدر ولا دوافع استعمارية ولا هيمنة امبريالية ولا عولمة مستعلية، ولا شركات عابرة للقارات متوحشة، وإنما بأخوة مؤكدة ومصالح مشتركة ومنافع متبادلة". يجب على العالم الإسلامي -في نظرنا – إذا أراد أن يحقق النهضة المنشودة كما فعلت تركيا أن يتصالح مع ذاته ومع قيم العصر، يجب أن يدعو إلى "ديمقراطية محافظة تحترم إرادة الشعب العربي، وتفعل فيه قواه الكامنة، وتدفعه للتوافق مع أنظمته الحاكمة، فالمواطن الذي لا يشعر بحقوقه لا يشارك بقناعته، والذي يحرم من متطلبات عيشه لا يفكر في نهضته". يجب على العالم الإسلامي أن يتخلص من تراثه المتخشب وثقافته المتخلفة، يجب عليه أن يبدأ مشروع نهضته، وأساس كل البدايات هو الإنسان كما فعلت تركيا ، يجب عليه أن يتخلص من الاقتصاد الريعي ويتحول إلى الاقتصاد المنتج، ومن سلطة القبيلة والشخص والزعيم إلى سلطة الدولة والمؤسسات. لابد للنخب الحاكمة في العالم الإسلامي أن تمتلك الرؤية الحضارية الضرورية، وأن تقدم التضحيات الجسام في سبيل هذه الرؤية كما فعلت تركيا ذلك "إن حزب العدالة والتنمية خرج من رحم المعاناة الجماهيرية، وأنه دفع ثمن نجاحه في الوصول إلى عقول الشعب التركي الكثير من التضحيات، وأنه دفع ثمن وصوله إلى السلطة السياسية الغالي والنفيس، ولكن سبب نجاحه لم يكن بذله للتضحيات فقط، وإنما امتلاك حزب العدالة والتنمية رؤية واضحة ومقنعة ومفعلة لمكونات الشعب التركي لقيمه وثقافته وتاريخه وثرواته ومدخراته". كما يجب على العالم الإسلامي أن يتحلى بالتفكير العميق والإستراتيجي والتخطيط للمستقبل كما تفعل تركيا اليوم، ففي ظل نظرية صدام الحضارات للمفكر الأمريكي هنتيغتون، فإن الدول والشعوب تصنف على أساس انتمائها الحضاري وليس الإيديولوجي، ومن هنا كانت الدعوة في المستقبل لإنشاء سوق إسلامية مشتركة وتأسيس تكتل اقتصادي يشمل دول العالم الإسلامي وتوحيد العملة في إطار التعاون والأخوة الإسلامية بما يعود بالفائدة على شعوب العالم الإسلامي والإنسانية جمعاء، لأن رسالة تركيا والعالم الإسلامي هي رسالة سلام وتعاون ومحبة، وليست رسالة سيطرة واستغلال، إنه مشروع كبير ويستحق منا كل جهد. [email protected] الحلقة الأخيرة