بلادُنا تؤكد أنها ستبقى وفية لمبادئها الأصيلة ثورة نوفمبر تُعطِّر قمة الجزائر الشيخ أبو إسماعيل خليفة تحيي الجزائر بحر هذا الأسبوع بكل انتشاء واعتزاز الذكرى الثامنة والستين لاندلاع ثورة أول نوفمبر 1954 المجيدة وإن هذا اليوم ليس كباقي الأيام إنه يوم يزهو فيه الجزائريون بوطنهم ويحتفلون فيه باستقلالهم ويباهون به أهل الدنيا. يذكرون أبطالهم الأوفياء الذين قامت الجزائر على أكتافهم ونهضت بهمتهم وعلت بعزيمتهم ويترحمون على من قضى نحبه من شهدائهم ويدعون الله بالعمر المديد والصحة والعافية لمن ما زال على العهد ثابتا. ثورة عظيمة إن هذا اليوم يذكرنا بثورة عظيمة صنعت التاريخ وبهرت العالم وقهرت الجبابرة وقصّرت آمال المستعمرين وقصمت ظهور المستدمرين وغيرت مجرى الأحداث وأعطت لشعوب العالم دروسا عملية في الجهاد والتضحية والثبات والإستشهاد. إنها ثورة الفاتح من نوفمبر 1954م يوم الإثنين الخامس من ربيع الأول 1374 ه.. كان عدد المجاهدين الذين فجّروها على المستوى الوطني يوم انطلقت شرارتها: 1200 مجاهد. وكلّ ما يملكون: 400 قطعة سلاح وقنابل تقليدية معدودة وكان الله معهم وكان إيمانهم به عظيما وكان صبرهم جميلا فصدقهم الله وعده: قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين . أيها المباركون: وإذا كان هناك تاريخ يُسجَّل لأفراد أو جماعات فإن الثورة الجزائرية بعيدة عن هذا النهج لأنها لم تكن ثورة أفراد وإنما كانت ثورة شعب تقوده طليعة مؤمنة امتهنت المقاومة والكفاح فسجّلت صفحات خالدة من البطولات والأمجاد. هؤلاء الأبطال كما يذكر الشاعر صالح خرفي في قصيدته: الجزائر ومولد الرسول التي يخلْص فيها إلى التأكيد أنّ ثوار الجزائر ما هم إلاّ امتداد طبيعي لمجاهدي الأمة الإسلامية ثاروا من أجل إحياء الإسلام وإعادة أيامه الحافلة بالأمجاد والبطولات حتى تخالهم عين الناظر إليهم أنّهم جزء لا يتجزّء من مجاهدي أحد وبدر فهو يقول: ففي أرض الجزائر خير جند * يقيم لغابر الإسلام ذكرى كأنّك فيهم (بعلي) ينادي * لقد وعد الإلهُ الخلقَ نصرا فهُبّوا لاقتحام النّار وابنُوا * على جثث الفدا للمجد جسرا وسيف الله يذكيها فيمضي * كأسرع من وميض البرق سرى فليت العين منك رنت إليهم * إذن لتذكّرت أحدا وبدرا . مشروع متكامل وبهذا لا غيره أكدت ثورة نوفمبر أنها لم تكن ردا آنيا دفعت إليه أحداث طارئة بل كانت مشروعا حضاريا متكاملا في الثقافة والمنهج واللغة والهوية. فكانت العربية والاسلام والجزائر هي مثلث الوعي والهوية وقاعدة الحشد والانتماء ومنذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورة كان واضحا أنها اهتدت إلى سبل الرشاد فكان أهمّ ما تجلّى فيها أنها معلّقة بهدف واضح محدد جلي إنه حرية الجزائر أرضا وشعبا.. ومن هنا كان انتصارها حقيقياً وكانت حريات الشعوب أمانة في جيل نوفمبر الذي حقق انتصاره كمقدمة طبيعية وحقيقية وقوية لانتصار الشعوب وحريتها واستقلالها وإن مقولة: إذا كانت مكة قبلة المسلمين والفاتيكان قبلة المسيحيين فإن الجزائر تبقى قبلة الثوار العبارة التي قالها ذات يوم الزعيم الثوري الإفريقي اميلكال كابرال لخص من خلالها صدى الثورة الجزائرية التي دوّت عاليا خمسينيات القرن الماضي واستلهمت منها حركات التحرر في كل قارات العالم أجمع فكانت مثلها الأعلى وسارت على دربها لتحقيق حريتها. وحُق لنا أن نقف بإجلال لنجدّد سابغ الترحم على أبطال المقاومة الشعبية- وعلى شهداء الوطن نقرأ فاتحة الكتاب. قمة نوفمبر واليوم.. على درب الأُلى الذين ساروا على نهج الهدى إصرارا وانتصارا ثورة نوفمبر الخالدة من جديد تعطر أجواء القمة العربية الواعدة فبقناعة تامة وإيمان لا يضعف من قبل القيادة الحكيمة للجزائر المحروسة بعين الرحمن وبعد أن أُثخِنت الأمةُ العربية بجراحاتها وحلُمَت بها كرها واستيقظت بها كرها ها هي الجزائر على موعدِ عرس يومي 1 و2 من نوفمبر المقبل بحضور عدد كبير من القادة العرب في فعاليات القمة العربية الحادية والثلاثين تزامنا مع الذكرى ال 68 لانطلاق ثورة نوفمبر المجيدة وإن اختيار السيد رئيس الجمهورية لهذا التاريخ والمصادقة عليه من قبل نظرائه العرب هو علامة مشجعة ورمزية للتعبير عن تصميم القادة العرب على تأكيد استقلالهم في نظام عالمي جديد ناشئ ولا مكان فيه للضعفاء. (هذا نوفمبر.. قم وحيّ (المجمعا) تبقى لمن جهل العروبة مرجعا). ولا يخفى على أيّ عاقل أن الحوار طبيعة بشرية ولا يمكن للبشر أن يعيشوا في مجتمع واحد من دون أن تدور بينهم العلاقة اللغوية التي من بينها الحوار والنقاش. فالحوار لغة أصله من الحَور وهو الرّجوع عن الشّيء وإلى الشّيء فعن طريق الحِوار الفعَّال يتبادل المجتمعون الأفكار والمعلومات ويُقيّمونها ويُعيدون بناءها مما يجعلهم سببا في بقاء سفينة الأمة العربية آمنة مطمئنة تنعم بالسخاء والرخاء والتنمية والازدهار.. وإني لآمل لقادتنا منقلباً حميداً فإن أنظار ما يزيد على مليار وثمانمئة مليون من المسلمين محدقة نحوهم بعد أن تلوَّعُوا في مجتمعاتهم بأنواع الرزايا والمشكلات التي حلَّت بهم وبإخوانهم لعله أن تلوح لهم بارقةُ أملِ تحقيق الوثبة المبتغاة على درب النهضة الشاملة.. وبغض النظر على مستوى المشاركة فيها ستكون هذه القمة العربية في دورتها العادية مقارنة بقمم سابقة محطة فاصلة في التاريخ العربي في إطار دراسة الملفات المطروحة في أبعادها المحلية والإقليمية والدولية لتحقيق آمال وطموحات الشعوب العربية في مسائل الإستقرار والأمن والسلام والرخاء.. منعطفات مصيرية وفي التاريخ منعطفات مصيرية من يهتبلها ويقتنصها في سبيل تحقيق غايته هو من ينحت على صفحاته المجد وإن الصبح لقريب بإذن الله.. والجزائر وعلى رأسها السيد عبد المجيد تبون بهذا لا تسعى إلى مجد خاص ولا إلى مصالح أيديولوجية بقدر ما تقف على مسافة واحدة من الجميع لتؤكد مرّة أخرى على أنها ستبقى وفية لمبادئها الأصيلة الداعية إلى إعلاء الحق ونصرة المظلومين مهما طال الزمن ومهما كان الثمن.. وهي تتطلّع كما قال وزير دبلوماسيتها أن تشكّل هذه القمة الهامة فرصة لاتخاذ قرارات جريئة بروح توافقية وذلك بالنظر إلى الملفات المعروضة على القادة فهي محطة فاصلة في لمّ الشمل وتوحيد الرؤى بين الدول العربية في ظل الإنقسامات التي يشهدها الواقع العربي خاصة ما تعلق بالقضية الفلسطينية التي أثرت عليها تداعيات حملة التطبيع مع الكيان الصهيوني بشكل كبير بالإضافة إلى ملفات أخرى لا تقلّ أهمية.. وعلى وتر ذكرى أول نوفمبر يعزف القلم أنغاماً يمتد صداها إلى فضاءات القمة العربية لهذا الأمل المشروع فلقد علمتنا ثورة نوفمبر أن التاريخ يسجل ويدوّن وإن لم ينطق اليوم وأن المرء حين يذهب فلن يُذكر عنه في الدنيا إلا ما قدمه من أمر لصلاح الدين والدنيا أو عكس ذلك وإطباق ثناء الناس على إنسان أو ذمه لن يكون بعيداً عن الحقيقة فالناس شهداء الله في الأرض.. هذا وسلام على نوفمبر 1954 سلام على ذكراه الثامنة بعد الستين. جعل الله همّة القادة على قدر أهداف قمّتهم وأصلح أحوالهم ويسر أمورهم ودبّرهم على ما فيه الخير في دينهم ودنياهم وجعلهم رحمة على رعاياهم وجمع كلمتهم على ما فيه خير الأمة ورفعتها وحفظ الله الجزائر وحفظ لها رئيسها وحفظ لها رجالها وأدامها إثمدا في كل عين كل ودود وعلقما في عين كل حسود..