يواصل رئيس الجمهورية السيّد عبد العزيز بوتفليقة وفاءه بالالتزامات والتعهّدات التي قطعها على نفسه منذ انتخابه رئيسا للجمهورية في أفريل 1999، وهي الالتزامات القاضية بالعمل على تحسين أوضاع الاستقرار بعد استعادة الأمن والاستقرار، وجاء الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء ليؤكّد مضي الرئيس قدما نحو تجسيد كامل تعهّداته الإصلاحية التي أعلن عنها في ربيع السنة الجارية· وبيّنت مضامين قوانين الأحزاب والإعلام والجمعيات المصادق عليها في اجتماع مجلس الوزراء برئاسة بوتفليقة عزم الرئيس على تحويل الإصلاحات إلى واقع ونقل الالتزامات المعبّر عنها في الخطب الرسمية إلى إجراءات عملية ملموسة، فالرئيس الذي أقرّ قبل مدّة إلغاء تجريم الكتابة الصحفية جسّد ذلك قانونيا من خلال وقف حبس الصحفيين وفق ما ينصّ عليه قانون الإعلام الجديد الذي لا يتضمّن عقوبة الحبس ويعوّضها بغرامات مالية، والرئيس الذي أكّد عزمه على كسر الحاجز بين الإدارة والمواطن ومحاربة البيروقراطية، أيّا كان مصدرها أو تبريرها أمر مصالح وزارة الداخلية بالإسراع في الردّ على طلبات اعتماد وتأسيس الجمعيات، كما أقرّ إجراءات حازمة لمنع التوزير خلال الاستحقاقات الانتخابات، ولمنع (التجوال السياسي)، بعدها. ** وداعا لزمن سجن الصحفيين يخلو مشروع قانون الإعلام الذي صادق عليه مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير من أيّ مادة تعاقب الإعلامي بالسجن تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية، كما أنه يفتح المجال ولأوّل مرّة في تاريخ الجزائر للإعلام السمعي البصري· ويخلو مشروع قانون الإعلام من أحكام تعاقب الكتابة الصحفية بجميع أشكالها بالسجن، ويكون بذلك قد جسّد قرار رئيس الدولة برفع التجريم عن الكتابة الصحفية بغرض تعميق المسار الديمقراطي الذي يعزّزه فتح مجال الإعلام السمعي البصري· وتعتبر مسألتا سجن الصحفي وفتح مجال الإعلام السمعي البصري من المواضيع التي استقطبت نقاشات رجال المهنة، وكذا الطبقة السياسية والحركة الجمعوية في البلاد· وكانت مسالة فتح مجال الإعلام السمعي البصري في صميم المواضيع التي اتّفق حولها غالبية الأحزاب السياسية بما فيها أحزاب التحالف الرئاسي، وكذا المجتمع المدني والشخصيات الوطنية والسياسية التي شاركت في المشاورات الخاصّة بالإصلاحات السياسية· وينصّ المشروع على إنشاء سلطة ضبط للإعلام السمعي البصري لأوّل مرّة في الجزائر، إذ جاءت فيه أحكام تنظّم الحقل السمعي البصري وتحدّد الآليات والتركيبة وطريقة تسيير المجلس· وتمّ اقتراح فتح النشاط السمعي البصري على أساس اتّفاقية تبرم بين الشركة الجزائرية التابعة للقانون الخاص المعنية والسلطة الضابطة للمجال السمعي البصري يصدّقها ترخيص يعطى من قِبل السلطات العمومية. وسيتمّ لاحقا إصدار قانون خاصّ يتعلّق بالمجال السمعي البصري لاستكمال ضبطه· أمّا فيما يخصّ الصحافة المكتوبة فجاء المشروع بجديد يخصّ منح الاعتماد للصحف، حيث أن ذلك لن يكون من صلاحيات الإدارة أو وزارة العدل وإنما سيكون من صلاحيات سلطة ضبط الصحافة المكتوبة· ينصّ المشروع على أن إصدار كلّ نشرية دورية يتمّ بكلّ حرّية ويخضع لأعراض التسجيل ومراقبة صحّة المعلومات إلى إيداع تصريح مسبق من طرف المدير المسؤول عن النّشرية لدى سلطة ضبط الصحافة المكتوبة وذلك قبل ستّين يوما من صدور العدد الأوّل· وينبثق نصف أعضاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة من المهنيين المنتخبين من طرف الأسرة الإعلامية ويعيّن النّصف الباقي من قبل رئيس الدولة وغرفتي البرلمان· كما يأتي مشروع القانون العضوي هذا ب (تكفل صريح بقضية الوسائط الإعلامية السمعية البصرية والوسائط الإعلامية العاملة على شبكة الأنترنت)· وفي مجال أخلاقيات مهنة الصحافة يقترح المشروع إحداث (هيئة وطنية لأدبيات الصحافة وأخلاقياتها تسهر على امتثال الوسائط الإعلامية للقواعد الأخلاقية) ينتخب أعضاؤها من طرف محترفي الصحافة· كما يقترح مشروع هذا القانون المسوغ القانوني لمساعدة الدولة للصحافة (ويعزّز جانب الصحفيين من حيث صون حقوقهم الاجتماعية والمهنية)· إن سلطتي الضبط الخاصّة بالصحافة المكتوبة والإعلام السمعي البصري، وكذا إنشاء مجلس أعلى لآداب وأخلاقيات المهنة في المشروع الجديد الخاصّ بالإعلام يعدّ (تطوّرا هامّا) من شأنه تمكين حرّية التعبير بالجزائر من تحقيق مكاسب أخرى· ** بوتفليقة يعيد الاعتبار لدور الجمعيات تعدّ إعادة الاعتبار لدور الجمعيات كفضاء وساطة بين السلطات العمومية والمواطنين وتعزيز حرّية إنشاء جمعيات وسدّ ثغرات قانونية أحد أهمّ أهداف القانون الجديد الذي صادق عليه مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير· بموجب هذا النصّ ستنفتح آفاق جديدة لصالح المجتمع المدني حتى يلعب الدور الرئيسي المنوط به على أكمل وجه ك (وسيط حقيقي) بين الحاكم والمحكوم· وتمّ التأكيد مرار بأعلى مستويات الدولة على الإرادة في جعل المجتمع المدني فاعلا محوريا إلى جانب السلطات العمومية في تسيير الشؤون العمومية وتأطير مهامه وأهدافه الرّامية أساسا إلى تعزيز ترسيخه في المجتمع حتى يعبّر عن انشغالاته· وكان الرئيس بوتفليقة قد دعا في خطابه للأمّة يوم 15 أفريل الفارط منظّمات الحركة الجمعوية إلى تكثيف مبادراتها في إطار المهام المنوطة من خلال انضمامها قبل مراجعة القانون الذي ينظّمها في المنظور الهادف إلى جعل الجمعيات فضاء حقيقيا للوساطة بين الحاكم والمحكوم· كما تعكس هذه الدعوة تصوّرا يسعى إلى تفضيل التشاور وعلى جميع مستويات المجتمع المدني في إطار الممارسة الديمقراطية التساهمية· وفي نفس هذا الإطار بالذات تندرج الجلسات الوطنية الأولى للمجتمع المدني التي نظّمها منتصف شهر جوان المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، وهو موعد مكّن من مباشرة نقاش حرّ ومتعدّد ومفتوح على جميع الفاعلين في المجتمع المدني· ومكّن هذا اللّقاء الذي يعدّ الأوّل من نوعه منذ استقلال البلد من خلق فضاء للاستماع إلى انشغالات واقتراحات المجتمع المدني على تنوّعه ودون أيّ استثناء· كما كلّف المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي من قبل رئيس الجمهورية بتنشيط نقاش من أجل تحديد أهداف تنمية محلّية أحسن وتكييفها مع تطلّعات السكان بإشراك كلّ الفاعلين المحوريين في التنمية المحلّية بمن فيهم فاعلي المجتمع المدني· وتمّ تحديد الخطوط العريضة لهذا النّقاش الذي تمّت مباشرته يوم 5 سبتمبر انطلاقا من تندوف في نهاية شهر ماي الفارط خلال اجتماع بين وزير الداخلية والجماعات المحلّية السيّد دحّو ولد قابلية ورئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي·