أمريكا أطلقت اسمه على فوهة من فوهات القمر أبو عبيد البكري.. أكبر جغرافي الأندلس في شهر شعبان لعام 1369ه / 1949م أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا اسمه على فوهة من فوهات القمر اعترافا وتقديرا لما قدمه من إسهامات علمية وحضارية متميزة في حقل الجغرافيا. إنه أبو عبيد البكري الأندلسي واحد من أعلام الثقافة الأندلسية وأول جغرافي الأندلس والمغرب وأكبرهم إنجازا وإسهاما. *اسمه ونشأته هو أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد بن أيوب بن عمرو البكري نسبه عربي يرجع إلى قبيلة بكر بن وائل أكبر قبائل ربيعة في شبه جزيرة العرب. ولد أبو عبيد البكري في ولبة قرب حاضرة الأندلس إشبيلية ولا نعلم تاريخا لميلاده حيث يذهب البعض إلى أنه ولد 432ه/ 1040م ولكن الأقرب للصواب أنه ولد بين عام 400ه/ 1010م وعام 410ه/ 1020م. نشأ أبو عبيد البكري في بيت إمارة وسيادة حيث السراوة والشرف والرياسة وأرباب النعم استمدوا الشرف من صريح أنسابهم في بلاد الأندلس كما استمدوه من ماضيهم الحربي في فتح الجزيرة وشغل المناصب العالية في الدولة فتحدثنا كتب التراجم أن جده أيوب بن عمرو تولى خطة الرد (أي رد المظالم) بقرطبة زمن الدولة الأموية والقضاء ببلده لَبْلَةُ والقضاء كان من المناصب التي يحتكرها علية الناس وسرواتهم في الأندلس. وكان لهم تأثير كبير في بلاط قرطبة وإشبيلية حيث كانوا من أنصار المنصور بن أبي عامر ثم ببني عباد في إشبيلية. *الحياة العلمية لأبي عبيد البكري في قرطبة توسعت الثقافة الأدبية والعلمية لأبي عبيد البكري حيث درس على كبار علمائها ومؤرخيها فقد تابع دروس المؤرخ الكبير أبي مروان ابن حيان وأبي بكر المُصْحفي وأجاز له ابن عبد البر حتى صار رأسا في التاريخ واللغة والأدب وحدث عنه: محمد بن معمر المالقي ومحمد بن عبد العزيز بن اللخمي وطائفة. ولا يمكن أن نعرف أي تآليفه ألَّف مدة مقامه الأول في قرطبة لأن تواريخ تآليفه غير معروفة ولكن الكثير من القرائن تبين أنه لم يكن عديم الشغل وأن الكثير من تآليفه قد تكون ظهرت في تلك الفترة. *كتاب المسالك والممالك يعتبر أبو عبيد البكري ألمع جغرافيي الأندلس واتسم عمله بالموضوعية والانسيابية والمنهج العلمي الصارم ومما لا شك فيه أن كتاب المسالك والممالك كانت له المساهمة الكبرى في شهرة البكري فقد جمع البكري في كتابه المسالك والممالك بين الجغرافيا والتاريخ من المسالك ووصف البلدان والشعوب والمدن وتمتزج بالملح والأساطير والاستطرادات التاريخية ويبقى انتباه القارئ دائم اليقظة. وزاد البكري على ما جاء في مؤلفات كتبها مؤرخون سابقون له كما تطرق إلى التراث الشعبي الموروث لعدد من الشعوب في أرجاء العالم المعروف آنذاك وأبرز العادات والتقاليد الغريبة لكنه في نفس الوقت رفض أي شيء يتنافى مع العقل والمنطق في كتاباته. قدم البكري في كتابه هذا أول وصف مفصل لإمبراطورية غانا الإسلامية في غرب أفريقيا ويعتبر من أهم المصادر التاريخية لتلك الحقبة في جنوب غرب أفريقيا وشمال غرب أفريقيا حيث دولة المرابطين ونظرا لاستقائه الكثير من المعلومات من التجار والمسافرين فقد قدم وصفا دقيقا لطرق التجارة في الصحراء الكبرى بأفريقيا والتي تضاهي بأهميتها طريق الحرير التاريخي بين الصين وأوروبا. *كتاب معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع أما كتابه الخالد الآخر فهو معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع وهو جهد توثيقي حاول الكاتب فيه توثيق أسماء الأماكن والبلدان بعد أن لاحظ تعدد التسميات نتيجة تنوع لهجات بني البشر فأراد أن يكون هناك مصدر تاريخي موثوق يستطيع الباحثون الرجوع إليه للتوصل إلى الأسماء والألفاظ الصحيحة للأماكن. واعتمد البكري في تأليف معجمه الجغرافي والتاريخي على مصدرين: الأول مصادر تاريخية مثل كتاب صفة جزيرة العرب للحسن بن أحمد الهمداني والمصدر الثاني هو الرواة من المسافرين والتجار حيث كان البكري يلتقيهم باستمرار لمعرفة أسماء البلدان والبلدات التي مرُّوا بها وأحوال الشعوب فيها. ولم يتخصص أبو عبيد البكري في أي فرع من فروع المعرفة الإنسانية شأنه في ذلك شأن جل العلماء المسلمين في وقته لقد كان تكوين الرجل المثقف في تلك الفترة يشتمل دائما على دعامة متينة من العلوم الدينية فقه علوم قرآنية علم كلام ثم يأتي الأدب واللغة والفلسفة ومواد أخرى حسب الإمكانيات والأذواق الشخصية فلا غرابة إذن أن نجد ضمن تآليف البكري مصنفات تبحث في مواضيع مختلفة. فالبكري لغوي وأديب قبل كل شيء رغم أنه اشتهر بصفته جغرافيًّا في المشرق والمغرب ويكفي للتفطن إلى ذلك أن يستعرض القارئ عناوين الكتب التي تنسب إليه فالأدب له دور كبير في أكبر آثاره الجغرافية.