هل ضيق الوقت هو ما يتحكم في علاقاتنا مع الجيران، وأبناء الحي، والأصدقاء؟ أو هو اختيار في الابتعاد عن العلاقات الأسرية، والعلاقات القريبة؟ او ربما علاقات العمل قد طغت على غيرها من العلاقات؟ هو السؤال الذي حاولنا الإجابة عنه ونحن نطرح الموضوع على بعض المواطنين ممّن فقدوا، او افتقدوا وتخلوا عن تلك العادة، أو لم يعرفوها إلاّ عن طريق ما يحكيه لنا الآباء والأجداد. م. مهدي لا نكاد نعثر على العادات التي حرص أجدادنا على الاحتفاظ بها في أيامنا هذه، خاصة تلك التي كانت تجمع بين الجيران، والذين كانوا كالأسرة الواحدة، حيث يتبادلون كل شيء فيما بينهم، حتى الأكلات التي يحضرونها، كانوا لا يفعلون إلاّ إذا وضعوا في الحسبان جيرانهم، والذين قد لا يجدون ما يأكلونه، كل هذا انعدم، او يكاد عندنا، وصرنا ماديين، لا نفك في العلاقات الإنسانية، وتجدنا لا نجد الوقت الكافي، لا لزيارة الجيران، ولا حتى للتحدث معهم ونحن مارين من أمامهم، بل حتى تلك التحيات المقتضبة انتزعت من قاموسنا، وصرنا، او صار الكثير منا لا يعرف حتى جيرانه الذين يسكنون بمحاذاته، وهو الأمر الذي يستنكره خاصة من عاشوا زمنا كان فيه الجار للجار في السراء والضراء، تقول لنا الحاجة فاطمة، 83 سنة، والتي تسكن او كانت تسكن بحي القصبة العتيق، تقول أنهم، في سابق عهدهم كانوا أسرة واحدة مع الجيران، يتبادلون كل شيء، بل كان الجار يدخل إلى بيت جاره كما لو انه يدخل إلى بيتهن يستأذن طبعا، ولكنه يعتبر جيرانه كاسرة له، وتجد احدنا قريب من جاره أكثر منء قربه من أخيه، ولهذا فان العلاقات بين الجيران كانت أكثر من صلبة، وتضيف الحاجة فاطمة عن تأثير هذا تقول أن الناس بهذه الطريقة يجدون بعضهم البعض، ولا تحدث مشاكل إلا وقد وجدت شخصا حلها لجاره، وهكذا، أما اليوم، تضيف الحاجة فاطمة بكثير من الأسى والحسرة، الحال تغير والناس صارت ليس فقط لا تقترب من جيرانها ولكن تنفر منهم، وهو الأمر الذي اثر سلبا على تماسك المجتمع وتلاحمه، وبالتالي على سعادة أفراده. سفيان، 28 سنة، لا يعرف ولا واحدا من جيرانه، ولكن يبرر ذلك يقول انه قدم للسكن في الحي منذ خمسة سنوات، وانه منذ تلك الفترة لم يستطع أن يقيم علاقة، خاصة وانه لا احد في الحي يعرف الآخر، وكثيرون قادمون جدد، وهكذا، فبالأمس، يضيف سفيان، كان الناس يتعارفون أبا عن جد، وليس الحال اليوم، كما أن الوسائل التكنولوجية التي استحدثت زادتنا تعلقا بالوقت، فصرنا نعتبر كل دقيقة ثمينة، ولو أننا نهدر الساعات أحيانا في اللاشيء، لكننا نرى أنّ المكوث عند الجيران ساعة من الزمن هو هدر للوقت، لكن مع ذلك فان عودة الحياة كما كانت عليه أفضل للجميع، ولكن هيهات أن يحدث ذلك.