الدعوة المنتشرة بين الأسرة التربوية منذ أيّام والقاضية بضرورة الذهاب إلى الدخول في إضراب مفتوح لا ينتهي إلاّ بتلبية مطالب المعلّمين ومن يماثلهم من التربويين في التعليم الابتدائي والمتوسّط وربما يمتدّ الأمر إلى الثانوي، هذه المطالب المشروعة على الأقل في نظرهم تتمثّل أساسا في الحجم الساعي أو نظام الدوامين الذي أرهق الأطفال التلاميذ والمعلّمين على حد سواء، زيادة على ذلك رفع الأجرة وقيمة التعويضات عن الضرر ما يماثله من منح، وكلّ هذا سعيا إلى أن يتساوى أجر المعلّم بأجر تقني في الصحّة لا أكثر مع أن مهمّة ورسالة المعلّم أشقّ وأنبل، حيث أغلبية المنتسبين إلى هذا السلك ما دلّت على ذلك الكثير من الدراسات والبحوث العلمية والنّفسية ينتهي بهم المطاف وحتى قبل بلوغ سنّ التقاعد إلى أروقة المصحّات والمستشفيات العقلية نظرا للضغوط وظروف العمل السيّئة. إن مهمّة المعلّم باتت صعبة ومرهقة جدّا ولا يقدر عليها إلاّ أولئك الذين آتاهم اللّه الكثير من الصبر ووهبهم أعصابا فولاذية، ومع ذلك لا نكبر فيهم تلك التضحيات لا يقدر على تحمّلها إزاء الأطفال الصغار الذين بلغوا سنّ الدراسة حتى الأولياء أو الأقارب نظرا لهرج ومرج الطفل في هذا السنّ، والذي يتميّز بكثرة الحركة وفوق ذلك يدخل المدرسة وهو لا يعرف شيئا وعملية تعليمه وتربيته وتعويده على النّظام والتعلّم مسألة في غاية التعقيد والصعوبة، ولا يعرف معاناة المعلّم وما يكابده من ضوضاء وتعب وفوق ذلك قلّة النّوم والأكل إلاّ أولئك الذين عرفوا المهنة عن كثب وعن قرب. اليوم والمعلّم قد وصل به الأمر إلى حدّ أن أصبحت أجرته لا تكفيه لمصروف نصف الشهر، وأن الاكتظاظ والتوقيت المعتمد على الدوامين ضغط عليه حتى كاد ينفجر في كلّ من حوله رافضا كلّ محاولة أو زيادة في الأجر أو التخفيف من الحجم الساعي، وقد يدخل في إضراب مفتوح لا أوّل له ولا آخر إن لم تلبّ مطالبه البسيطة التي في استطاعة الوزارة الوصية أن تلبّيها وتحفظ ماء وجهها دون أن تفقد هيبة المعلّم الذي هو أساس المنظومة التربوية، والتي يقوم على أساسها مستقبل البلاد وهذه الأجيال القادمة، وهي في الأخير دراهم معدودة تغني المعلّم وتفرحه ولا تفقر الدولة.