أمام مئات الطوابير على المخابز، وانعدام الكهرباء والماء والمأوى وسقوط 521 شهيدا وأكثر من 2500 جريح، 60٪ منهم أطفال من جراء العدوان الصهيوني الغاشم على غزة لليوم العاشر، وأمام تظاهر الملايين من الأشخاص في عشرات من البلدان العربية والعالمية وحتى في قلب تل أبيب تنديدا بالعدوان وتضامنا مع الأشقاء الغزّاويين، يحكمهم منطق واحد، تسقط كل المشاكل والقضايا التي تعتبر جميعها تافهة بالمقارنة مع الكارثة الانسانية التي حلت بغزة. يأبى القسنطينيون، على غرار باقي الجزائريين، إلا أن يتشبتوا بتقاليد بالية لاتمت بصلة لديننا الحنيف ولاتغني ولاتسمن من جوع، وإنما هي في الحقيقة يهودية المنشأ، يصرون للمحافظة على هذه العادات ولايحاولون ولو قليلا التأمل وإدراك المعنى الديني والروحي لعاشوراء، مع أن البعض يصوم يوم التاسع والعاشر، الجميع يحيي الذكرى بالأكل وليس بالعبادة لكن الأغلبية الساحقة تجهل ماذا تعني عاشوراء حقيقة. هي عادة اقتناء تشكيلة تضم مختلف أنواع المكسرات والحلويات والتين الجاف وهو ما يسمى باللغة العامية "القشقشة"، هذا ما لمسناه في جولتنا الاستطلاعية التي قادتنا إلى عدد من الأسواق الشعبية، للوقوف على حال الشارع القسنطيني بالموازاة مع مايحدث في غزة، لنرى هل سيظهر سكان قسنطينة أضعف الايمان أم لا؟ لكن للأسف ونحن ندخل هذه الأسواق الشعبية العتيقة المقصودة من قبل كل سكان الولاية، شاهدنا الإجابة المخزية بأعيننا ولم نسمعها بآذاننا، تفاجأنا بالحشود في الشارع للتنديد بالمجازر الشنيعة التي تمارس على غزة بتواطؤ من جميع العرب، لكنها كانت مكتظة أمام المحلات حتى ضاقت بها أسواق مثل سوق بومزّور، سوق بطّو، سوق العصر وغيرها كثيرة، نساء ورجال شباب وشيوخ وهم ينتظرون في محاولة لاقتناء الدجاج واللحوم وطبعا "القشقشة" لإحياء عشاء عاشوراء. "القشقشة" التي غزت كل الأسواق والمحلات وحتى الشوارع، لدرجة أن بعض المحلات تحولت من نشاطها التجاري الأصلي الى بيع هذه المكسرات مثل ماحدث في سوق "بطّو" في التحقيق ربح أكبر وأسرع أو لمواكبة الحدث. وأيّ مواكبة مخزية تعكس موت القلوب وبرود المشاعر أمام أحداث يتفاعل معها الصخر، تضارب وتناقض صارخ يخرج من أعماق قسنطينة، الجميع يتغنى "بالنيف والرجلة" ونفس هذا الجميع يغض الطرف عما يجري لم يحدثوا ولو تغيير بسيط على أجندة احتفالاتهم وماكان يضيرهم لو أحيوا الذكرى دينيا وليس هذا التهافت المؤسف على ملأ البطون. شباب بالعشرات يقفون على قارعة الطرقات، يعاكسون كل الفتيات والنساء تخلو أحاديثهم من أهم الأحداث، قادنا فضولنا كذلك الى المحلات التجارية الراقية هنا في قسنطينة والتي طبعا تملك أهزة تلفزيون فاخرة في المحلات لتستطلع الأمر، وكان بالفعل ما توقعناه جميع المحلات تشغل الأجهزة لكن على قنوات ميلودي عربية، وروتانا. كما أفادتنا مصادر موثوقة عما يجري في الادارات أن الاهتمامات تخلو من الحديث عن غزة، اللهم إلا لمأ الفراغ، لكن المجالس لاتخلو من النزاعات التافهة وترديد عبارة "اليهود راهم هنا"، "إحنا مانهدروش بصّح كون يفتحوا الحدود نروحو نجاهدوا"، أولا يدرك هؤلاء أن من يعجز عن اظهار أضعف الايمان سواء عن خوف أو تواطؤ أو أنانية أو لامبالاة هل يستطيع الاقدام على أعلى مراتب الايمان وهي الجهاد. أمام هوان أعظم القضايا الوطنية والعالمية أمام عظم كارثة غزة لازال إهتمام الجزائريين ينحصر في أتفه الأمور، أبدوا محاولات خجولة جدا للتظاهر، لكنها لم تكن جدية تعكس شخصية المتظاهرين وهو ماحدث، أمس، في جامعة منتوري قسنطينة، حين أنهوا شبه المظاهرة التي قاموا بها بترديد "يحيا بوتفليقة" هذا حسب شهود عيان حضروا المظاهرة، ترى مادخل هذا بذاك وهل هو وقت ابداء الولاء للرئيس، عدا ذلك فكل المظاهرات كانت في مناطق مغلقة لم يسمع بها أحد سواء في قسنطينة أو الجزائر وهو ماقام به التحالف الرئاسي، أمس، بحضور جمع كبير من الشباب، هل كانت تعبئة تمهيدية للانتخابات أم تنديدا فعلي بالمجازر. إنها ليست مبالغة أو تشويه للصورة وإنما هو الواقع المخزي في شوارع قسنطينة التي تخلو تماما من مظاهر التضامن أو التنديد. إحساس فضيع بالأنانية يتصف به الشارع القسنطيني والعربي عموما، ملوك وحكام يناقشون الكارثة من داخل حصونهم المنيعة وشعوب لاتفوت الفرصة للاحتفال الخاطئ لأي مناسبة وسلطات أمنية تعتقل كل من يحاول التعبير، وإعلام عربي بكل أنواعه سمعي بصري ومكتوب يتمسك بحياد الاعلام في التعبير عن الكارثة ويسمى الأمور بغير مسمياتها العدو الصهيوني بالكيان الاسرائيلي والمقاومة بالفصائل المقاتلة، والشهداء والعمليات الاستشهادية بالقتلى والعمليات الانتحارية هذا باستثناء بعض القنوات والصحف. أمّة عربية تتخلى عن كل شيء يخدم القضية المقدسة وتتمسك بكل مايدعم العدو، وماتجدر الاشارة إليه هو أن توجه مقاومة حماس صواريخها نحو الأنظمة العربية الخائنة وشعوبها الذليلة ينهار العدو الصهيوني، لأننا أصل الدّاء، وأمام كل هذه الحقيقة اليت يندى لها الجبين ويطأطئ لها الرأس الشعب الفلسطيني فقط من يدفع الفاتورة من دم أبنائه الشرفاء والذين يحق لهم التبرؤ من هذه الأمة العربية الخائنة.