قد يكون شهر رمضان عند البعض دافعا للتوبة والاستغفار والانتهاء عن المنكرات والسيئات وفرصة نادرة لمضاعفة الحسنات، لكن معناه يختلف تماما عند أشخاص آخرين، والذين يضاعفون فيه من أعمال اللصوصية والنهب والاستيلاء على ممتلكات الغير، وهم "صائمون". ما اكتشفناه من ممارسات في شهر التوبة والاستغفار يدل على أن البعض لا يزالون بعيدين عن جوهر رمضان، ففيما يحرص الناس على أن يصح صيامهم، ويبتعدون عن كل ما يمكن أن يجرهم إلى ارتكاب المعاصي والآثام، فان أشخاصا يزدادون في شهر رمضان لؤما وبؤسا، ويتحولون إلى شياطين بشرية لا هم لها إلاّ الربح، ولو كان كذلك بواسطة السرقة، ولو كان بالاعتداء، بل ولو كان ذلك على حساب قتل نفس بشرية. بعض اللصوص لا يتنقلون بين الحافلات والأسواق والأماكن العامة بالمواطنين لنهب جيوبهم، بل إنهم ينتظرون ضحاياهم وهم يجلسون حول طاولة "دومينو" يرتشفون القهوة، إذ يختارون الطرق المقطوعة، فيقبعون عند مدخلها، حتى إذا ما سألهم احد عن الطريق، أدركوا انه لا يقطن بالمكان، واستغلوا الموقف ليدلوه إلى نهايتها، وهناك يتبعونه بالسيارة، او حتى مشيا، فيجردونه من كل ما يملك، ويعتدون عليه إذا ما حاول المقاومة، وقد يقتلونه إذا اشتدت مقاومته، خاصة وان الأماكن التي يختارونها عادة ما تكون خالية تصلح لارتكاب الجرائم. كانت الساعة الواحدة صباحا عندما مررنا من احد الأحياء بدواودة وكنا متجهين إلى درارية فأضعنا الطريق، حيث لم يكن هناك لا أضواء ولا لافتات ولا محلات ولا شيء، كانت طريقا تخلو من كل اثر لحياة، حتى حسبنا أننا خرجنا من العاصمة تماما، وبعد مدة التقينا بمجموعة من الشباب، كانوا يجلسون حول طاولة للدومينو، وأمامهم شمعة تضيء لهم المكان، عندما توجهنا لهم بالسؤال عن الطريق الأسرع إلى درارية وقف احدهم واتجه إلينا، وبعد أن ألقى ببصره على السيارة وعلينا، وكنا ثلاثة، تحبب إلينا وراح يرينا الطريق، ورغم أننا اشتبهنا في تصرفاته، إلاّ أننا لم نعتقد انه كان يضمر لنا شرا، خاصة بعدما كلمنا بمنتهى الأدب في الأخير وساعدنا كذلك، فشكرناه وذهبنا. لكن الطريق التي مشينا فيها لم تكن الطريق الصحيحة، بل لم تكن إلا طريقا مقطوعة، حيث انتهينا عند مكان مظلم ليس به لا أضواء ولا بيوت، غير الأحجار وأعواد الأشجار وقارورات الخمر المنثورة هنا وهناك، فخالطنا قليلٌ من الشك، والذي صار يقينا ما إن هممنا بالعودة من حيث أتينا، إذ كانت شاحنة قادمة نحونا قطعت علينا الطريق، ولم تنتظر كثيرا حتى خرج منها ست شبان ومن بينهم الأربعة الذين دلونا على الطريق، وكانت نيتهم واضحة منذ البداية، حتى أن اثنين منهم كانا يحملان العصي بأيديهما، وقبل أن نفكر في مواجهتهم قدمت سيارة أخرى من نوع "كليو" من طراز قديم كانت محملة هي الأخرى بمجموعة ثانية من الشبان الذين لم نتبين عددهم، لان الظلمة كانت حالكة، وتقدموا نحونا بهدوء، لكن بعد حديث معهم ارتحنا قليلا ونحن نعلم أنهم لصوص من نوع خاص، إذ ما إن علموا أننا قادمون من حي شوفالي، حتى تراجعوا عن أذيتنا، لأنهم وكما قالوا لنا، لا يقتربون من الساكنين بالجزائر الصغيرة، لان ذلك سيجلب لهم متاعب هم في غنى عنها، أي أنهم، وبالإضافة إلى كونهم لصوصاً وقطاع طرق فهم جبناء، وهو ما صرحوا لنا به بكل وقاحة، فلم نجد حينها إلاّ مغادرة المكان، ونحن في حيرة من أمر هؤلاء اللصوص. هذه الظاهرة التي لا تعتبر محاولات منفردة، بل أن الكثير من المواطنين اتخذها طريقته في النصب والاحتيال والاعتداء على الغير، ومن ذلك ما يفعله البعض في أعالي بوزريعة، حيث يجلسون عند مدخل الأحياء، ينتظرون أول شخص يسألهم عن الطريق او شيء آخر، فيدلوه على مكان يتواجد به أصدقاؤهم، أو على مكان يلتحقون به بعدها وهو ما وقع لسمير، والذي مر من حي بوفريزي وكان متجها إلى تريولي، فسأل بعض الأشخاص عن الطريق، ولم يفعلوا إلاّ أن دلوه على حتفه، حيث تتبعوه وقاموا بالاعتداء عليه، إذ سلبوه أمواله وهاتفه النقال، وكادوا يعتدون عليه بالسكين، لولا انه فضل ألا يقاومهم، لأنه علم أنهم قادرون على فعل أي شيء. ويختار في العادة هؤلاء اللصوص مناطق بعيدة عن الأحياء التي يسكنونها، وذلك حتى لا يفتضح أمرهم في حال ما إذا تم البحث عنهم، لكن كثيرا ما يقعون في الخطأ، ويتركون وراءهم أثارا قد تكون السبب في العثور عليهم.