سنخصّص حلقة هذا العدد كاملة لدورة 1990 التي احتضنتها بلادنا على اعتبار أن هذه الدورة مسكها كان جزائريا بعد فوز منتخبنا الوطني بالسيّدة الكأس على حساب نيجيريا بهدف دون ردّ. ترى ما قصّة دورة الجزائر؟ ذلك ما سنعرفه عليه حالا· إعداد: كريم مادي بعد صراع مرير مع الاتحاد الإفريقي لكرة القدم التي كان يرأسها الرّاحل الإثيوبي تيسيما أسندت مهمّة تنظيم الدورة السابعة عشر للجزائر، وهذا بعد أن كان مقرّرا أن تحتضن الجزائر الدورة السادسة عشر بعد انسحاب كينيا من تنظيمها لأسباب سياسية ومالية. لكن ونظرا للعداء الذي كان يكنّه الاتحاد الإفريقي للجزائر أسندت مهمّة تنظيم دورة عام 1988 للأشقّاء المغاربة لعلّ وعسى يكون لقب هذه الدورة من نصيب المنتخب المغربي، لكن أسود الكاميرون انتزعوا لقبها· لم يشكّل إسناد تنظيم الدورة السابعة عشر للجزائر مفاجأة للأفارقة بعد أن حرم الجزائريون من تنظيم الدورة النّهائية أكثر من مرّة، ويرجع العارفون بخبايا هذه المنافسة أن الفضل في إسناد تنظيم الجزائر لدورة عام 1990 إلى الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي الكاميروني عيسى حياتو بعد أن ساهمت الجزائر بدور فعّال في انتخابه على رأس هذه الهيئة قبل أيّام من انطلاق دورة المغرب عام 1988، فكان من البديهي أن يميل إلى ردّ جميل الجزائريين الذين ساهموا في إيصاله إلى عرش (الكاف). *** ثماني منتخبات في النّهائيات شارك في دورة الجزائر وعلى غرار الإحدى عشر الأخيرة ثماني منتخبات قسّمت إلى مجموعتين، حيث ضمّت المجموعة الأولى التي جرت مبارياتها في العاصمة بملعب 5 جويلية كلاّ من نيجيريا، مصر وكوت ديفوار فيما ضمّت المجموعة الثانية التي لعبت مبارياتها بملعب 19 ماي 1956 بمدينة عنابة كلاّ من حامل الكأس الأخيرة المتنحّي الكاميروني وزامبيا، السنغال والمغرب· الدورة التي جرت في الفترة الممتدّة ما بين 2 و16 مارس من عام 1990 حاول فيها الأشقّاء المصريون إفساد عرس الجزائر التي جنّدت له السلطات الجزائرية كلّ الإمكانيات لجعله أحسن دورة في تاريخ كأس أمم إفريقيا، لكن المصريين وبما أن التاريخ يقول إنهم يعانون مع عقدة اسمها الجزائر، فضّلوا إرسال منتخبهم الثاني بحجّة أن المنتخب الأوّل يستعدّ لمونديال إيطاليا. لكن رغم خرجة المصريين إلاّ أن العرس القارّي كان في أبهى صورته، وقد أبدعت أنامل الجزائريين وعبقريتهم في نجاح حفل الافتتاح الذي جسّد عمق التاريخ الجزائري وتقاليد الشعوب الإفريقية· *** عرس الجزائر الذي حاول المصريون إفساده في الوقت الذي كان فيه المصريون يقيمون الأفراح والولائم بمناسبة تأهّلهم إلى مونديال (الطاليان) بتفوّقهم في لقاء العودة على حساب منتخبنا الوطني بهدف دون ردّ، سحبت عملية القرعة لنهائيات كأس أمم إفريقيا بالجزائر العاصمة على اعتبار أن الجزائر هي المستضيفة للبطولة السابعة عشر· ولأوّل مرّة في تاريخ المنتخبين الجزائري والمصري توقعهما عملية القرعة في مجموعة واحدة، وهي الأولى التي كان على رأسها منتخبنا الوطني، إلى جانب كلّ من نيجيريا وكوت ديفوار ومصر بطبيعة الحال· ونظر لما قام به المصريون في ملعب ناصر بالقاهرة اتجاه اللاّعبين الجزائريين، وبحجّة أن المنتخب الأوّل يستعدّ لنهائيات كأس العالم التي جرت في نفس السنة بإيطاليا، قرّر الاتحاد المصري إيفاد المنتخب الثاني يقودهم الحارس الرّاحل ثابت البطل، الأمر الذي أثار غضب الجزائريين الذين وصفوا خرجة الاتحاد المصري بمحاولة منهم لإفساد العرس الإفريقي الذي احتضنته بلادنا في ربيع عام 1990· *** انطلاقة رائعة للجزائر حفل الافتتاح جرى بملعب 5 جويلية بحضور 50 ألف متفرّج حضرته العديد من الشخصيات الرياضية، يتقدّمهم رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم آنذاك البرازيلي جواو هافلانج، ورئيس اللّجنة الأولمبية الدولية أنطونيو سمارنش، وقد أعطى إشارة انطلاق الدورة رئيس الجمهورية آنذاك السيّد الشاذلي بن جديد الذي كان محاطا بالسلك الدبلوماسي المعتمد بالجزائر وجميع وزاري الدولة وبعدد من الشخصيات السياسية التي كان لها وزنها في الحقل الدولي· فور انتهاء حفل الافتتاح دخل لاعبو المنتخب الوطني والنيجيري أرضية ميدان ملعب 5 جويلية أمام أكثر من 80 ألف متفرّج لتدشين الدورة بلقاء الافتتاح، وكم كان اللّقاء بهيجا· الفريق الوطني دخل اللّقاء بالتشكيلة التالية: في حراسة المرمى عنتر عصماني من وفاق سطيف، في الدفاع كلّ من آيت عبد الرحمن من شبيبة القبائل، بن حليمة من جمعة وهران، فضيل مغارية من النّادي الإفريقي التونسي وحكيم سرّار من وفاق سطيف، في الوسط شريف الوزّاني من مولودية وهران وعوّضه في الدقيقة ال 85 مفتاح من شبيبة القبائل وموسى صايب من شبيبة القبائل وعماني من شباب بلوزداد، وفي الهجوم شريف وجاني كمن نادي لانس الفرنسي وعوّضه محمد راحم من اتحاد الحرّاش في الدقيقة الأخيرة من اللّقاء وجمال منّاد من نادي نيم الفرنسي ورابح ماجر من نادي بورتو البرتغالي.. المدرّب الشيخ عبد الحميد كرمالي· السيطرة الكلّية فرضها اللاّعبون الجزائريون على المنتخب النيجيري إلاّ أن شباك الحارس أوليسين بقيت عذراء إلى غاية الدقيقة الدقيقة ال 36، حيث تمكّن اللاّعب المتألّق رابح ماجر من فتح باب التسجيل، وبهدف لصفر انتهت المرحلة الأولى· المرحلة الثانية فرض فيها منذ البداية اللاّعبون الجزائريون ضغطا رهيبا على الحارس النيجيري العملاق أوليسين، فبعد صمود دام 13 دقيقة من هذه المرحلة تمكّن منّاد من إضافة الهدف الثاني، وهو الهدف الذي فتح شهية الجزائريين لإضافة ثلاثة أهداف كاملة. ونفس اللاّعب أي جمال منّاد سجّل الهدف الثالث في الدقيقة ال 69، وثلاث دقائق من بعد أضاف منّاد هدفه الثالث إلى رصيده والرّابع للفريق الوطني، بعدها خرج لاعبو المنتخب النيجيري من قوعتهم فتمكّن اللاّعب المتألّق أوكوشا من الوصول إلى شباك الحارس عصماني وكان ذلك في الدقيقة ال 82، لكن فرحة النيجيريين بهذا الهدف تبدّدت بعد إضافة اللاّعب عماني الهدف الخامس، لتنتهي المباراة بالفوز بالكأس لغزلان إفريقيا أمام نسور نيجيريا· اللّقاء الثاني عن هذه المجموعة، والذي جمع في اليوم الموالي بين المنتخب المصري والإيفواري بملعب 5 جويلية انتهى كما كان منتظرا بفوز الإيفواريين بنتيجة (3/1)· المجموعة الثانية شهد فيها اللّقاء الأوّل فوز غير منتظر للمنتخب الزّامبي على المنتخب الكاميروني بهدف لصفر وقّعه اللاّعب شيكابالا في الدقيقة ال 58، فيما انتهى اللّقاء الثاني بين المنتخبين السنغالي والكيني بدون أهداف· *** الجزائر وزامبيا أوّل المتأهّلين إلى المربّع الذهبي ومصر خارج المنافسة أكّد الفريق الوطني قوّته وحسن استعداده لانتزاع الكأس القارّية، حيث قهر في اللّقاء الثاني المنتخب الإيفواري بنتيجة لا تقبل أيّ جدل ثلاثة أهداف دون رد، في لقاء احتضنه ملعب 5 جويلية يوم 5 مارس 1990 أمام أكثر من 75 ألف متفرّج. وسجّل أهداف المنتخب الوطني كلّ من شريف الوزّاني في الدقيقة ال 23 وشريف وجاني في الدقيقة ال 81، وبعدها بدقيقة وعلى إثر خطأ فادح الإيفواري وازو سجّل ضد مرماه، وبفوز المنتخب الوطني بلقائه الثاني كسب ورقة عبوره إلى المربّع الذهبي قبل لقائه الأخير أمام المنتخب المصري· اللّقاء الثاني عن هذه المجموعة جمع بين المنتخب النيجيري والمصري، وانتهى بصعوبة لهذا الأخير بهدف لصفر وقّعه اللاّعب رشيدي أبكيني في الدقيقة الثامنة من المرحلة الأولى، وهو الفوز الذي أعاد الأمل لنسور نيجيريا من أجل التأهّل إلى الدور نصف النّهائي، فيما كلّفت الخسارة خروج المنتخب المصري من الدورة· مباراتا الجولة الثانية للمجموعة الأولى شهدت الأولى فيهما فوز المنتخب الزّامبي على المنتخب الكيني بهدف لصفر، وهو الفوز الذي أهّل المنتخب الزّامبي إلى الدور الثاني، فيما أقصي المنتخب الكاميروني مبكّرا من الدورة بعد خسارته الثانية على التوالي وهذه المرّة أمام المنتخب السنغالي بهدفين لصفر· *** ثالث فوز للجزائر والكاميرون تلتحق بمصر حملت مباريات الجولة الثالثة والأخيرة فوز الجزائر على المنتخب المصري بثلاثية نظيفة، فوز أهّل منتخبنا بصفة رسمية إلى المربّع الذهبي رفقة منتخبات زامبيا والسنغال ونيحيريا· بالرغم من شكلية لقاء الجزائر ومصر الذي لعب في العيد العالمي للمرأة الثامن من مارس فقد حضره حوالي 80 ألف متفرّج بملعب 5 حويلية، ودخله أشبال المدرّب كرمالي بالتشكيلة التالية: عصماني، سرّار، مغارية، ين حليمة، أدغيغ، صايب، عماني، شريف الوزّاني، منّاد وماجر (رحيم )، فيما دخل المنتخب المصري اللّقاء بالأسماء التالية: ثابث البطل، فوزي جمال، حمادة صدقي، هشام إبراهيم، سعد (ياسر ريان)، الشوري، سعد شحاتة، عماد صلاح، طلعت منصور، عادل عبد الرحمن وطارق يحيى. لم يجد عناصر المنتخب الوطني أدنى صعوبة في انتزاع الفوز الثالث على التوالي في الدورة بنتيجة هدفين لصفر، سجّل هدفي اللّقاء كلّ من عماني في الدقيقة ال 39 وموسى صايب في الدقيقة ال 43· اللّقاء الثاني عن هذه المجموعة الذي انتظره الجميع نظرا لأهمّيته انتهى لمصلحة المنتخب النيجيري بتفوّقه على المنتخب الإيفواري بهدف لصفر سجّله اللاّعب رشيدي أبكيني في الدقيقة الثالثة، هدف أفرح النيجيريين كثيرا بمرورهم إلى المربّع الذهبي فيما خرج المنتخب الإيفواري من الدورة بعد أن حلّ في الصفّ الثالث بثلاث نقاط، فيما احتلّ المرتبة الأولى المنتخب الجزائري بستّ نقاط والمنتخب النيجيري بأربع نقاط، أمّا المرتبة الأخيرة فعادت إلى المنتخب المصري بدون نقطة· أمّا المجموعة الثانية فقد كسب ورقة العبور إلى المربّع الذهبي كلّ من المنتخب الزّامبي والسنغالي بعد تعادلهما في اللّقاء الأخير بدون أهداف، الأمر الذي سمح للزّامبيين بتزعّم الرّيادة بخمس نقاط متقدّمين نقطة واحدة عن المنتخب السنغالي، فيما حلّ المنتخب الكاميروني في الصفّ الثالث بثلاث نقاط بعد تغلّبه في اللّقاء الأخير على المنتخب الكيني بهدفين لصفر وقّعهما مباسبغ في الدقيقتين إل 28 وال 69، فوز لم يجد أسود الكاميرون في شيء بعد أن عرفوا مصيرهم قبل هذا اللّقاء، والمرتبة الأخيرة عادت للمنتخب الكيني بنقطة واحدة فقط· *** أسود السنغال يسيلون العرق البارد للجزائريين والنيجيريون يزيحون الزّامبيين جمع الدور نصف النّهائي كلاّ من المنتخب الجزائري بنظيره السنغال، فيما التقى في اللّقاء الثاني بملعب عنابة نيجيريا وزامبيا· في اللّقاء الأوّل الذي جرى يوم 12 مارس من ذات السنة بملعب 5 جويلية أمام أكثر من 80 ألف متفرّج، عاني فيه زملاء ماجر الأمرّين أمام أسود السنغال. فرغم هدف السبق لجمال منّاد في الدقيقة الرّابعة، إلاّ أن لاعبي المنتخب السنغالي تمكّنوا من تعديل النتيجة في الدقيقة ال 20 بواسطة سرّار ضد مرماه، وهو الهدف الذي كادت تكون له نتائج وخيمة على العناصر الوطنية لولا الهدف الذي وقّعه اللاّعب جمال عماني في الدقيقة ال 62. وفور انتهاء اللقاء تنفّس الجزائريون الصعداء بعد أن خلق المنتخب السنغالي العديد من الفرص السانحة لتعديل النتيجة، وبهذا الفوز بلغ الفريق الوطني للمرّة الثانية المباراة النّهائية، وشاءت الصدف أن يكون المنافس هو نفسه الذي واجهه في نهائي عام 1980 المنتخب النيجيري، بعد فوز هذا الأخير في اللّقاء الثاني على المنتخب الزّامبي بملعب عنابة بهدفين دون ردّ وقّعهما كلّ من رشيدي أبكيني في الدقيقة ال 18 وأوليشكاو في الدقيقة ال 77· *** الجزائر ونيجيريا في النّهائي وزامبيا والسنغال من أجل المركز الثالث المباراة الترتيبية جمعت يوم 15 مارس بملعب 5 جويلية المنتخبان السنغالي والزّامبي، وقد انتهت بفوز الأوّل بهدف لصفر· في تمام الساعة الرّابعة من عصر يوم السادس عشر من شهر مارس عام 1990 وبملعب 50 جويلية وأمام أكثر من 80 ألف متفرّج التقى المنتخبان الجزائري والنيجيري في اللّقاء النّهائي للدورة السابعة عشر من كاس أمم إفريقيا· الفريق الجزائري دخل المباراة بالأسماء التالية: عصماني، أدغيغ، بن حليمة، مغارية، سرّار، شريف الوزّاني، شريف وجّاني وعماني الذي عوّضه محمد راحم في الدقيقة ال 79، ماجر، موسى صايب ومنّاد.. المدرّب: كرمالي· اللّقاء الذي أداره الحكم الغابوني ديامبا شهد مستوى متوسّطا، لكن ونظرا لأهمّية اللّقاء ولمعرفة الفريقين لبعضهما البعض جدّيا، حيث سبق لهما وأن التقيا في اللّقاء الافتتاحي كان الحذر سيّد الموقف، وكان بإمكان كلّ فريق الوصول إلى شباك منافسه. لكن إرادة اللاّعبين في انتزاع الكأس الإفريقية الغالية جسّدها اللاّعب شريف وجّاني في الدقيقة ال 38 بهدف من أروع ما سجّل هذا اللاّعب أسكنها في شباك الحارس النيجيري أولسين، وبهدف دون ردّ انتهت المرحلة الأولى· المرحلة الأولى كانت في غالبية دقائقها للمنتخب النيجيري، حيث حاول زملاء رشيدي أبكيني الوصول إلى شباك الحارس عصماني لكن براعة هذا الأخير وقوّة دفاعه بقيادة العائد من إصابة رشيد أدغيغ حالت دون تعديل النيجيريين للنتيجة. لتنتهي المباراة بفوز مستحقّ للفريق الجزائري، وهو الفوز الذي جعل الكرة الجزائرية سيّدة القارّة الإفريقية ويصبح كما يقال للملك تاج بعد أن ظلّ هذا التاج محلّ بحث عنه خلال الدورات الستّ السابقة التي شارك فيها منتخبنا الوطني· المنتخب الوطني لم يكتف بانتزاع لقب الدورة السابعة عشر، بل عاد لقب أحسن هدّاف للجزائري جمال منّاد بتوقيعه خمسة أهداف كاملة، فيما سجّل زميله في المنتخب الوطني والقائد في تلك البطولة رابح ماجر أربعة أهداف، وهو نفس الرّصيد الذي وقّعه لاعب المنتخب النيجيري رشيدي أيكيني· تلكم هي قصّة مسيرة الفريق الذي أهدى الكرة الجزائرية أوّل كأس قارّية·