ينتظر أن يصل مساء اليوم جثمان الفقيد (شريف خدام) إلى أرض الوطن في حدود السادسة مساء إلى المطار الدولي هواري بومدين، وسينقل إلى منزله العائلي الكائن ببوزريعة بالعاصمة، على أن ينقل صبيحة غد الجمعة إلى مسقط رأسه بقرية (آيت بومسعود) ب (إفرحونان) بتيزي وزو، أين تلقى عليه النّظرة الأخيرة وينقل بعد صلاة الظهر إلى مثواه الأخير· سيوارى الثرى غدا الجمعة بعد صلاة الظهر فقيد الساحة الفنّية الجزائرية عملاق الأغنية القبائلية الفنّان (شريف خدّام) في مسقط رأسه قرية (بومسعود) ب (إفرحونان) شرق مدينة تيزي وزو، بعد رحليه يوم الاثنين في إحدى المستشفيات الفرنسية عن عمر يناهز ال 85 سنة إثر صراع مرير مع المرض، هذا الأخير الذي خطفه في صمت رهيب بعد مسيرة فنّية ذهبية استمرّت 60 سنة مليئة بالعطاء والتفاني· (شريف خدّام) المولود بتاريخ الفاتح جانفي 1927 بقرية (آيت بومسعود) بدائرة (إفرحونان) التي استقرّت بها عائلته بعد رحيلها من قرية (أخداشن) ترعرع بين أحضان الطبيعة وجبال جرجرة في خضّم المعانات التي فرضها المستعمر على الشعب الجزائري، وكغيره من الأطفال من سنّه كبر بين رعي أغنام العائلة وارتياد الكتّاب الذي مثل الوجهة الحتمية للصغار في غياب المدارس الفرنسية، وبعدها عن القرى النّائية. وفي سنة 1936 قرّر والد المرحوم إرساله إلى زاوية الشيخ (محند أو بلقاسم) بقرية (بوجليل) لحفظ القرآن وتخرّج منها سنة 1942 إماما، غير أن البؤس والشقاء الذي تقاسمته العائلات تحت وطاة المستعمر صرف اهتمامه عن الفنّ وغيره من الميولات بعدما مثل العمل والبحث عن لقمة العيش نصب أعينه واهتمامه الأكبر، فاضطرّ إلى ولوج عالم الشغل في سنّ مبكّرة ومن الباب الضيّق، إذ دشّن حياته المهنية بالعمل كأجير لدى أحد المعمّرين بالعاصمة قبل أن يقرّر مغادرة أرض الوطن سنة 1947ملتحقا بعشرات من أناء قريته، ولم يكن للفنّ أيّ مكانة في قرار التحاقه بالمهجر بعدما كان الاسترزاق والبحث عن العمل همّه الوحيد، وهناك عمل من سنة 1947 إلى 1952 بمصنع للحديد ومن سنة 1953 إلى 1961 في شركة للدهن· ومن هناك سطع نجم الفقيد ونقش بصمته الفريدة في الحياة الفنّية القبائلية منذ أولى الخطوات التي وطأها بها، حيث وجدت موهبته الدفينة وقدراته الفذّة مخرجا ترجم من خلاله معاناته في أرض الوطن وحرقته على القهر الممارس ضد الشعب الجزائري المستعمر، وكان لجبال جرجرة وجمالها الممزوج بقسوة الطبيعة وقعا كبيرا في كلماته العذبة، غنّى لجرجرة، غنّى للأمّ، غنّى للوطن مستعمرا ومستقلاّ، تفاءل بغد أفضل وتقشع الغيوم على الجزائر الجريحة إبّان عشريتها السوداء·