الكثيرون من الناس يعتبر المعوق عالة على المجتمع لا دور له إلا انتظار من يساعده ويهتم بشؤونه، إلا أن الواقع برهن وأثبت للجميع أن الكثير من هؤلاء يمتلكون إرادة قوية جعلتهم يواصلون مشوار الحياة بكل صعوباته وعقباته التي قد يعجز الكثير من الأصحاء عن الصمود أمامها· وفي جولتنا التي قادتنا إلى الفرع التابع للمنظمة الوطنية للمكفوفين بساحة الشهداء بدت الإرادة قوية عند هؤلاء المكفوفين الذين أثبتوا أن الإعاقة لا تشكل عقبة في حياتهم، ولدى وصولنا في الفترة الصباحية وجدناهم متأهبين للذهاب إلى عملهم وكلهم حيوية ونشاط، ويقول المكفوفون إن منظمتهم تكفلت بتوفير مرقد يحوي على 44 سريرا ويحتضن المكفوفين من مختلف الولايات الذين يأتون للعاصمة سعيا للعمل، مضيفا أن هذه الفئة استحسنت مبادرة المنظمة بتوفير مراقد، فلولا دورها المحوري لاضطر هؤلاء المكفوفون إلى المبيت في الشارع كون مداخليهم لا تسمح لهم بالإقامة في المراقد والفنادق· وعن نوع العمل الذي يؤدونه أجابنا أحدُهم أن البعض منهم يعمل في مصنع الفرش والمكانس بالحراش، في حين يشتغل آخرون كمحولي هاتف بالإضافة إلى وجود متربصين بالمركز المهني بالقبة وعن ظروف العمل أبدى هؤلاء سعادتهم ورضاهم كون الكثير من الأصحاء لم يظفروا به، مضيفين أنهم لا يبالون بالمتاعب ماداموا يحصلون على رواتبهم بعرق جبينهم، حيث أخبرونا أن أجرتهم تتراوح مابين 8 آلاف و15 ألف دج· ومن جهته أبدى أحد المواطنين إعجابه الشديد بالقوة والإرادة التي يمتلكها هؤلاء، مضيفا أنه يسر يوميا برؤيتهم متجهين للعمل، ففي حين أن العديد من الأصحاء يتركون العمل ويفضلون السرقة والاتكاء على الجدران· الوجهة الموالية كانت باب الوادي وبالضبط إلى جمعية الأمل للمعوقين، حيث استقبلتنا السيدة حيزية بصدر رحب وأخبرتنا أن هذه الجمعية تحتضن العديد من المعوقين الذين يتجهون بصمود كبير في وجه الحياة حتى أنه لم يبق لديهم ذلك الشعور بالنقص أمام الآخرين، مضيفة أن هناك بعض المنخرطات يتكفلن بعائلاتهن من وراء المهن اليدوية التي تعلمنها بالجمعية كالخياطة والطرز، لدرجة أن باتت العديد من النسوة يفضلن أعمالهن على غيرهن من النسوة المعاقات كونهن يعملن بإتقان وتضيف السيدة حيزية أن المعوقات أكثر انضباط في أعمالهن، وهو ما أكدته السيدة صورية إحدى السيدات الآتي صادفناهن بالجمعية والتي قالت إنها تفضل خياطة ملابسها عند إحدى المعوقات بجمعية الأمل نظرا لكون هذه الأخيرة تتقن عملها ولا يستغرق الأمر هناك مدة طويلة، كما تفعل الكثير من الخياطات، من جهته كشف لنا سعيد أحد المعوقين المنخرطين بذات الجمعية أن رئيسة هذه الأخيرة كانت القدوة بالنسبة لهم، إذ بالرغم من إعاقتها فقد درست واحتلت منصبا محترما جعلها لا تشعر بالإعاقة وسط المجتمع وحفزت الكثيرين للصمود أمام الصعوبات حتى يبلغوا ما يطمحون إليه· من جهته يقول سفيان بأنه يعمل كمحول هاتف بجامعة الصومعة بالبليدة وتلك الوظيفة سمحت له ببناء أسرة وتعليم أطفاله الذين أصبحوا الآن جامعيين وهو جد سعيد كونه نجح في دوره كأب بالرغم من إعاقته· وأمام هذه العينات التي استقيناها نسينا تماما أننا تحدثنا مع أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة ذلك أن قوة الإرادة التي لمسناها فيهم والتي مكنتهم من الصمود أمام ظروف الحياة برهنت أن الإعاقة ليست في الأعضاء بل في وهن العقل وفي ضعف الإرادة·