يعيشون في عزلة وتهميش، قد تبدو للوهلة الأولى أنك في منطقة نائية بأقصى الجزائر إلا أنها منطقة لا تبعد إلا بكيلومترات عن ولاية البليدة، غير أن مظاهر الحياة البدائية تطبع يومياتهم، فجبال ومنحدرات منطقة الحطاطبة بولاية البليدة توحي لك أن هؤلاء السكان لم يتذوقوا طعم الاستقلال بعد قضاء يوم واحد فقط بينهم قد يكشف مدى المعاناة اليومية التي يعيشها هؤلاء الناس في منطقة الحطاطبة· التجمعات السكانية المتناثرة هنا وهناك عبر طريق ترابية متحجرة والتي تبدو للمارة وكأنها نقاط بعيدة في الأفق تضم أزيد من 600 عائلة تجمعها معاناة واحدة والتي وصلت حد الألفة، ويتخبط كل هؤلاء في مشاكل يومية صعبة وقاسية نظرا لعدم توفر أبسط ضروريات الحياة· الماء والغاز والطرقات ثالوث يؤرق السكان القاطنين بالمنطقة والتي تعد من بين الأحلام التي لم تتحقق، فبالنسبة للماء فليس بالمنطقة كلها سوى نبع واحد بعيد جدا عن مقر مساكنهم وهو المصدر الوحيد لإمداد السكان بماء الشرب ولازال السكان يعتمدون على جلب المياه على ظهور الدواب· وحسب السكان الذين حاورتهم (أخبار اليوم) فمن غير المعقول أن يحصل مواطن ما من تلك التجمعات السكانية على برميل ماء واحد، ومنذ الساعة السادسة صباحا يتشكل طابور طويل من الرجال والشباب والأطفال، ويقول محدثنا يجب علينا البقاء تحت الشمس الحارة حتى يأتي دوري وسأكون محظوظا في الوصول إلى العين والحصول على برميل أو دلو من الماء، والمؤلم في الأمر أن هؤلاء البسطاء لا يستطيعون نقل أوعية الماء أو غيرها، إلا على ظهر الحمير (أكرمكم الله) وحتى من يملكون منهم سيارة لا يستطيعون استعمالها نظرا لطبيعة الطرق الترابية الوعرة ، ولهذا فإن الدواب هي الحل الأمثل خصوصا في الصيف الحارقة أو الشتاء ، فيما تبقى نسبة كبيرة من الفقراء تفعل ذلك على أظهرها دون أن يلتفت إلى معاناتهم أي من المسؤولين المحليين رغم رفع نداءات الاستغاثة المتعددة لرفع الغبن عنهم وانتشالهم من المعاناة اليومية التي لازمتهم منذ أمد بعيد· إضافة إلى ذلك فإن المرضى في منطقة الحطاطبة يعانون الأمرين نظرا لعدم وجود قاعة علاج أو مركز صحي أو عيادة طبية في المنطقة، ويؤكد السكان أنه في حال ما إذا حدث مكروه لأي شخص أو ألم به مرض أو أي طارئ صحي فليس عليه سوى أن يستعين بالدواب لإيصاله إلى الطريق الرئيسي للبحث عن سيارة كلوندستان أو سيارة أجرة لنقله إلى العيادة متعددة الخدمات ببلدية الحطاطبة التابعة لها أو التنقل إلى مستشفى سيدي بوعبيدة، بسعر مرتفع جدا يقدر غالبا إلى 2500 دينار جزائري، أما عن النساء الحوامل قد صار مألوفا منظرهن وهن يضعن مواليدهن على قارعة الطريق، قبل الوصول إلى المستشفى المذكور، وفي الأخير اتفق جل سكان المنطقة حول وصف معاناتهم يلخصها عمي بسكري بقوله (نحن محرومون من الماء والطريق والعيادة والغاز أو حتى مركز علاج رغم أننا في عصر الحداثة وانتشار التكنولوجيات، فالعزلة قدرنا والحرمان من أبسط متطلبات الحياة عنواننا، لقد طال الانتظار وسئمنا التهميش واللامبالاة) وقد أجمع السكان قائلين (إن منطقتهم لم تعرف طريقها للاستقلال بعد رغم أنها تقع في ولاية لا تبعد عن العاصمة و حسبهم ورغم نداءاتهم للسلطات الوصية إلا أن رسائلهم بقيت حبيسة الأدراج والمسؤولين لا يعرفونهم إلا في موعد الانتخابات، وأضاف محدثونا أيضا (لقد واجهنا كل النكبات والمصائب ودفعنا الغالي والنفيس إبان العشرية السوداء، حيث مكثنا في وجه الإرهاب ودافعنا بوسائل جد تقليدية دون أن نترك ديارنا لكن في الأخير بقينا في خانة المقصيين والمهمشين كما لو أننا لا ننتمي إلى الجزائر، فنحن نقطن منطقة نائية لا يعرف المسؤولون إليها طريقا، وإن صح التعبير إنها منطقة لعيش البشر بل للذئاب فقط في ظل انعدام أدنى وسائل وضروريات العيش الكريم في الوقت الذي ينعم فيه آخرون بحياة كلها ترف ورخاء ونحن لم نحصل على أبسط الحقوق أو جزء من حقوقنا كجزائريين ونحن في الألفية الثالثة وفي الوقت الذي ركبت فيه الإنسانية ركب التكنولوجيا والحضارة وعبر صفحاتنا، يجدد سكان الحطاطبة استغاثتهم للسلطات المحلية راجين أن تسمع أصواتهم ونداءاتهم لرفع الغبن عنهم والنظر بعين الاعتبار لانشغالاتهم التي لازمتهم منذ حقبة الاستعمار·