بعد أن غصنا في عدد أمس في أعماق الأولمبياد، وتعرفنا سويا كيف كان الإغريق مهد الألعاب الأولمبية يمارسون بعض الرياضات منها على وجه الخصوص ألعاب القوى والمصارعة، وكيف كان يمنح للأبطال ميداليات التتويج، فبعد أن كانت تمنح لهم حبة تفاحة، عوضت التفاحة بغصن زيتون، فحتى وإن مرت قرون وقرون عن أولمبياد الإغريق في أرض اليونان، إلا أن غصن الزيتون لا يزال رمز الألعاب. كما تعرفنا في حلقة أمس وهي الأولى ضمن السلسلة التاريخية لقصة الأولمبياد عن المدينة الافتراضية (أوليمبيا) اليونانية، وهي المدينة التي اشتقت منها اسم الأولمبياد. لنترك زمن الإغريق، وحكم هرقل، ونتحدث عن الزمن الذي عادت فيه الأولمبياد من جديد، ترى من أعاد إحياء الأولمبياد؟ الألعاب الأولمبية أم المهرجانات سناً وقيمة تعتبر الألعاب الأولمبية أم المهرجانات سناً وقيمة، عليها بنيت الأحداث ومنها اشتقت البطولات، لا لبس بأنها أروع تظاهرة عالمية وأكثرها حشداً على الإطلاق، فيها يلتقي البشر من مختلف أصقاع الأرض لا دين ولا لون، يجتمعون حيث يعجز أي حدث آخر عن القيام بالمثل، نسخة مطورة عن أولمبياد الإغريق، مبادئها ترقى بالإنسان إلى إنسانيته بعيداً عن الضغائن، فتكسر الحواجز وتسقط مسببات التفرقة، الأمر الذي يؤكد أن اللقاء ممكن دائماً، آمن بمثلها البارون الفرنسي بيار دو كوبرتان، ذلك الارستقراطي النبيل المتعمق بالتاريخ وبالتربية الرياضية، أسرته تجربة الإغريق، ودفعته بعض المحاولات الحديثة في اليونان الحديث وإنجلترا، فصب جهوده، وكانت قيامة الألعاب الأولمبية الحديثة. كوبرتان ... والنظرة المتميزة الحاذقة تميز كوبرتان (1863-1937م) منذ نشأته بنظرته المتميزة الحاذقة، وولعه بالرياضة، وأفكاره التقدمية، فكان يشعر بالملل من حصص التربية الرياضية المدرسية الفرنسية، معتبراً إياها تعبيراً عن فشل النهج التربوي السائد آنذاك وعقمه الواضح، فمال للتنقيب عما يدخل عنصر المتعة في الرياضة، فاستلهم بعد قراءات خصوصاً الانجليزية منها، أفكاراً ثورية تساهم في بث روح البهجة والمتعة بين التلامذة، وتعمل في الوقت نفسه على تطوير ما يمتلكون من قدرات بدنية، اعتبرها كوبرتان في خلفيته الثقافية وقناعته الفكرية الأساس في النهوض بأي مجتمع، والسبيل الوحيد في شد أواصر اللحمة إن كان على نطاق بيئة صغيرة، أو على نطاق عالمي. واستمد كوبرتان في حياته نظرياته التربوية من جمعه بين اختصاصي التربية الرياضية والتاريخ، وهو الذي درس في بريطانيا موفداً من بلاده العام 1887، فاستطاع هناك استخلاص العبر مستفيداً من احتكاكاته بديني بروك مؤسس أحد الألعاب المحلية، وبأرنست كورتوس، عالم الآثار الضالع بتاريخ الإغريق، كما كان تأثر قبل ذلك بالمعلم توماس أرنولد، وبقدرته على بث الفرح والبشاشة التي كانت تعتلي محيا التلامذة في حصص التربية الرياضية في بريطانيا، حيث وجد ألعاباً عدة تثير الطالب وتحفزهم وتبعدهم عن أجواء الملل والرتابة، وهو اعتبر في هذا الصدد أن التلامذة الفرنسيين لا يمرحون لأن لا ألعاباً تبث المرح في نفوسهم. التجارب الباعث الأساسي لدى كوبرتان شكلت تلك التجارب الباعث الأساسي لدى كوبرتان، فكان أفق رؤيته بعيد المدى عميق الامتداد، فبعد أن آمن بالمثل، اقتنع أن للرياضة أدواراَ شتى، أبرزها تكوين مجتمع رياضي صالح وسليم، وهو الذي ضاق ذرعاً من أفكار سادت في القرون الوسطى تدعو لاحتقار الجسد، وكان يعتبر دائماً أن الروح والجسد لا ينفصلان، وذهب بطروحاته، مستنبطاً من تلاقي طلبة المدارس من كل حدب ببهجة، فكرة القيام بما هو مهرجان رياضي يلم شمل الدول، ويوقف الحروب، ويبث السلام والوئام، فكانت تلك العوامل مع التأثر الشديد بما ابتدعه الإغريق الأساس (للثورة الكوبرتانية) التي استسخفها الكثير في بدايتها فكان أن أمست جامعة المتناقضات من أصقاع الأرض. نفض غبار وخطوة أولى يعتبر كوبرتان، مما تقدم، واضع أسس الألعاب الأولمبية ومحييها، سبقته بعض المحاولات إنما في إطار أضيق، نفضت الغبار جزئياً عن تراكم السنين، وساهمت مع الوقت في بلورة رؤية الفرنسي، مثل تنظيم ألعاب أولمبية في بريطانيا منذ العام 1610 عرفت باسم (ألعاب كوستوود) في منطقة (شيبينغ كامبدن) كانت تجري كل يوم جمعة مصادف بعد الأول من جوان، اتسمت بلعبة خاصة عرفت باسم شين كيكنغ، وبمهرجانها الختامي الحافل الذي كان يشتمل على الرقص والأزياء الخاصة والعرض الناري. دي كوبرتان تراس اللجنة الأولمبية بين عامي 1896 و1924 تسلّم دي كوبرتان نفسه رئاسة اللجنة الأولمبية بين عامي 1896 و1924، وبقي رئيسا شرفيا لها حتى توفي في سنة 1937، وهو لم يكن يبالغ في تحمسه للحضارة الكلاسيكية، بل أراد خلق ألعاب حديثة، برياضات حديثة، ولم تكن ملامح الحضارة الكلاسيكية المستخدمة في الألعاب الحديثة، كالماراثون والشعلة الأولمبية فكرة دي كوبرتان، لأن الشيء الوحيد الذي أراد نقله من العصور الكلاسيكية إلى العصر الحديث كان قيمها الأخلاقية كالشرف والاحترام والعدل والتفوق. جالسا على مقعد في حديقة لوزان. قُبر قلبه في أولمبيا، وما زال مشهورا بقوله أنّ المشاركة أهم من الفوز. توحيد الكثير من المهرجانات ولم تكن تلك الألعاب الوحيدة فقد زاد التأثير في البارون مهرجانات أخرى مثل تنظيم وليام بروكس ليوم أولمبي وطني في بريطانيا في كريستال بالاس منذ العام 1850، حيث انطلقت مهرجانات ألعاب وينكلوك أولمبيك وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، ونظم منها 120 مهرجاناً حتى الآن، وقيام الثري إيفانجليس زاباس، بتمويل إحياء فكرة الألعاب في اليونان العام 1859، حيث جرت عدة مهرجانات وطنية آخرها العام 1888 ، وخلالها قام زاباس بإعادة تأهيل ملعب باناثينيان حيث جرت الألعاب، وقد استخدم هذا الصرح بعد تأهيل آخر في أولى الألعاب الأولمبية الحديثة. الأعمال التنقيبية التي سهلت الطريق التي أنارت كوبرتان الأعمال التنقيبية التي سهلت الطريق وأنارتها والتي شهدتها اليونان وزاد من تحفيز الفرنسي واندفاعه أمران آخران, أولهما الأعمال التنقيبية التي سهلت طريقه وأنارتها والتي شهدتها اليونان من بعثات مختلفة أجنبية ومن اليونانيين أنفسهم وخصوصاً بعد استقلالهم في القرن التاسع عشر، حيث تم الكشف عن آثار أولمبيا، خاصة عبر بعثات ألمانية، الأمر الذي أحيا حضارة الإغريق، فتفتحت عينا كوبرتان أكثر، وهو المقتنع بالرياضة كأساس في بناء مجتمع قوي، خصوصاً أنه، وهذا ثاني الأمرين، لم يجد سبباً لهزيمة الفرنسيين، أمام البروس في حرب البلدين (1870 - 1871م) في القرن التاسع عشر سوى الضعف البدني لدى أبناء شعبه مقارنة بصلابة رجال الدولة القيصرية آنذاك وقوة شكيمتهم، علماً أن أحد أهدافه كان القضاء على الحروب. أفكار ناضجة مستوية إذاً تعددت العوامل التي أسهمت في بلورة رؤيا (نبيل فرنسا) فأتت أفكاره ناضجة مستوية، لكن كان لا بد لها من نقطة أو قاعدة تشكل مرتكزاً للانطلاق، فليس من السهل تغيير أفكار وإن كانت خاطئة تسود رؤيا أغلبية معينة، وبدلها إحلال رؤيا صحيحة يمتلكها فرد، أو اليسير من الأشخاص، من هنا سعى بما امتلك من علاقات بناها من سفرياته ومن قوة نفوذ داخل فرنسا، لبلورة مؤتمر لطرح قضاياه بإطار عالمي، فأتت ثمار جهوده المضنية على قدر لا باس فيه من النجاح إذ تمكن من بلورة أول مؤتمر دولي العام 1893 تباحث فيه مع موفدين أوروبيين وأمريكيين في قضية الاحتراف الرياضي والهواية، وسعى لطرح الفكرة الأولمبية، فشكل هذا المؤتمر خطوة نحو البحث في الرياضة الأولمبية. نصر غيَّر وجه الرياضة بعد ذلك كان النصر الحقيقي لكوبرتان حين عقد بين 16 و23 جوان مؤتمراً دولياً في جامعة السوربون في فرنسا استطاع البارون في آخر يوم فيه من انتزاع موافقة المندوبين الممثلين ل13 دولة وكان عددهم 79 مندوباً بتنظيم أول دورة أولمبية حديثة، وقررت حينها في أثينا اليونان العام 1986، وبات يعرف هذا اليوم باليوم الأولمبي العالمي، ولهذه الغاية شكلت أول لجنة أولمبية دولية لتنظيم هذا الحدث، قد ترأسها اليوناني ديمتريوس فيكيلاس، الذي نجح في انتزاع حق استضافة أول دورة في بلاده ذلك أن المقررات كانت متجهة لتنظيم أول دورة في فرنسا العام 1900، لكن فيكيلاس أقنع الجميع بأحقية بلاده في استضافة هذا الحدث. تشكيل أول لجنة أولمبية دولية جاء تشكيل أول لجنة أولمبية دولية من المندوبين الموجودين بمجلس مكون من أربعة عشر عضواً هم: اليوناني فيكيلاس رئيساً، وكوبرتان، إضافة لأعضاء من الدول التي شاركت وهي السويد وإيطاليا وبلجيكا ونيوزيلاندا والمجر وبريطانيا، التي مثلها شخصان، وبلجيكا والأرجنتين وبوهيميا وروسيا وأمريكا وبعد نهاية ألعاب أثينا خلف كوبرتان فيكيلاس بالرئاسة وفقاً لم كان متفقاً ورجوعاً للأطر التنظيمية الموضوعة وبقي حتى العام 1925، وبات تشكيل هذه اللجنة نصراً رياضياً غير وجه الرياضة العالمية، مشكلاً حجر الزاوية لكل ما قدمته السنون لنا فيما بعد من رقي في الرياضة. شح الموارد المالية كاد أن يقتل أولى الدورات واجهت أولى الدورات صعوبات جمة وكانت مهددة بالإلغاء أو النقل لشح الموارد المالية اللازمة لتنفيذها لدى اليونانيين, ووصل الأمر إلى حد اليأس من إمكان تنظيمها، وكان في هذا الوقت كوبرتان موجوداً في اليونان ساعياً بكل قدراته لإنجاح الدورة وتنظيمها، وقد قال فيكيلاس حينها إنه إذا لم تقم الدورة في اليونان فإنها لن تقام أبداً، وشنت الصحف المحلية حملة مؤازرة كبيرة لتنظيم الدورة، وهجوماً على الحكومة الرافضة بحجة قلة المال، لكن تغيرات تمثلت باستقالة رئيس الحكومة آنذاك، جاءت مثمرة مع التأييد الذي حمله رئيس الحكومة الجديد، بعكس سلفه، بالإضافة لوجود دعم ملك اليونان حينها جورج الأول، والصحافة المحلية، فكان أن شقت أول دورة طريقها نحو النور، مع مساعدات كبيرة قام بها متمولون يونانيون، لبناء الملاعب. ثلاثون دورة في الأولمبياد الحديث ومنذ أن انطلقت الدورة الأولى العام 1896 أقيم حتى الآن ستة وعشرون دورة أولمبية صيفية بشكل فعلي، والدورة القادمة في لندن ستكون الثلاثون، مع احتساب الدورات الملغاة عددياً، إذ أن خلال تلك السنوات شهد تنظيم الأولمبياد تأثراً كبيراً بالحروب والسياسة وأحياناً أعمال العنف، فغابت دورات 1916 و1940 و1944، بداعي الحربين العالميتين، فيما شهدت دورة موسكو 1980 مقاطعة من الولاياتالمتحدة، والدول التي تتبعها سياسياً، وكان الرد في دورة 1984، حين قاطع السوفيات، ومن يدور في فلكهم السياسي، دورة لوس أنجلوس كرد على الأمريكيين، قبل أن يلتئم الشمل من جديد في دورة سيول 1988. أضواء على الحركة الأولمبية الدولية تجمع الألعاب الأولمبية، بشقيها الشتوي والصيفي، العالم مرة كل أربعة أعوام تحت راية السلام واحترام الروح الأولمبية. تشرف عليها اللجنة الأولمبية الدولية بالتعاون مع اللجنة الأولمبية المحلية للدولة المنظمة للحدث، التي دائماً ما تنشئ لجنة منظمة خاصة كي تبقى على اتصال دائم مع اللجنة الأولمبية الدولية، وتحكم العلاقة بين الطرفين الشريعة الأولمبية، التي هي الدستور والمرجع الأولمبي الأعلى وفيها يتحدد كل السياسات التي على الدولة المستضيفة أن تنتهجها. اللجنة الأولمبية تضم اللجنة الأولمبية الدولية المؤسسة العام 1894 والموجودة في لوزان سويسرا، مئتي وخمس لجان أولمبية وطنية، تتمتع، أي اللجنة الدولية، بسيادة مستقلة، تنعقد مرة كل عام ولا تعلو سلطتها سلطة، ومن الممكن أن تنعقد استثنائياً بدعوات خاصة من الرئيس، أو ثلث أعضاء اللجنة، من أبرز مهامها الإشراف على تنظيم الأولمبياد الصيفي والأولمبياد الشتوي كل أربعة أعوام، كانوا فيما مضى متزامنين إلى أن عدلت القوانين العام 1992 فبات الفارق الزمني سنتين، وإجراء تعديلات على بنود ومواد في الشريعة الأولمبية، وانتخاب رئيس وأعضاء المجلس التنفيذي للجنة الأولمبية الدولية، اختيار المدن التي ستستضيف الألعاب الأولمبية. يتم انتخاب رئيس اللجنة لولاية تمتد لثمانية أعوام، باقتراع سري من أعضاء اللجنة الأولمبية الدولية، ويتم تجديد الولاية لمرة واحدة ولأربعة أعوام فقط، قانون يسري حالياً، وعلى هذا ستكون الانتخابات المقبلة العام 2009، ويقوم الرئيس بترؤس جميع النشاطات، وقد تعاقب حتى الآن على رئاسة اللجنة منذ العام 1894، ثمانية رؤساء، هم اليوناني ديمتريوس فاكيلاس (1894-1896)، والفرنسي بيار دو كوبرتان، (1896-1925)، والبلجيكي هنري دي باييه لاتور (1925-1942)، والسويدي سيفريد ادستروم (1946 - 1952)، والأمريكي أفري برونداج 1952 - 1972، والانجليزي لورد كيلانين (1972- 1980)، والإسباني خوان أنطونيو سامارانش (1980-2001) وهو يحمل رئاسة شرفية مدى الحياة، والبلجيكي جاك روغ (2001- إلى وقتنا الحالي). تطالعون في الحلقة المقبلة: المجلس التنفيذي، الرموز الأولمبية، التعويذة الأولمبية، العلم الأولمبي، القسم الأولمبي، الميثاق الأولمبي، المراسم وحفل الافتتاح، أضواء على الحركة اأولمبية الدولية، كل هذا تجدونه في حلقة يوم غد.