بضع دقائق كانت كافية لتحوّل توفيق مخلوفي من عدّاء مغمور إلى عدّاء أولمبي مشهور، تداولت جميع وكالات الأنباء العالمية ومختلف القنوات الفضائية وجميع صحف العالم اسمه عقب تتويجه بذهبية ال 1500 في أولمبياد لندن. تتويج غير مسبوق لعدّاء جزائري قدم من الحدود الجزائرية التونسية، وبالضبط من ولاية سوق أهراس التي تبعد عن الجزائر العاصمة بحوالي 800 كلم. توفيق مخلوفي الذي يبلغ من العمر 24 سنة فقط، بات محلّ افتخار جميع الجزائريين والعرب، كيف لا وهو الذي أهداهم أوّل ميدالية ذهبية في هذا الأولمبياد، وظلّ إلى وقت قريب كما يقال توفيق مخلوفي رياضي جدّ مغمور، فلم يكن أكثر النّاس تفاؤلا في الجزائر يتوقّع نجاح عدّاء مغمور في أن يصنع مجدا جديدا لبلاده على أعلى المستويات الرياضية في العالم، في دورة الألعاب الأولمبية (لندن 2012). كانت توقّعات الخبراء تصبّ في مصلحة لعبتي الجيدو والملاكمة، لكن العدّاء توفيق مخلوفي كذّب قول كلّ خطيب وأهدى الجزائر مساء أوّل أمس الثلاثاء ذهبيتها الأولمبية الأولى منذ أولمبياد سيدني 2000 في سباق 1500 متر للرجال. عمار براهمية وراء اكتشاف مخلوفي قبل أربع سنوات كان مخلوفي يتلقّى تدريباته في نادي الحماية المدنية (جهاز الدفاع المدني) لولاية سوق أهراس التي تقع على مسافة 800 كيلومتر شرق الجزائر العاصمة، قبل أن يكتشفه الخبير عمار براهمية، مدرّب البطل العالمي والأولمبي السابق نور الدين مرسلي، ويقرّر ضمّه إلى فريقه من عدّائي المسافات نصف الطويلة في الجزائر. يقول براهمية لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن تتويج مخلوفي في لندن كان (بمثابة حلم تحقّق رغم كلّ الظروف الصعبة والعراقيل التي صاحبت مشوار هذا النّجم القادم من عمق الجزائر). اتحادية ألعاب القوى طردت مخلوفي يتذكّر براهمية بمرارة أحد أيّام عام 2008 عندما رفض الاتحاد الجزائري لألعاب القوى التكفّل بالعدّاء الواعد مخلوفي، ويقول: (إن بدايات مخلوفي كانت مليئة بالصعوبات والعراقيل، فهذا العدّاء قبل أن يصل إلى ما حقّقه اليوم عانى كثيرا سواء في الجزائر أو خلال المعسكرات التي كنّا نجريها في إيفران بالمغرب)، وأضاف: (أذكر جيّدا كيف أن اتحاد ألعاب القوى ونادي المجمّع البترولي رفضا مساعدته، حيث كان يضطرّ في بعض الأحيان إلى الإقامة عند زميله المخضرم كمال بولحفان في فندق (المهدي)، وكان الأخير يشتري له الشطائر). وتابع براهمية: (تحدّى مخلوفي كلّ هذه العراقيل وكان يتفوّق أحيانا على زملائه في الفريق كطارق بوكنزة وزرق العين، لكنّي أعتقد أن بدايته الحقيقية كانت خلال ألعاب البحر المتوسط عام 2009 بمدينة بيسكارا الإيطالية عندما حلّ رابعا في نهائي سباق 1500 متر الذي توّج به بوكنزة). عمل مخلوفي بعدها على تطوير مستواه، حيث سجّل ثلاث دقائق و94ر32 ثانية في سباق 1500 متر بلقاء ألعاب القوى في موناكو في جويلية 2010، ثمّ فاز ببرونزية السباق نفسه وذهبية سباق 800 متر في دورة الألعاب الإفريقية العاشرة في مابوتو، الموزمبيق عام 2011. مخلوفي في الفريق العربي لألعاب القوى دفعت مشاكل براهمية المتكرّرة مع مسؤولي اتحاد القوى الجزائري مخلوفي إلى الانضمام إلى الفريق العربي الذي يشرف عليه المدرّب الصومالي جاما أدن ويضمّ بين صفوفه السوداني أبو بكر كاكي والقطري حمزة دريوش. كان لهذا الأمر تأثير إيجابي على مخلوفي، حيث واصل تطوّره المذهل وحسّن زمنه الشخصي في سباق 800 متر إلى دقيقة واحدة و88ر43 ثانية، محرزا ذهبية السباق في بطولة إفريقيا هذا العام، كما حسّن زمنه الشخصي بسباق 1500 متر بثانيتين و14 جزءا من الثانية عندما حلّ خامسا في لقاء موناكو في جويلية الماضي بزمن ثلاث دقائق و80ر30 ثانية، وهو ثالث أفضل زمن جزائري لهذا السباق على مرّ العصور بعد نور الدين مرسلي (ثلاث دقائق و37ر27 ثانية) وعلي سعيدي سياف (ثلاث دقائق و51ر29 ثانية). متاعب مخلوفي تواصلت مع الاتحاد الجزائري لألعاب القوى يؤكّد براهمية: (بصراحة انتزع منّي مخلوفي في بداية العام لأن المسؤولين خيّروه بين البقاء في فريقي أو قطع المساعدات التي تسمح له بالتحضير فقرّر الانضمام إلى مدرّب آخر ساعده على النّجاح أيضا، لكن من غير المنطقي أن يقال إن تتويجه الأولمبي جاء نتيجة العمل لمدّة ستّة أشهر فقط). ويؤكّد الإعلامي عبدو زغواني مسؤول اتحاد ألعاب القوى الجزائري، أن من ينكر فضل براهمية على مخلوفي جاحد. إرادة مخلوفي لا تقهر يتمتّع توفيق مخلوفي بإرادة لا تقهر، فقبل ساعات فقط من نهائي سباق 1500 متر أكّد مخلوفي للإعلاميين في لندن أنه يشارك من أجل الميدالية الذهبية دون غيرها، ولولا إصابته لحاز على ذهبية ثانية في سباق 800 متر. أمل مخلوفي بعد الذهبية يأمل مخلوفي الذي احتلّت صوره مساحات واسعة في الإعلام الجزائري، أن يكون تتويجه في لندن بداية عهد جديد في مشواره الرياضي ونهاية متاعبه المالية بفضل المكافآت المالية والمساعدات الأخرى التي تنتظره. وينتظر أن يحصل مخلوفي على مكافأة مالية قدرها 30 ألف أورو من وزارة الشباب والرياضة الجزائرية بخلاف راتب شهري بقيمة 1400 أورو لمدّة عامين وسيّارة فخمة من وكيل شركة السيّارات الألمانية (فولكس فاغن). فهنيئا ل (توفيق مخلوفي) بهذه الذهبية وتهانينا للجزائر وللعرب بميداليتهم الذهبية الأولى، متمنّين أن تتبعها على الأقل ميدالية ثانية ولِم لا ثالثة، لعلّهم ينقذون ماء وجه العرب في هذا الأولمبياد.