في وقت تتنسم فيه الدنيا نفحات الشهر الكريم.. ويجتهد المسلمون في كل مكان للاحتفاء بالزئر الغالي.. وتتزين المدن والقرى بمظاهر سنوية جميلة.. يأتي رمضان هذا العام على الصومال ك"ضيف غريب".. تُغَيِّب مظاهرَه التقليدية ظروفٌ اقتصادية قاسية.. وحرب طاحنة، ونازحون يتجرعون لأول مرة هذا العام مرارة النزوح مع استمرار النزاعات المسلحة في هذا البلد الإفريقي المسلم منذ نحو عقدين من الزمان. .."مظاهر الاحتفاء بالشهر المبارك دائماً كانت واضحة المعالم في السنوات الماضية، رغم النزاعات المسلحة، إذ كانت المساجد ترمم وتزين لاستقبال رمضان عكس هذا العام" كما يقول عبد الفتاح سعيد التاجر في سوق بكاره بالعاصمة مقديشو، الذي يعزي الأمر إلى "التدهور الإقتصادي في الأسواق المحلية، وخصوصا بعد تدفق الشلن الصومالي المطبوع في السودان، مما أدى لارتفاع أسعار صرف الدولار في الأسواق المحلية وبدورها، ارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى ضعفين". ويتابع عبد الفتاح في حديث خاص ل"إسلام أون لاين": "من المفارقات الغريبة مصادفة رمضان هذا العام وتوقف ميناء كسمايو كليا عن العمل بسبب خوف التُجار من مصادرة حركة الشباب المجاهدين لبضائعهم باسم نصرة العمليات الجهادية، كما يشهد ميناء مقديشو توقفا مؤقتا عن العمل بسبب الرياح الموسمية – والتي تبدأ عادةً في بداية شهر جوان حتى سبتمبر– وتمنع السفن المتوسطة والصغيرة عن الملاحة في مياه المحيط الهندي". وتؤكد المواطنة الصومالية مريم علي بدورها كذلك أن تدهور الأحوال الاقتصادية عامل رئيسي في غياب مظاهر الاحتفاء برمضان قائلة "البطالة بسبب الحرب، أدت إلى تهافت النساء على بيع حليهن للإنفاق على الأسرة.. انحطاط قيمة الشلن الصومالي بعد تضاعف المواجهات العسكرية وتهديد المعارضة بزيادة عملياتها في شهر رمضان.. فكيف يمكن أن يقيم الناس المظاهر المعتادة للاحتفاء بالشهر الكريم؟!". جدير بالذكر أن الشعب الصومالي يسوده خوف شديد من تضاعف العمليات العسكرية بعد إعلان الاتحاد الإفريقي مؤخراً إرسال المزيد من قوات حفظ السلام الإفريقية كي يرتفع عدد قواتها في الصومال إلى ثمانية آلاف جندي لمواجهة المعارضة التي وصلت بالقرب من مشارف القصر الرئاسي. نازحون على أبواب رمضان الأمر لم يتوقف على الجانب الاقتصادي فقط، فعلى الصعيد الإنساني تشهد مناطق النازحين عمليات بناء مستمرة دون توقف من قبل النازحين الجدد الذين يصلون بصورة شبه يومية إلي الريف المجاور للعاصمة مقديشو لكي يأمنوا من عمليات القصف العنيف الذي تتبادله المعارضة من جهة والقوات الحكومية التي تساندها قوات حفظ السلام الإفريقية من جهة أخري. زينب محمود جلي – إحدى المسؤلات عن مخيمات النازحين في منطقة عيلشة تقول "إن من أهم أسباب اختفاء مظاهر الاحتفاء برمضان هذا العام هو زيادة أعداد النازحين بصورة رهيبة، خاصة المناطق الشمالية من العاصمة، مثل كاران، شيبس، بونطيره، مانبوليو، والتي لم تشهد أي حالة نزوح من قبل طوال فترة الحرب الأهلية والتي تصل إلى أكثر من عقدين". وتوضح زينب محمود أن "هذه المناطق ذات الكثافة السكانية العالية كانت بها أسواق ومحال وورش، هي الآن مهجورة وتجارها عاطلون عن العمل وسكَّانها يهيمون في الريف المجاور للعاصمة دون الحصول علي أية مساعدات من قبل الهيئات الخيرية، وخصوصاً برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة WFP الذي كان يقدم بعض المساعدات في السابق قبل أن تمنعه المعارضة من مزاولة أعماله في المناطق التي تسيطر عليها". ضيفٌ غريب أما عليّ محمد –أحد أتباع الطريق الصوفية- فإنه يأسف علي الوضع القائم وخصوصا بعدما نبُشت مقابر علماء الصوفية علي يد حركة شباب المجاهدين المعارضة، وعُطّلت عدة مساجد كبرى للطرق الصوفية عن الصلاة ومزاولة أعمال التصوف فيها مثل مسجد بيمالوا الكبير ومسجد شيخ محي الدين علي أكبر مساجد العاصمة. ويشدد عليّ أن "رمضان هذا العام ضيف غريب على المجتمع الصومالي، لأن الناس لا يفطرون في منازلهم هذا العام بل في مخيمات النازحين، وكذلك ليس هناك موائد إفطار جماعية كالتي كانت تقام في مسجدي بيمالوا وشيخ محي الدين علي، ولا توجد حلقات الذكر الرمضانية– وهي التغني بأشعار وقصائد مدحٍ لله ولرسوله وللأولياء الصالحين- التي كان الصغار والكبار يتجمعون فيها حتى قرابة الفجر".