"البرلمان الجزائري والجهاز الإداري ضعيفان" صالح بن عبد اللّه أبو بكر ابن مدينة الفرارة ولاية غرداية، دكتور في الشريعة والقانون، أستاذ جامعي بجامعة باتنة سابقا، مدير مكتب التوثيق، كان نائبا برلمانيا لولاية غرداية لعهدتين من 2002 إلى 2012، مسؤول منتخبي حركة النّهضة للولاية، (أخبار اليوم) زارته في مكتبه بعد انتهاء عهدته البرلمانية وتطرّقت في حديث خاص معه إلى قضايا تتعلّق بالبرلمان الجزائري والسياسة الداخلية للبلاد، وكذا التنمية المحلّية بولاية غرداية. * بداية، كيف ترى واقع البرلمان الجزائري في العهدتين الماضيتين؟ - لا يخفى علينا أننا في بداية تجربة التعدّدية الحزبية في الجزائر، والعهدة الحالية هي السابعة للبرلمان والثالثة منذ بداية التعددية، وبالتالي هذه الأخيرة تحتاج إلى أحزاب قوية، وتحتاج إلى مناضلين أوفياء لأحزابهم، وهذا ما ينقص أغلب الأحزاب الجزائرية، أي عندنا ما يسمّى ب (أزمة المناضلين في الأحزاب). فيوجد أنصار وأتباع انخرطوا في الحزب دون علمهم بمبادئه وفكرته للترشّح لأيّ منصب سياسي، لكن لا يوجد مناضلون يؤمنون بفكرة حزب معيّن ويبذلون قصارى جهدهم لنصرة تلك الإيديولوجية ولو كان حزبهم صغيرا لم يصل إلى السلطة، ولو لم تكن وراءه أرباح أو مكاسب مادية. فنجد في أوروبا بعض الأحزاب الصغيرة التي لها قرون وهي تنشط تؤمن بفكرة محدّدة ولها أنصار يواصلون العمل، لكن في الجزائر ونظرا للتحوّل السياسي والاقتصادي أصبح لدينا ظاهرة (التجوال السياسي) التي تعني عدم استقرار المناضلين في الأحزاب. وممّا سبق يمكن القول إن البرلمان الجزائري لازال ضعيفا لأنه لا يقدّم نخبة قوية متمكّنة تتفرّغ للعمل التشريعي. للأسف الشديد أغلب نواب البرلمان بمجرّد دخولهم إلى قبّة البرلمان تتدفّق عليهم مجموعة من المشاكل، فيصبحون وكأنهم محامو الشعب وحقائبهم مليئة بأتفه القضايا كالتحويلات الجامعية أو انقطاع التيّار الكهربائي في حي سكني، فربما رئيس حي يستطيع حلّ المشكل فقط، فأتمنّى أن يكون النّائب متفرّغا للتشريع لأن البرلمان تستقبله مهمّة ضخمة جدّا، وبحكم أنني كنت مقرّرا للجنة الشؤون القانونية أدرك جيّدا معنى المنظومة التشريعية الجزائرية التي كانت تحت النّظام السياسي الاشتراكي وتحوّل الجزائر إلى اقتصاد السوق، هذه القوانين كلّها تحتاج إلى تعديل في كثير من المواد، والتي أضحت الآن حجر عثرة للتنمية المحلّية والوطنية. * هل نواب البرلمان يمثّلون الشعب فعلا وينقلون انشغالاته للحكومة؟ - هناك انشغالات فردية وأخرى جماعية، فالنواب في الحقيقة يجب أن يكون دورهم الدفاع عن الشعب ومواجهة السلطة التنفيذية بمراقبة أخطائها وتقصيرها في أداء مهام الحكومة هذا هو العمل الأساسي، لكن نظرا لضعف الأحزاب نجد أن كثيرا من نواب البرلمان يخضعون للسيطرة الحزبية أكثر من مطالب الشعب، فيشرّعون و يصوّتون دائما لمصلحة الحزب، معتقدين في ذلك أن الفضل يعود للحزب في وصولهم إلى البرلمان، فهناك شبه مسرحيات في البرلمان الجزائري، حيث تجد بعض النواب ينتقدون وزيرا لأنه ليس من حزبهم، وفي نفس الجلسة يحتجّ نواب حزب ذلك الوزير مدافعين عنه، فمن الأجدر مناقشة إنجازات الوزير دون استخدام العاطفة أو الانتماء السياسي. وأحيانا نجد مسرحية أخرى من نوع آخر، إذ يقوم بعض الوزراء بالتنسيق مع بعض النواب لطرح أسئلة محدّدة عليهم، ويريدون من ورائها تبليغ رسالة أو شرح برنامجهم أو استعراض عضلاتهم في إنجاز مشروع متعلّق بقطاعهم، فهذا ليس من أساسيات العمل البرلماني. * ما هي الظروف التي يجب أن تتوفّر ليعمل البرلماني بشكل أفضل؟ - البرلماني هو ابن الشعب، فكلّما كان المستوى الثقافي للشعب مرتفعا وكلّما نقصت الحاجيات الآنية والطارئة كالفيضانات وغلق الطرق، يعمل البرلماني في راحة، فإذا كانت هناك خروقات إدارية وقانونية سيتعب النّائب ويصبح يحلّ النّزاعات ويعمل عمل رجال المطافئ، فإن غابت هذه العوامل سيبذل النّائب جهده الفكري كله للتشريع ومراقبة الجهاز التنفيذي لأن التنمية المحلّية ليست من مهامه. * النّظام السياسي الجزائري كان رئاسيا ثمّ أصبح شبه رئاسي، فهل تغيّر شيء؟ - النّظام الجزائري نظام طموح خرّيج الثورة وخرّيج مدرسة بومدين، فالجزائر لا يوجد عندها أسرة مالكة مثل بعض الدول، لكن هذا النّظام الطموح لم يجد من يساعده في الجهاز الإداري، فهناك خلل، بيروقراطية واختلاسات، على العموم لم يحقّق النّظام طموحه بسبب ضعف الجهاز الإداري وغياب الإطارات التي تسيّر الملفات وتدرسها في وقت يجب على الدولة مواكبة العصر بأحدث الوسائل والأجهزة. * هل طُبِّقت إصلاحات الرئيس بوتفليقة في ظلّ سياسة البلاد؟ - هذا السؤال يحيّر الجميع، وأربطه بالجواب السابق أن النّظام طموح جدّا فهو أقوى بكثير من الجهاز التنفيذي، نفس الشيء إصلاحات الرئيس بوتفليقة طموحة عرقلها الجهاز التنفيذي في جميع المجالات وأبرز مثال يظهر جليا للجميع مشروع (محلاّت الرئيس) الطموح من خلال إنشاء 100 محلّ تجاري لكلّ بلدية، إلاّ أنه أصبحت الآن في أغلب الولايات أوكارا للفساد والدعارة وما إلى ذلك لأنه لا يمكن أن ننجز 100 محلّ في بلدية صغيرة مقارنة بالعاصمة. وجاءت إصلاحات الرئيس في ظرف لإنقاذ الجزائر من الربيع العربي، فوعود الرئيس العام الماضي بإصلاحات اقتصادية وسياسية لم تطبّق بسبب الجهاز الإداري الذي يحتاج إلى صرامة قوية بحضور الدولة وتجسيد القانون ولو كان ظالما حتى تظهر لنا إصلاحات الرئيس. * ثارت ثورات شعبية في مختلف البلدان العربية، فما السرّ في عدم هبوب عاصفة ربيع الجزائر بالرغم من بعض التوترات في مختلف ولايات الوطن؟ - لو نقارن أوضاع الدول التي ثارت بالجزائر فشتّان، تونس، ليبيا، مصر، اليمن، سوريا، حتى السودان ودول الخليج، الظلم الذي كانت تعيشه شعوب هذه الدول لم يذقه الشعب الجزائري. فبالرغم من عيوب النّظام الجزائري لم نصل إلى درجة الإهانة، صحيح أنه يوجد هناك لوبيات وعصابات، لكن الجزائري يعيش مرفوع الرّأس، ومنذ أحداث أكتوبر 1988 استنشقنا نوعا من الديموقراطية والتعدّدية وحرّية الإعلام فوصلنا إلى مستوى لا بأس به ونطمح إلى أكثر من ذلك. والصحافة المكتوبة في الجزائر أكثر حرّية مقارنة بتونس ومصر، وبالتالي الربيع الجزائري قد يتأخّر، لو الجزائر تستدرك وتهتمّ بتحسين المحيط وتلبية رغبات المواطنين وتحريك عجلة التنمية فالدولة تقدّم رشوة للشعب الجزائري لإسكاته بداية من نواب البرلمان للتصويت، فعيبُ الجزائر أنها لا تنتج إلاّ بنسبة ضئيلة وتعيش بريع البترول فقط، فمن الواجب تحريك الشعب من خلال توفير مناصب الشغل للإنتاج. * تضاءلت نسبة المشاركة السياسية في الانتخابات التشريعية الماضية، فما السبب في ذلك حسب رأيك؟ - المواطن الجزائري فقد الأمل في أن الانتخابات ستغيّر شيئا، فهناك مواطنون لا يملكون بطاقة النّاخب وليس لديهم استعداد للانتخاب. في السنوات السابقة وزارة الداخلية كانت تعمل على تضخيم النتائج، وفي هذه الانتخابات لم تبلغ نسبة المشاركة 50 بالمائة، وأظنّ أنها ستكون أكثر في المجالس المحلّية، والعامل الذي يرفع النّسبة هو فقط منافسة الأحزاب والعروشية. * عيّن مؤخّرا السيّد عبد المالك سلاّل وزيرا أوّلّ للحكومة الجزائرية، فما رأيك؟ - عبد المالك سلال زميلي أعرفه جيّدا، هو رجل نكتة ورجل دولة لديه بعد النّظر. ربما الكثير من الجزائريين لا يعلم بأن سلاّل طوّر قطاع الموارد المائية تطويرا علميا بشهادة بعض الدول، فأتمنّى له أن ينجح في تسيير الوزارة الأولى. * كنت نائبا لولاية غرداية في العشر السنوات الأخيرة، كيف تصف الفترة؟ - التنمية في الجزائر عموما معرقلة، فهناك ملفات على مكاتب رؤساء البلديات منذ 30 سنة، فولاية غرداية فتية، إلاّ أن جهازها الإداري ضعيف جدّا لأن النّخبة من شباب غرداية هجر ولايته منهم أطبّاء، معلّمون وتجّار، والتجارة أصبحت اليوم تمتصّ مهندسين في الإعلام الآلي، وهذا ما ترك فراغا دون أن أعيب الإطارات الموجودة. فالدولة صبّت في ميزانية ولاية غرداية الملايير وفتحت المجال للقطاع الخاص، لكن للأسف الشديد عرقلت التنمية، نقص المقاولات، أزمة العقّار والاتّكال على ما تقدّمه الدولة، كلّ هذه عوامل لتأخّر التنمية في الولاية طيلة هذه المدّة. * لديك العديد من المؤلّفات، آخرها بعنوان (تاريخ الفرارة)، فهلاّ زوّدتنا بمضمون وجيز عنه؟ - أنا أحترم اختصاصي في التأليف، لديّ طموح كبير للتأليف في المجال القانوني والمقارنة بين الشريعة والقانون، بالإضافة إلى التاريخ، لذلك جاء هذا الكتاب (تاريخ الفرارة) من التأسيس 1931 إلى دخول الاستعمار الفرنسي، هذه الفترة التي تعدّ غامضة بسبب شحّ المصادر ما عدا بعض مخطوطات الشيخ أبي اليقظان، وإرادة منّي لملء هذه الثغرة مفتخرا بأنني سردته على الشيخ الرّاحل النّاصر المرموري، فصوّب ونقّح لي الكثير من الأخطاء، ومستعدّ لاستقبال الملاحظات، وأنا أحضّر الحلقة الثانية لهذا الكتاب من دخول الاستعمار الفرنسي إلى الحرب العالمية الأولى.