دخلت المشاورات السياسية التي نادى إليها الرئيس بوتفليقة في خطابه الأخير للأمة أسبوعها الثالث، لتسجل هيئة بن صالح جملة من الإقتراحات التي رفعت شعارها كافة الأطياف السياسية والشخصيات الوطنية، والتي بادرت بوجهات نظر حول الصيغ الجديدة لقوانين الأحزاب، الانتخاب، الإعلام والمرأة، ومن ثمة الانطلاق فعليا في عملية التحول السياسي الذي سيؤسس لجزائر الغد . ويعتبر القانونان العضويان للانتخابات والأحزاب من أبرز ما شرع في النقاش فيه إلى غاية اليوم، حيث تم استدعاء الأحزاب السياسية الفاعلة في البلاد للتشاور مع ممثلي الرئاسة من اجل إعادة النظر فيما سجل من نقاط ضعف في القانونين وكذا تعديل الاختلالات التي تقف عقبة أمام تطبيقها، وهي الاختلالات التي حصلت على إجماع غالبية الأحزاب السياسية.
قانون الأحزاب: حذف الشروط التقنية للاعتماد، مراقبة التمويل وحظر التجوال السياسي
يرى بعض الناشطين السياسيين أن القانون الحالي هو السبب في ركود النشاط السياسي، ومنهم من يرى أن تطبيقه هو المشكل الكبير، إلا أنهم اجمعوا على ضرورة إعادة النظر في شروط اعتماد الأحزاب وتنظيمها وحلها وإسناد صلاحية ذلك إلى هيئة مستقلة بالإضافة إلى تشديد الرقابة على كيفيات تمويل الأحزاب السياسية وصرف ميزانياتها. وقد أعابت كل من حركة مجتمع السلم وحركة الإصلاح على قانون الأحزاب، أنه يطبق من خلال وزارة الداخلية والجماعات المحلية التي تمارس إجراءات معرقلة لنشاط الأحزاب، كعدم تسليم وصل إيداع ملف طلب الاعتماد وعدم الرد على الطلب في الآجال المحددة، وهو ما دعت إلى تغييره حركة النهضة بتحويل صلاحيات الاعتماد إلى الجهات القضائية، ودعت الحركة على لسان أمحمد حديبي إلى التفكير في آلية جديدة لتمويل الأحزاب مع تحديد علاقات هذه الأخيرة مع الخارج ، بالإضافة إلى تقنين التوجه السياسي للجمعيات والمنظمات وسد الثغرات القانونية في هذا المجال. ومن جهته، دعا صديق شهاب من حزب التجمع الوطني الديمقراطي إلى تقليص السن المشروط للانخراط في العمل السياسي في الجزائر من 30 سنة إلى 23 سنة، و اعتماد أحزاب جديدة بحسب ما جاء من قوانين في ميثاق السلم والمصالحة الوطنية وهو ما يمنع إنشاء حزب سياسي "من قبل أشخاص شاركوا في أعمال إرهابية أو يرفضون الاعتراف بمسؤوليتهم في تصور وتطبيق جهاد مزعوم ضد الأمة ومؤسسات الجمهورية"، كما دعا ممثل الارندي إلى وجوب التوضيح في القانون القادم أن كل ملف اعتماد في غياب رفض رسمي من قبل وزارة الداخلية بعد مرور 60 يوما عن إيداعه، سيعتبر معترفا به قانونا، ويسلم الاعتماد رسميا من قبل القاضي الإداري، مضيفا، أنه سيتعين على الإدارة أن تقدم طعنا بالاستئناف غير موقف للتنفيذ أمام مجلس الدولة. في حين قال حسين خلدون عن حزب جبهة التحرير الوطني أن المشكل في تطبيق قانون الأحزاب حاليا هو تأسيس أحزاب سياسية مسؤولة داعيا إلى التأسيس لعلاقة توافقية في المجالس المنتخبة، وإنشاء هيئة وطنية تختص بمراقبة الجمعيات ونشاطها، لا سيما تلك التي تحظى بالتمويل الخارجي. من جانبه دعا جلول جودي عن حزب العمال إلى حذف الشروط التقنية لتأسيس الأحزاب السياسية في الجزائر، معتبرا أن الإشعار بتكوين حزب سيكون كافيا بالسماح لحزب ما أن يقوم بنشاطه أما الاعتماد فللشعب فقط أن يقدمه للحزب في المناسبات الانتخابية ، فيما رأى موسى تواتي أن قانون الأحزاب الحالي يتعرض للخرق بعدم احترامه وتطبيقه كاملا، وهو ما أدى إلى جمود النشاط السياسي في البلاد . وفيما يخص اقتراحات ممثلي الأحزاب المذكورة سابقا فيما يتعلق بتعديل القانون العضوي للأحزاب السياسية بالجزائر قانون الانتخابات: بين اعتماد البصمة، الصناديق الشفافة، ومطالب بتجريم التزوير
بدوره كان قانون الانتخابات محل نقد الأحزاب الناشطة بالجزائر، بعدما اثبت بحسبهم عدم قدرته على عكس إرادة الشعب وأصواتهم بطريقة شفافة وديمقراطية ، وهو ما نتج عنه بحسب حديبي من النهضة وجود برلمان هش غير مؤهل ولا فاعل في صناعة القرار، بالإضافة إلى انحياز الإدارة إلى بعض الأحزاب أو المجموعات السياسية في المستويين المحلي أو الوطني، وهو ما يستوجب توكيل مهمة مراقبة وتسيير الانتخابات إلى جهة قضائية مستقلة وهو الاقتراح الذي طرحه غالبية ممثلي الأحزاب، الذين اقترحوا الحبر أو البصمة كالإصلاح وحمس، وصناديق شفافة بالنسبة للارندي الذي رافع عن ضرورة تعزيز المراقبة الدولية، و رفع نسب تمثيل المرأة إلى نحو ثلاثين بالمائة، فيما أبقى الأرندي على نظرته لنظام التصويت النسبي و طالب كل من الإصلاح والنهضة باعتماد نظام مزدوج في كل من الانتخابات الولائية والوطنية. وبهدف غلق باب التزوير اقترح جلول جودي عن حزب العمال، حصر صلاحيات الإدارة في الانتخابات في المساعدة التقنية فقط، وإسناد مهام الرقابة والتسيير إلى القضاء، بالإضافة إلى منح الشعب حق سحب العهدة من المنتخبين البرلمانيين، وهو ما ذهبت إليه حركة حمس كذلك والتي طالبت بمنع التجوال السياسي بين الأحزاب، كما طالب ذلك حزب جبهة التحرير الوطني باعتماد نمط اقتراعي نسبي لضمان أكبر عدد ممكن من المشاركة للأحزاب السياسية، وبعدم اعتماد نفس النمط في المجالس المحلية، فيما أكد حديبي على ضرورة تجريم التزوير في الانتخابات والتلاعب بإرادة الأمة ومتابعة المتسببين فيه قضائيا ومعاقبتهم . وفيما يخص اقتراحات الأحزاب السياسية حول ما يمكن تعديله من قانون الانتخابات العضوي، فقد أكد تواتي على ضرورة الدعوة إلى استفتاء مسبق لهذه التعديلات لتحديد طبيعة النظام، ثم المرور إلى تعديل الدستور ومن ثمة إلى القوانين العضوية المتضمنة فيه. من جهته، دعا حزب العمال إلى تأسيس مجلس يحل بموجبه البرلمان الحالي، ويتكفل بإعداد دستور جديد، فيما يرى الإصلاح والنهضة والجبهة الوطنية الجزائرية ان مراحل الإصلاح قد عكست، يقول تواتي بوجود تداخلات فيما يتعلق بتعديل الدستور وتعديل القوانين العضوية الأخرى، و قانون البلدية مطالبا بالذهاب إلى تعديل الدستور أولا بما انه أصل كل القوانين، فيما دعت جبهة التحرير بإسناد مهمة تعديل الدستور إلى إطارات كفؤة، وهو نفس منظور حزب التجمع الديمقراطي الذي أكد على لسان صديق شهاب على ضرورة قطع أشواط أخرى في تعديلات القوانين العضوية لأنها لم تعد صالحة لهذه المرحلة، لا سيما وان هذه القوانين تعد حيوية بما فيه الكفاية لتؤسس للمرحلة المقبلة كما أنها ستكون الأخيرة قابلة للتغيير إذا ما تم ثبوت تناقضها مع الدستور المعدل مستقبلا. وعن طبيعة النظام الذي سيحدد مع تعديلات الدستور المقررة العام المقبل، ذهب كل من حزب العمال إلى الدعوة إلى التأسيس لإرساء نظام برلماني في البلاد مع تكريس الرقابة على الجهاز التنفيذي، واستحداث جهاز التحكيم مع إعطاء الشعب سلطة إقالة النواب، فيما ذهبت حركتا الإصلاح والنهضة إلى النظام نصف البرلماني، الذي يعطي صلاحيات اكبر للبرلمان المنتخب والذي يحدد بموجب ذلك شخص الوزير الأول وحكومته كما يحظى بصلاحية إقالة المسؤولين عن التقصير في برامج الحكومة، وهو ما سيضفي المرونة اللازمة بين السلطات بحسب ممثلي هذه الأحزاب. أما حمس فقد دعت إلى إنشاء نظام برلماني جزائري محض يحفظ الهوية ويحمي الخصوصية الجزائرية من دون أن نقلد الأنظمة البرلمانية الأجنبية فيبقى رئيس الجمهورية منتخبا من طرف الشعب ويحتفظ بالدفاع والعلاقات الخارجية وحق حل البرلمان، الذي سيوكل له صلاحية محاسبة الحكومة، وهو ما ذهب إليه تواتي، داعيا إلى توفير مساحة اكبر للبرلمان لصنع القرار ورقابة اكبر من طرف الشعب. فيما دعا التجمع الوطني الديمقراطي إلى الإبقاء على النظام شبه الرئاسي، مع تنظيم سلطة تنفيذية تعزز التعددية الديمقراطية من خلال وظيفة رئاسية لعهدة من خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، و اقترح الحزب أن يتم تعيين وزير أول من الحزب الحاصل على الأغلبية في المجلس الشعبي الوطني ومن خلال حكومة مسؤولة عن برنامجها . وقد اعتبر المحامي المعتمد لدى المحكمة العليا والعضو السابق بالمجلس الشعبي الوطني فادن محمد، هذا التلاقي والتباعد في الآراء والمقترحات تناغما سياسيا يدل على الوعي السياسي والطموح الذي وصلت إليه قيادات وقواعد الأحزاب الشعبية، منبثق عن طموح وإرادة فئات معتبرة من الشعب من اجل التغيير في اطر قانونية أصبحت غير ملائمة مع ما تعيشه الجزائر من تطورات على جميع الأصعدة، وهو ما يستوجب العمل بحرص على توفير الأطر الكفيلة بعكس إرادة الشعب بطريقة شفافة صريحة وعادلة . وأوضح فادن المحامي أن أهم ما يمكن أن تتضمنه التعديلات المقبلة لإضفاء الشفافية اللازمة على قانون الأحزاب العضوي، إعادة النظر في شروط اعتماد الأحزاب وتنظيمها، تدعيم الممارسة السياسية الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية وتشديد الرقابة على كيفيات تمويل الأحزاب السياسية وصرف ميزانياتها. بالإضافة إلى بعض الإجراءات التي قد تعزز من شفافية الانتخابات كتقسيم الولاية الإدارية إلى دوائر انتخابية لضمان تمثيل كل مناطق الولاية، وتوحيد تاريخ إجراء الانتخابات المحلية والتشريعية تعزيز الشفافية من خلال تكريس الإشراف القضائي على العمليات الانتخابية وكذا التقنين للجنة سياسية وطنية مستقلة تشكل بمناسبة كل استحقاق انتخابي لمراقبة الانتخابات في شقها السياسي. وفي إجابة عن سؤال حول انسب نظام حكم قد يطبق في الجزائر في المرحلة المقبلة، اقترح المحامي فادن تدعيم النظام القائم على المزج بين البرلماني والرئاسي بإيجاد توازن بين جميع السلطات ، وهو ما يستوجب دسترة الترشيح والانتخاب لمنصبي رئيس الجمهورية ونائبه وتحديد العهدات وإدراجها ضمن الثوابت التي لا يجوز المساس بها، وتوضيح صلاحيات الوزير الأول وتكريس مبدأ تعيينه من الأغلبية البرلمانية . ليندا عنوز