التعددية لها قيمة عند حزب جبهة التحرير الوطني، لقد كنا واعين أننا خرجنا من الحزب الواحد ودخلنا التعددية التي لم نصادرها بكل مكوناتها (الإعلامية والنقابية والجمعوية)، رغم أن النتائج (انتخابات جوان 1990) جاءت في غير صالح حزب جبهة التحرير الوطني لأن الجزائريين أرادوا تجريب غيرنا! نسعى لقيادة أغلبية لكن لا تراجع عن التعددية تعدد الأجيال في حزب جبهة التحرير الوطني عامل قوة·· وعامل تعقيد أيضا! أنا لا أقلل أو أستهتر بتضحيات من قاموا بالأحداث في المنطقة العربية، ولا أتعاطف مع الاستبداد،·· لكن لا يجب أن تأتي هذه التضحيات الشرعية لتبرر أفكار استعمارية ينبغي الحذر منها، لأنها ”رجس من عمل الشيطان”! قبل أيام قليلة، صرح وزير الداخلية السيد ولد قابلية أن المجلس الشعبي الوطني القادم سيكون مجلسا تأسيسيا، مما يخالف تصور حزبكم في هذا الاتجاه، هل أقنعتكم ”تبريرات” الوزير لأن يكون المجلس فعلا تأسيسيا؟ لا بد من تسجيل أن المجلس المقبل، لم ولن يكون مجلسا تأسيسيا، بمقتضى المقاييس التالية: أولا، الظروف السياسية التي يأتي فيها، حيث يتم تجديده كل خمس سنوات، في مواعيده القانونية· ثانيا، المقترح على الشعب هو انتخاب مجلس تشريعي عادي· ثالثا، بالرجوع إلى محتوى التعديل الدستوري الذي سيقدمه رئيس الجمهورية، فهو تعديل هام وأساسي لكنه لا يلغي المحتوى الحالي· وهنا لا بد من التدقيق: إن الدستور الحالي يتضمن أساسيات المنظومة الدستورية سارية المفعول، وفيها كل الشروط التي تعبر عن العمق التاريخي للشعب الجزائري، والأساسيات التي هي من مكاسب الأفراد ومكاسب المجموعة الوطنية، ومنها على الخصوص الوحدة الوطنية، بما تشمله من وحدة التراب الوطني ووحدة الشعب، وكذا اعتبار اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية، وكذا اللغة الأمازيغية التي هي لغة وطنية· كما يتضمن الدستور الحالي الحقوق الفردية والحريات العمومية واستقلالية القضاء وفصل السلطات· وفي المقترح الرئاسي بشأن الدستور المنتظر لاستكمال ما تحصل من تعديل في ,2008 وهذه التكملة تستهدف من دون شك إعطاء فعالية أكبر لتنظيم السلطة التنفيذية وتفعيل علاقتها مع البرلمان· فبكل هذه المقاييس (من حيث الشكل والمضمون)، لن يكون المجلس القادم مجلسا تأسيسيا· تؤكدون، في قيادة حزب جبهة التحرير الوطني، أن الانتخابات التشريعية القادمة تكتسي أهمية بالغة، بالنظر إلى أجندة المجلس القادم داخليا، والسياقات الدولية والإقليمية التي تجرى في إطارها هذه الانتخابات··كيف هي حظوظ الحزب في هذه الانتخابات؟ قبل الحديث عن حظوظ حزب جبهة التحرير الوطني في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، لا بد من تسجيل أن الحزب قد حضر لها بجدية، وهو على استعداد لخوض هذه المنافسة/المعركة، بما ما أوتي من قوة في صفوفه النضالية، معتمدا على تجربته الطويلة في مجال الانتخابات، منذ أيام الحزب الواحد أو بعد إقرار التعددية، ومعتمدا كذلك على رجاله ونسائه ومناضليه، من كل الأجيال، ابتداء من الجيل الذي حضّر للثورة، وخاضها، وشارك في صنع الاستقلال الوطني، والجيل الذي تكفّل بالصعاب التي واجهت الجزائر في سنوات الاستقلال الأولى، أثناء بناء الدولة بإدارتها وجهازها السياسي، وكذلك الجيل الذي ساهم في إرساء قاعدة اقتصادية، وبالأساس قاعدة صناعية، بالإضافة إلى الجيل الذي واجه مفاجآت التعددية، وكذلك الجيل الذي نشأ بعد هذه التعددية· هذه المجايلة تعد من عوامل قوة الحزب، وهي من عوامل التعقيد أيضا، ما يفرض على القيادة أن تتسلح بالتروي والتأني والمنهجية وكذلك البصيرة· وأخلص إلى القول إن حزب جبهة التحرير الوطني مطالب بالحفاظ على مرتبته الأولى، بل إنه مطالب أن يدعمها ويقويها، فالرهانات الآتية تتطلب التجربة والحنكة والشرعية الشعبية الواسعة والواضحة والشفافة· إجرائيا، نحن الآن في المرحلة النهائية لإعداد قوائم المترشحين للانتخابات التشريعية بعد ضبط العملية على مستوى القسمات والمحافظات، حيث تتواصل عملية دراسة الملفات في ظروف حسنة وفي أجواء من الطمأنينة والتفاؤل، والاستعداد لخوض غمار الحملة الانتخابية· سيد بلعياط، تبدو متفائلا بحظوظ حزب جبهة التحرير الوطني، لكن ماذا عن إمكانية تأثر هذه الحظوظ بإعلان التقويمية دخول الانتخابات في قوائم حرة، وأيضا رغبة عدد من النواب في خلافة أنفسهم على رغم من تواضع حصيلتهم، ثم التدافع الكبير بين المناضلين على الترشح، وأيضا دخول أحزاب جديدة بعضها قد يأخذ من رصيد الجبهة؟ أنت تطرح أربع مسائل في سؤال واحد، فاسمح لي بتفصيلها: أولا، الحكم على العهدة البرلمانية المنقضية بأنها سلبية وغير مرضية، هو حكم مجحف، وغير منصف، وهو يصدر غالبا من أطراف تحمل موقفا سلبيا من النظام بشكل عام· فالنواب قد أدوا دورهم بشكل مقبول ولم يقصروا في التعامل إيجابيا مع مبادرات الحكومة، ولا ينبغي أن نغفل أن حزب جبهة التحرير الوطني هو شريك في الحكم، وبالتالي إذا لم يكن نواب المعارضة راضين عن أداء الحكومة، فالأوْلى أن يبادروا هم باقتراح مشاريع قوانين، لا أن يطالبوا نواب حزب جبهة التحرير الوطني بذلك· فمثلا، اقتراح مشروع قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، تم من طرف نائب ينتمي إلى حزب جبهة التحرير الوطني، وقد أثار نقاشا إيجابيا في البرلمان والصحافة والمجتمع بشكل عام، وحزبنا كان له موقف صريح في هذا الشأن، لكن نحن كنا نعمل في إطار تحالف رئاسي، والعمل البرلماني محكوم بالتفاهم والمشاورة مع الحكومة وكذا أصحاب الاقتراح· مقاطعة: لكن جهات متعددة اتهمت الحزب بالتخاذل في التمسك بمشروع القانون إلى آخر مدى؟ أولا، الفكرة لم تمت، بل ما تزال جارية، وأنا أقرأ ما حدث بشكل إيجابي، لأن القرار السياسي الذي يمس العلاقات الخارجية (ومع فرنسا بالتحديد) لايسمح بالارتجال أو بعدم التروي· فحزب جبهة التحرير الوطني هو الحزب الأول في البلاد، لذا يجب أن نؤكد أنه يمكن للدولة أن تعتمد علينا بألا نجازف ولا نتهور، وندرس كل الأمور بالجدية اللازمة ونقيم موازين المصلحة الوطنية في كل قضية· إن مبادرة نائب من حزب جبهة التحرير الوطني بهذا المشروع تؤكد أن نوابنا لهم الحرية ويتمتعون بروح المبادرة والتفتح على كل القضايا والأفكار، وقيادة الحزب لا تحجر على أفكارهم ولا تشل أيديهم· فهم كانوا، وسيبقون، مناضلين يحظون بالاحترام والتقدير· نعم فكرة تجريم الجرائم الاستعمارية مازالت، وستبقى حية، وفرنسا ستخرج مهزومة من هذه القضية التي افتعلتها أقلية فرنسية اغتنمت إجراءات رخوة وملتوية لتمرير قانون تمجيد الاستعمار في فيفري ,2005 وقد أحس الفرنسيون بالندم بعد ذلك، والدليل أن الحكومة عدلت الموضوع، لأنها تأكدت أننا نصر على أن الاستعمار ”رجس من عمل الشيطان”· وبيت القصيد إن حزب جبهة التحرير الوطني يقرأ مسألة جرائم الاستعمار عبر ثلاثة مصطلحات، هي الاعتراف والاعتذار والتعويض· فبالنسبة للاعتراف، فقد حكم التاريخ على أن الاستعمار رجس من عمل الشيطان، و132 سنة من الاستعمار كانت رجسا في الجزائر! أما الاعتذار، فيتم عندما تقوم (في فرنسا) سلطة سياسية قوية قادرة على مواجهة شرذمة من الرأي العام· أما التعويض (وهو كبير جدا ماديا)، فيتطلب قيام موازين قوة لا نملكها الآن، لكننا نشدد على أن جزءا من هذا التعويض يخص التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في صحرائنا، حيث ستستمر آثار هذه الجريمة قرونا قادمة، سواء على مستوى البشر من خلال التشوهات الخلقية، أو بالنسبة للأرض التي لم تعد قابلة للاستغلال· إننا في حزب جبهة التحرير الوطني واثقون من أن هذا العمل الذي قمنا به وأيدته منظمات وطنية عدة كالمجاهدين وأبناء الشهداء، سيستمر مع المجلس الشعبي الوطني القادم، وسيستمر طالما أن العقلية الفرنسية الرسمية لم تتغير، حيث تصر على أن الجزائر هي فردوس فرنسا المفقود!! كما نسجل للمجلس الشعبي الوطني الحالي أنه تعامل إيجابا مع مشاريع قوانين الإصلاحات السياسية التي تعبر عن إرادة الرئيس في الإصلاح، وتحضر لمراجعة الدستور بشكل جاد، خلال العهدة التشريعية القادمة، فالمجلس المقبل ستكون فيه أغلبية واضحة ومتجانسة ومنسجمة مع روح الإصلاحات ومع برنامج الرئيس ورؤيته لمستقبل البلاد والمؤسسات الدستورية· أما فيما يتعلق بشطر سؤالكم عن ”التقويمية”، فأقول إننا قد نكون أقل قوة بسبب ما ظهر من مبادرة خارج الأطر النظامية، هي بالنسبة لنا ليست الحزب وليست حتى جزءا من الحزب، فهي أفراد قد يكونون أخوة مناضلين لهم ماض معتبر، لكنها لم ولن تؤثر في شيء من حظوظ الحزب في الفوز بالانتخابات· صحيح أنها أزعجتنا في البداية، وأقلقتنا في بعض الأحيان، لكنها على ما ألاحظ تفتقد يوما بعد يوما حيويتها ونفسها الأول· وقد يبدو لي أنها تبحث عن حفظ ماء الوجه عبر مبادرة المشاركة في الانتخابات بقوائم حرة هنا وهناك، لكن نتيجتها، في كل الأحوال، لن تسجل في التاريخ· إنني أتأسف شخصيا أن يكون قد انخرط في هذه المبادرة إخوة كان بوسعهم وفي متناولهم أن يسجلوا نتائج مرضية داخل الإطار النظامي للحزب، ومهما يكن من أمر، فإن الناخبين سيصوتون على عنوان الحزب وقوائمه الرسمية· أما عن سؤالكم بخصوص الأحزاب الجديدة، فأرى أن الساحة مفتوحة والرأي العام الوطني له مافيه الكفاية من النضج والوعي والتمييز، بما يفصل بين الرؤى المؤسسة والبرامج المدروسة والواضحة، فيما يبقى الهامش ممكنا لنزوات شخصية تبحث عن ضالتها في قوائم حرة! إذن لاترون في حزبي كل من عزيز بلعيد والطاهر بن بعيبش مساسا بوعاء حزب جبهة التحرير؟ العمل السياسي وقرار الناخبين لايتأثر بما هو مستحدث من تنظيمات سياسية، يتطلب لها وقت لتختمر أفكارها وتطلع خميرتها وتطيب خبزتها، لتكون صالحة لتقسيمها بين من يحبذون الأكل على موائد هذه التشكيلات السياسية الجديدة! إذن يبقى منافسونا منذ بداية التعددية، وخاصة منذ العودة إلى المسار الانتخابي (من 1997 إلى اليوم)، ويمكن تقسيمهم إلى ثلاث حساسيات: أولا/ التيار الملقب تجاوزا بالوطني، وأساسه وقلعته وسلاحه حزب جبهة التحرير الوطني، وبجواره (على حداثة نشأته) حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وتأتي تشكيلات أخرى تقترب من هذا الاتجاه، لكنها لم تحصل على مكانة تفرضها نهائيا على الساحة· ثانيا/ التيار الذي سمته الصحافة ديمقراطيا وعصرانيا، قريب من اللائكية (أو يحن إليها!)· وتعقيد الحراك السياسي قد جعل هذا التيار يزيد وينقص، يتشتت ويجتمع من موعد انتخابي إلى آخر، ويتنافس بنظريات الديمقراطية العالمية والتقلبات التي تطغى على الساحة الدولية! ثالثا/ التيار الذي يمكن جعله تحت غطاء الإسلاموية، وقد واكب بداية التعددية إلى اليوم، مع أنه كان كامنا في الرأي العام أثناء الحزب الواحد· واليوم لم تبق له إمكانية المفاجأة، لأنه استهلكها، ولذا فإن الرأي العام يتعامل معه اليوم، بما يعرضه من أفكار وبرامج، وكذلك مرشحين· وبالنسبة لنا في حزب جبهة التحرير الوطني، نحن متعودون على مواجهة الأفكار التي هي بعيدة عنا، حيث نواجهها برصيدنا التاريخي وتجربتنا التي من حقنا أن نذكر بها· فمنذ العودة إلى المسار الانتخابي، ونحن نتجاوب مع استعادة الأمن والاستقرار والانطلاق في برنامج الإنعاش الاقتصادي، ونصبو إلى ترسيخ قاعدة متينة وصلبة للاقتصاد الوطني ليكون، شيئا فشيئا، أقل تبعية للمحروقات· في جميع الاستحقاقات كانت رؤيتنا واضحة، وإمكانياتنا وأدواتنا معروفة وشفافة، ونأمل ونحرص على أن تكون الانتخابات القادمة هادئة وشفافة ونزيهة وتعبر عن حقيقة اختيار الشعب· كما إننا مسلحون بأنه لم يتسجل علينا أية ممارسة تلوث أو تزور الانتخابات، ولم يسجل طيلة فترة التعددية أن أي طرف قام بالتزوير لصالحنا! هذا التفاخر يحتاج إلى دلائل؟! نعم، أعلنت نتائج انتخابات 12 جوان ,1990 ونحن كنا في السلطة مئة بالمئة، ولم يشك أحد من التزوير· هنا يجدر التذكير، كذلك، بأن المجالس المحلية كان موعد تجديدها في ديسمبر 89 (انتخبت في 84)· وأخذت جبهة التحرير القرار باستحداث مندوبيات إدارية (مجالس محلية مؤقتة (َّمْىَُّىًُِّْ ٍِّّفٍٍَُِّك ٌَّىمََُّك) تعرف اختصارا ب (ِكك)، خلال جانفي 1990 من أجل التحضير لانتخابات جوان .1990 إن هذا الموقف يدل على أن التعددية لها قيمة عند حزب جبهة التحرير الوطني، لقد كنا واعين أننا خرجنا من الحزب الواحد ودخلنا التعددية، نحن لم نصادر التعددية بكل مكوناتها (الإعلامية والنقابية والجمعوية)، رغم أن النتائج جاءت في غير صالح حزب جبهة التحرير الوطني لأن الجزائريين أرادوا تجريب غيرنا! بعد هذا الموعد، حضرنا للانتخابات التشريعية التي كانت مقررة في جوان ,1991 وكنا مستعدين لها، لكن شاءت الأقدار والأوضاع السياسية أن يجهض هذا الموعد، وتغير الحكومة، وتؤجل الانتخابات إلى ديسمبر .1991 في تلك الفترة، كذلك، لم يسجل علينا أي تزوير، بل إذا كان التزوير قد حدث فهو في جهة أخرى (على المهتمين أن يتكفلوا بالدراسة والبحث!)· ثم جاء قرار وقف المسار الانتخابي، ولم نكن في السلطة، وجاءت انتخابات ,1997 تشريعيات جوان ومحليات أكتوبر، ولم يسجل علينا أي تزوير، ولا أية تهمة أخرى، وواصلنا النضال والمنافسة إلى أن أصبحنا أغلبية مطلقة في ,2002 وأغلبية مريحة في ,2007 فعلى ماذا يدل كل هذا؟ أنتم طرحتم التساؤل، فتفضلوا بالإجابة؟! إننا لسنا في حاجة إلى التزوير ولا نية لنا فيه، بل إننا نثمن تماما تصريحات الرئيس عن المصداقية الشعبية· طموحنا قيادة أغلبية لتحقيق أهداف تحتاجها الجزائر· أولا، بخصوص تعديل الدستور، نحن منسجمون مع فكرة الرئيس في توحيد الهيئة التنفيذية، التي أساسها بالنسبة لنا هو رئيس الجمهورية، وفي نفس الوقت إعطاء صلاحيات واسعة ومرتبة لمراقبة ومحاسبة الحكومة· وعلى الراسخين في العلم الدستوري أن يترجموا هذه الفكرة السياسية إلى ميكانيزمات تضمن تحديد مسؤولية تسيير البلاد وفي نفس الوقت تتيح إمكانية الرقابة البرلمانية على الهيئة التنفيذية (الحكومة)· كما إن برنامجنا لا يناقض ما تبقى من برنامج الرئيس (2014 2010-)، بل يذهب إلى أبعد من هذا، بحيث يعطيه امتدادا إلى مابعد ,2014 لأننا أغلبية ولنا الشرعية ونسعى لأن تبقى الشرعية في الاختيار الرئاسي، فانتخابنا يعني استمرار شرعية هذا الاختيار إلى غاية .2017 ؟ بعد إعلان فوز أحزاب وقوى إسلامية في الانتخابات التي شهدتها بلدان الربيع العربي، يتوقع أكثر من طرف أن تكون انتخابات 10 ماي في الجزائر في صالح الإسلاميين كذلك·· كيف ترون في حزب جبهة التحرير الوطني هذه المسألة؟ نحن مؤمنون، صدقا وواقعا، أن الشعب هو مصدر السلطة وبالتالي فهو الذي يعطي الأغلبية، كما إننا مدركون أن الشعب الجزائري يتمتع برجاحة عقل تمكن من حسن اختيار الرجال والبرامج، وإن شاء الله سنسهل للناخبين عملية الاختيار، لأننا سنقدم مرشحين ”من صلب الشعب”، وفق برنامج وطني أصيل، وليس وفق برامج أو رؤى مستوردة، أو غريبة عن الشعب الجزائري· وهنا برأيي، مايبرر كيف أن الإسلاموية لن تنجح في الجزائر· فالإيديولوجية المتطرفة ليست نابعة من الخصوصية الوطنية، بل هي مستوردة من الخارج، وبالتالي فهي لا توافق البيئة الوطنية، مايؤدي إلى فشلها حتما· وعندما ”يتكفل” الشعب برفض هذا النموذج المتطرف المستورد، فمن يبقى في الساحة؟ ستبقى جبهة التحرير والقوى التي تحمل أفكارا عادية وواقعية، عندها تكون مهمتنا سهلة في الدفاع عن أفكارنا وآرائنا وتصوراتنا، لأننا نملك رصيدا ثريا من التجارب والخبرات وخزانا هائلا ومتجددا من الإطارات والكفاءات· على ماذا تعتمدون لإنجاح برنامجكم ومرشحيكم وتفعيل حظوظكم في هذه الانتخابات؟ أولا، نحن نعتمد على قيادة منسجمة وراء مسؤول واحد هو الأمين العام، ولها الثقة في المكتب السياسي واللجنة المركزية، نحن الآن نقوم بالتحضير للانتخابات بشكل لا خلاف فيه، واختيار المترشحين يتم بصفة مطابقة لقوانين الحزب وللقواعد المرسومة· وفق هذا المسار نعمل على الفوز بأغلبية تنبثق عنها الحكومة، ونسعى لأن يكون كل من رئيس الحكومة ورئيس المجلس من أغلبية جبهة التحرير· سيد بلعياط، عندما تتحدثون عن كونكم حزب الأغلبية وسعيكم لأن تبقوا كذلك، ترتفع بعض المخاوف لدى أكثر من طرف بشأن مسألة التعددية، حيث يُثار أنكم تحنون إلى أيام الواحدية· هل ترغبون في التفرد بالحكم في حال فزتم بأغلبية مريحة؟ اليوم مثل البارحة، بشأن مسألة التعددية، فمنذ انتخابات 12 جوان 1990 صرحنا ومازلنا نصرح (ونصر على هذا التصريح) أننا لن نحكم وحدنا نظرا للظرف الصعب الذي لاتزال تعاني منه الجزائر· واليوم أكثر من ذي قبل نحتاج إلى الاشتراك مع غيرنا ممن يقاسموننا الأفكار والبرامج والتوجهات لتسيير البلاد في البرلمان وفي الهيئة التنفيذية، ويمكن أن نجمع إمكانياتنا مع الأحزاب القريبة منا، للفوز على التيارات والقوائم التي لا تتفق مع ما نراه ضروريا للمرحلة القادمة· وتسيير البلاد في الهيئة التشريعية والتنفيذية يتيح لنا كذلك تسيير الجهاز الإداري والاقتصادي والدبلوماسي، طبعا إذا ضمنا استتباب الأمن واستعادة العافية، معتمدين ومدعمين وحريصين على مكانة الجيش الوطني الشعبي دستوريا وسلامة تنظيمنا أمنيا ضمن قوانين الجمهورية· كما إن الفسيفساء في تشكيل المجلس القادم قد تكون حبلى بصعاب دستورية، لأن ما عشناه في ,2011 خاصة في المنطقة العربية، يدعو إلى التبصر والحيطة والحذر· مقاطعة: على ذكر الأوضاع في بعض الدول العربية، يبدو حزب جبهة التحرير الوطني أقرب وأميَل للدفاع عن الأنظمة، حيث تتحفظون غالبا في وصف ما حدث بالثورات الشعبية؟ إن ما جرى في كل من تونس ثم مصر ثم اليمن، وبصفة شبه مختلفة في البحرين، وبصفة أكثر خطورة في ليبيا، تشترك مسبباته وأسبابه في ممارسة غير رشيدة وغير مسؤولة في الأساليب السلطوية في هذه البلدان، التي لم يجد فيها الرأي العام متنفسا، أو حرية، وزادُه، وزادَه الفساد بكل أنواعه، مما أثار في الشعب وخاصة الشباب اليأس في تغيير الأوضاع! هذا الواقع عرفته هذه البلدان قرابة أربع عشريات، فلم يعد أحد يتحمله، لكن هذه السبب الداخلي ليس وحده يبرر ما حدث في 2011! إن الرؤى الاستعمارية الجديدة وأدواتها المخابراتية عند الغرب حضرت الوقد واستغلته وأشعلت النار وفتكت بالسيادات الوطنية في جميع هذه الأقطار، وكانت تناور من وراء الستار في البداية، وجهارا نهارا بعد ذلك، حتى بالقنابل والإنزالات والحلف الأطلسي! وقد كانت النتيجة واحدة في جيمع هذه الأقطار وهي بروز التيار الإسلامي، الذي لم يكن يجد متنفسا طيلة 30 أو 40 عاما، ولذلك لايمكن مقارنة هذا، مع الحالة الجزائرية، حيث عرف هذا التيار داخل الحزب الواحد، ولو بشكل سري، ولما دخلنا التعددية خرج إلى العلنية، فحدث ما حدث· يبدو الموقف الجزائري في اجتماعات الجامعة العربية أقرب إلى النشاز منه إلى الإجماع العربي بشأن الموقف من الأحداث في المنطقة، كيف تقرأون هذا؟ مثلما ذكر بها الأخ الأمين العام، فالجامعة العربية لم تعد جامعة ولا عربية· وهذه العصبة التي أنشأها الإنجليز أصبحت أسوأ من التصور الذي وضعه الإنجليز لها، فقد وصل بها الحال إلى أن تحرض الغير على ضرب أحد أعضائها، وهو الأمر غير المقبول، تماما لكن المقاومة التي تبديها سوريا، تدفعهم إلى مراجعة حساباتهم· نعم نحن نأسف لما يحصل في هذا القطر العربي الشقيق، ونرى أن الناس يرفضون نظاما أحاديا منغلقا (حتى لا أقول مستبدا)، لكن هذا لايبرر الاستعانة بالأجنبي لقتل أبناء الوطن الواحد· إن تعقد الموضوع السوري، باعتبار البعد الإقليمي الذي يعني حزب الله وإيران والعراق، يؤكد أن خطط الحلف الأطلسي وحسابات الشرق الأوسط الكبير قد تكون أحيانا معاكسة ومنتجة لواقع مغاير تماما لرغبات القوى الإمبريالية· مقاطعة: لكن ”الأطلسي” هو الذي تدخل لحماية المدنيين في ليبيا، وليس العرب؟ لا يمكن أن نقنع أحدا أن الحلف الأطلسي هو حمل وديع، أو فاعل خير يسعى في صالح الشعوب العربية لوجه الله· إن الرؤية الاستعمارية المتجددة (الشرق الأوسط الكبير) فتحت كل الأطماع بعد سقوط أنظمة القذافي وبن علي ومبارك، حيث يظل الهدف المشترك لأمريكا وأوربا هو استمرارهما في بسط نفوذهما في صيغة استعمار جديد يريد الهيمنة على الثروات والقرار الوطني في كل بلد· وبالتالي فلا مجال للتبجح والتغني (وأحيانا بصفة ساذجة) بأن ثورات وقعت هنا وهناك وحققت نجاحات كبرى· هذا لايعني أنني أقلل أو أستهتر بتضحيات من قاموا بتلك الأحداث أو أتعاطف مع الاستبداد لكن لا يجب أن تأتي هذه التضحيات الشرعية لتغطي أو تبرر أو تفسح المجال لأفكار استعمارية ينبغي الحذر منها، لأنها رجس من عمل الشيطان فاحذروه· هل ستبقى الجزائر استثناءً مما حدث ويحدث في الدول العربية؟ قلتها وأعيدها: إن الذي حدث في بعض الأقطار العربية لا يمكن أن يحدث في الجزائر لأن عندنا رأيا عاما وطنيا ”فايق لهذي الحيلة”، والأمل معقود على أن يختار الشعب من يدرك أبعاد هذه المؤامرة، ويتصدى لها ولا يخشى في ذلك لومة لائم· كما إن فوز تيار سياسي في قُطر، أو مجموعة أقطار، لايعني بالضرورة فوزه في جميع الأقطار· إن في مثل هذا القول سذاجة سياسية وفكرية، فالنظريات والقوانين العملية للمجتمعات تعطي لكل مجتمع خصوصياته التي تحكم قرارات ومواقف أفراده· هل سيترشح السيد بلعياط للانتخابات التشريعية ؟ أولا، الترشح في حزبنا متاح للجميع من المناضلين والمحبين والمناصرين، حيث يرجع الأمر أساسا إلى القاعدة النضالية، وكما تعلمون أنا مرتبط بالقاعدة باستمرار· ويبقى للأمين العام والمكتب السياسي، بعد الاستئناس برأي القاعدة في المرشحين، بلورة التقدير الأخير فيما يخص كل مترشح، ولا توجد أفضلية لهذا أو ذاك إلا في إطار المقاييس القانونية والحزبية· وأنا مرتاح لهذا الإجراء ولي كل الشرف إن فزت بقرار القيادة لتدعيم فوز الحزب عند قرار الشعب·