انتقل إلى رحمة الله تعالى لخضر بن طوبال المدعو سي عبد الله أحد القادة التاريخيين للثورة مساء يوم السبت، عن عمر يناهز ال87 سنة، ليُدفن معه جزء آخر، كبير، من أسرار ثورة التحرير المباركة، بالنظر إلى وزنه الكبير في الحركة الوطنية باعتباره أحد أكبر صانعي الثورة والاستقلال من جهة وبالنظر إلى جنوح الرجل للصمت المطبق في أواخر حياته الحافلة بالأحداث المثيرة، من جهة ثانية، ليتواصل بذلك "نزيف المجاهدين" الذين فقدت الجزائر عددا كبيرا منهم في السنوات الأخيرة. ودّعت الجزائر مساء أول أمس شخصية بارزة تتمثل في الراحل ابن طوبال الذي يعد أحد أبرز صانعي ثورة نوفمبر المجيدة، ليكون آخر الراحلين من المجموعة التي تعرف بجماعة الباءات الثلاث التي تضم إضافة إليه كلا من عبد الحفيظ بوصوف وعبد الكريم بلقاسم، وبرحيل بن طوبال يكون المهتمون بالتاريخ وكتابته قد فقدوا "صندوق أسرار" هام، لتتواصل عملية دفن أسرار الثورة في قبور صانعيها ورموزها، في انتظار كشف النقاب عن مذكرات "محتملة" قد يكون الراحل كتبها أو رواها لمقربيه وطلب عدم الكشف عنها قبل رحيله المحتوم. وليس خافيا على أحد المشوار النضالي الكبير الذي يمتلكه المجاهد الراحل لخضر بن طوبال، وهو من مواليد سنة 1923 بميلة، الذي بدأ نشاطه النضالي ضمن الحركة الوطنية وهو في السابعة عشر من عمره، بداية من سنة 1940، حيث انضم إلى حزب الشعب الجزائري وأصبح مسؤولا عن هذا الأخير بمنطقة ميلة. وبصفته عضوا بالمنظمة الخاصة خلال 1947/ 1948 في الشمال القسنطيني كان موضوع بحث من طرف السلطات الفرنسية وتم الحكم عليه غيابيا سنة 1951 لدى محاكمة أعضاء المنظمة الخاصة. وأصبح لخضر بن طوبال عضوا بالمجلس الوطني للثورة الجزائرية المنبثق عن مؤتمر الصومام في أوت 1956 وتليها بلجنة التنسيق والتنفيذ. وفي سنة 1956 أصبح الفقيد مسؤولا عن الولاية الثانية خلفا لزيغود يوسف الذي سقط في ميدان الشرف ليتقلد بعدها رتبة عقيد. وفي أفريل سنة 1957 انتقل بن طوبال إلى العاصمة التونسية رفقة كريم بلقاسم وبن يوسف بن خدة حيث التحق في أوت من نفس السنة بلجنة التنسيق والتنفيذ الثانية. وفي أفريل 1958 أصبح بن طوبال مكلفا بدائرة الداخلية وعضوا في لجنة التنسيق والتنفيذ الثالثة بالقاهرة. ليعين بعدها وزيرا للداخلية في الحكومة المؤقتة الأولى للجمهورية الجزائرية يوم 19 سبتمبر 1958 بالعاصمة المصرية القاهرة قبل أن يتم إعادة تعيينه في 18 جانفي 1960 بمدينة طرابلس الليبية. وقد شارك لحضر بن طوبال بصفته عضوا في بعثة الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في مفاوضات "روس" قرب الحدود السويسرية من 11 إلى 19 فيفري 1962 وفي مفاوضات إيفيان في مارس 1962. وبعد الإستقلال تقلد السيد بن طوبال منصب الرئيس-المدير العام للشركة الوطنية لصناعة الحديد والصلب ورئيس مجلس إدارة الإتحاد العربي للحديد والفولاذ هيئة عربية مقرها بالجزائر وذلك ابتداء من 15 جانفي 1972. واختار المجاهد الراحل ابن طوبال في السنوات الأخيرة من عمره أن يتوارى عن الأنظار وعن أضواء وسائل الإعلام، حيث عُرف بتفاديه للأحاديث الإعلامية وكذا الظهور في المناسبات الرسمية، وهو ما فوّت على الرأي العام إمكانية التعرف عن محتوى "حقيبة أسرار" الراحل لخضر بن طوبال. أويحيى: "الجزائر فقدت فيه أحد أبرز رجالاتها" بعث الوزير الأول السيد أحمد أويحيى ببرقية تعزية إلى أسرة الفقيد المجاهد لخضر بن طوبال الذي وافته المنية يوم السبت أبرز فيها أن الجزائر فقدت فيه أحد أبرز رجالاتها الذين ارتبط اسمهم بكل المحطات الهامة لثورة أول نوفمبر المجيدة. وجاء في برقية الوزير الأول "لقد تلقيت بمزيد التأثر والحسرة نبأ رحيل المجاهد الكبير والمناضل الفذ السيد لخضر بن طوبال أفاض الله على روحه الطاهرة رحمة ومغفرة وثوابا الذي انتقل إلى جوار ربه بعد مسيرة مشرفة وعمر حافل بالبطولات و جلائل الأعمال". وأكد السيد أويحيى في برقيته أن "الجزائر بفقدانها لهذا المجاهد الكبير تكون قد فقدت أحد أبرز رجالاتها الذين إرتبط إسمهم بكل المحطات الهامة لثورة أول نوفمبر المجيدة قبل اندلاعها وفي خضمها وإلى غاية استقلال البلاد واستعادة السيادة الوطنية". وأضاف الوزير الأول في برقيته لعائلة الفقيد "وأمام هذا الخطب الجلل لا يسعني إلا أن أتقدم إليكم بإسمي الخاص وباسم الحكومة ومن خلالكم إلى كل أصدقائه ومحبيه وإلى الأسرة الثورية عامة بأخلص عبارات التعازي وأصدق المواساة داعيا المولى العلي القدير أن يتغمد روح الفقيد بألطاف رحمته ويكرم مثواه وأن يدخله مع الأبرار الصادقين جنات الخلد والرضوان وحسن أولئك رفيقا كما أسأله تعالى أن يفرغ في قلوبكم وذويه جميعا صبرا جميلا وأن يعوضكم في الفقيد خيرا وفيرا وأن يعظم لكم أجرا جزيلا بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته".