لم يسبق في تاريخ بطولة القسم الوطني الأوّل أو كما تسمّى اليوم الرياضة المحترفة الأولى، وأن شهدت موجة المدرّبين الأجانب على رأس العارضة الفنّية للكثير من الفرق إلى درجة أن عددهم وصل عند خطّ الانطلاقة إلى ثمانية مدرّبين، قبل أن يتقلّص العدد إلى سبعة عقب إقدام إدارة مولودية الجزائر على إقالة المدرّب الفرنسي جون بول رابيي على خلفية خسارة المولودية أمام الجار اتحاد العاصمة برسم الجولة الثالثة من البطولة. التهافت الكبير لرؤساء الأندية على التقنيين الأجانب هذا الموسم أضرّ كثيرا بالمدرّب المحلّي، حيث انخفضت بورصته في سوق (الطلب) إلى درجة أن الكثير من المدرّبين باتوا منبوذين من طرف الكثيرين، فيما اختفى البعض منهم. (أخبار اليوم) ستغوص في أعماق الموضوع وسنتحدّث عن حقيقة المدرّب المحلّي، وقبل التحدّث عن الكثير من التقنيين الجزائريين الذين فشلوا في مهنة التدريب بعد اعتزالهم اللّعب، نتوقّف مع شيخ المدرّبين الجزائريين رابح سعدان، وكيف خرج من تدريب (الخضر) من النّافذة وهو الذي دخله من الباب الواسع. سعدان دخل المنتخب برأس مرفوعة وخرج مكسورا قد لا ينكر أحد الدور الكبير الذي لعبه المدرّب رابح سعدان مع المنتخب الوطني، إذ يكفي أن نقول بشأنه إنه قاد (الخضر) مرّتين إلى نهائيات كأس العالم، المرّة الأولى عام 1986 بالمكسيك والثانية إلى جنوب إفريقيا 2010، أقول بالرغم من كلّ هذا إلاّ أن (المسكين) خرج من المنتخب الوطني من الباب الضيّق، وحتى نكون صرحاء مع أنفسنا فقد أخرج سعدان ولم يخرج نفسه. المهمّ أن رابح سعدان يوجد حاليا دون فريق، في وقت تحدّث فيه مؤخّرا عن تعيينه على رأس الإدارة التقنية في الاتحادية الأردنية خلفا للمرحوم المصري محمود الجوهري. هل جيل الثمانينيات مدرّبون فاشلون؟ لو قمنا بعدّ أسماء لاعبي المنتخب الوطني خلال حقبة الثمانينيات، والذين دخلوا بعد اعتزالهم اللّعب عالم التدريب نجد أن غالبيتهم فشلوا في مهمّتهم، فرغم أن البعض منهم وفّقوا في بداية الطريق إلاّ أنه سرعان ما وجدوا أنفسهم خارج الطريق، فكان لزاما عليهم أن يقرّروا ترك هذه المهنة النبيلة لأصحابها. أوّل مدرّب يجب أن نتوقّف معه هو صاحب الكعب الذهبي مصطفى رابح ماجر، صحيح أن هذا الأخير كان لاعبا موهوبا وصحيح أنه قدّم للكرة الجزائرية كلاعب ما لم يقدّمه أيّ لاعب آخر، لكن حتى وإن احتكّ بالكثير من المدرّبين خلال الفترة التي كان فيها لاعبا إلاّ أنه وبعد اعتزاله اللّعب عام 1993 مع نادي العربي القطري أشرف فيما بعد على تدريب المنتخب الوطني خلفا للثنائي المبعد مزيان إيغيل وعبد الرحمن مهداوي على خلفية مهزلة مراد كعروف خلال صائفة عام 1993، لكن ماجر لم يعمّر طويلا وتمّت إقالته، وحتى إن عاد مجدّدا إلى قطر ونال مع نادي الوكرة القطري لقب البطولة، لكن عودته مجدّدا إلى تدريب المنتخب عام 2001 كانت أكثر من فاشلة. صحيح أن ماجر أبعد من الجهاز الفنّي من طرف الرئيس الحالي للاتحادية الجزائرية لكرة القدم، لكن كيف نفسّر أن ماجر ومنذ عام 2002 لم يشرف على تدريب أيّ فريق ولا أيّ منتخب كان. بن شيخ.. مرزقان.. فرفاني وآخرون ما قيل عن ماجر قد يقال عن الكثير من زملائه في المنتخب الوطني خلال عشرية الثمانينيات، ونخص بالذّكر كلاّ من بن شيخ، فرفاني، بن ساولة، كويسي وأخرين. فقائمة لاعبي المنتخب الوطني في عزّ أيّامه الذين دخلوا عالمي التدريب بعد اعتزالهم اللّعب جلّهم لم يوفّقوا في مهمّتهم، فعلى سبيل المثال لاعب المولودية سابقا علي بن شيخ ورغم أنه كان معبود جماهير المولودية حين كان لاعبا، لكن بعد دخوله عالم التدريب لم يوفّق. إضافة إلى رابح ماجر وعلي بن شيخ، قائمة المدرّبين الذين لم يوفّقوا ضمّت الكثير من الوجوه الرياضة التي كانت بالأمس القريب محلّ إعجاب وتقدير الجمهور الرياضي الجزائري. فابن مدينة حمّام بوحجر وصانع ألعاب مولودية وهران تاج بن ساولة هو الآخر لم يوفّق في عالم التدريب بدليل أنه لم يعمّر في أيّ فريق كان، وكلّما أشرف على فريق ما من الغرب الجزائري إلاّ وتمّ إبعاده أحيانا، ليقرّر بعد ذلك اعتزال عالم التدريب والتوجّه إلى التجارة. علي فرفاني هو الآخر لم يوفّق، فحتى وإن جرّب حظّه في الكثير من النّوادي المحلّية والعربية، وحتى مع المنتخب الوطني، لكن بالرغم من كلّ المدّة التي قضاها ابن النّصرية ظلّ الفشل يطارده. الفشل لم يطل تلك الأسماء فقط، بل طال لاعب شباب بلوزداد والمنتخب الوطني في سنوات منتصف السبعينيات وعشرية الثمانينيات مصطفى كويسي، فرغم تولّيه تدريب العديد من النّوادي المحلّية، بل وأشرف حتى على تدريب شباب بلوزداد، لكنه في كلّ مرّة كان يصطدم بالواقع وهو عدم قدرته على ولوج علام التدريب، فقرّر اعتزال التدريب. مدرّبون باللّسان فقط أوّل مدرّب قد نتوقّف عنده هو توفيق قريشي، كلّنا نعرف هذا المدرّب باعتباره يدخل بيوتنا دون استئذان من خلال تحليلاته لمباريات البطولة الوطنية، هذا المدرّب ومع احتراماتنا له لم يوفّق في عالم التدريب بدليل أن أيّ فريق يشرف عليه إلاّ وتجرّع مرارة الخسارة والهزائم النّكراء، وكلّنا نتذكّر كيف تلاعب المنتخب الموريتاني للأشبال بمنتخبنا الوطني قبل سبع سنوات من الآن، حيث خسر (الخضر) أمام هذا المنتخب ذهابا وإيّابا فتمّ إبعاده من تدريب المنتخب، وهناك من اقترح معاقبته مدى الحياة لما فعله بأشبال (الخضر)، ومنذ تلك السنة وقريشي ما يزال يبحث عن فريق يشرف على تدريبه. ومن بين المدرّبين الذين لم يوفّقوا نجد اسم بوعلام لعروم، أحد التقنيين الجزائريين المعروفين، لكن للأسف ما تعلّمه في عالم التدريب فشل في تكريسه في جميع النّوادي التي أشرف عليها، وحين أصبح في خانة المدرّبين المرفوضين استنجد به رئيس (الفاف) محمد روراوة وعيّنه في منصب تكوين المدرّبين في الاتحادية. مدرّبون "بزناسية" يأتي على رأس أسماء المدرّبين الذين باتو يعرفون باسم (الشحّامين) ابن مدينة تلمسان أحمد سليماني، فهذا المدرّب بات معروفا بعدد الفرق التي أشرف على تدريبها كلّ موسم، وكلّ فريق يشرف عليه إلاّ وينهب أمواله، فسليماني صورة حقيقة للمدرّب الجزائري (الفاشل). وعلى غرار سليماني، هناك مدرّبون آخرون يستحقّون أن نتوقّف عندهم، في مقدّمتهم الثنائي عبد الكريم لطرش والقائمة طويلة لأسماء في الواقع تصلح ل (التبزنيس) أكثر من التدريب. العجيب في البعض من هذه الأسماء أنها تفضّل مباشرة عملها بعد انطلاقة البطولة، أي بعد أن تبدأ بعض الرؤوس في السقوط، فإذا وفّق هؤلاء المدرّبون ينسبون نجاح فرقهم إليهم، وإذا أخفقوا ينسبونه إلى من كان يشرف على هذا الفريق. مدرّبون في طريق النّسيان في خضّم كلّ الأسماء التي ذكرناها هناك أسماء في طريقها إلى النّسيان والزّوال، فسعيد حمّوش ورغم نجاحه في تدريب مولوديه سعيدة إلاّ أنه يوجد الآن دون فريق، شأنه شأن زميله في المهنة مصطفى بسكري. فهذا الأخير لا يوجد فريق في الجزائر لم يشرف على تدريبه، إلى درجة أنه بات يطلق عليه بالمدرّب (الرحّالة). ابن النّصرية آيت الحسين، ورغم الإنجازات الكبيرة التي حقّقها في زمن ما مع فرق مثل شباب برج منايل ونصر حسين داي وحتى مع أولمبي العناصر بات الآن في طيّ النّسيان ولا نعرف أين هو. موسى صايب هو الآخر دخل خانة النّسيان، فبعد نجاحه في بداية الطريق مع شبيبة القبائل حيث قاده للتتويج بلقب البطولة الوطنية موسم 2007/2008 إلاّ أنه فشل في عالم التدريب. مدرّب آخر الكثير تناسى اسمه، إنه نور بن زكري. ذلكم باختصار واقع التدريب في الجزائر، واقع مرّ ومؤلم، خاصّة إذا علمنا أن هناك بعضا من المدرّبين يعرضون أنفسهم على رؤساء الفرق، ولنا عودة إلى هؤلاء في أعدادنا القادمة.