عرفت السوق الجزائرية مؤخرا موجة جديدة في عالم الأزياء تمثلت في تكثيف تجارة الألبسة الشرعية النسائية، التي حققت رواجا منقطع النظير نظرا للعدد الهائل من النساء المتحجبات في مجتمعنا الإسلامي المحافظ، ونظرا أيضا للنماذج الجديدة المعروضة من حجاب وجلابيب، فساتين ذات أكمام طويلة، خمارات من مختلف الألوان والأنواع. وقد أدرك المستثمرون والتجار أهمية الاتجار في الألبسة الشرعية بالنسبة للسوق الجزائرية، ومدى الحاجة إليها من قبل النساء المحجبات، فعرفت الجزائر قفزة نوعية في هذا المجال بعد طول افتقار خلال العقود الماضية، مما كان يجبر المرأة الجزائرية على الاستنجاد بالمنتجات العربية ولو بأسعار جد باهظة. محلات تتخصص في الحجاب في معظم محلات العاصمة، كما في العديد من شوارع المدن الأخرى تنتشر محلات متخصصة في بيع الألبسة الشرعية فقط، تتلاءم والتعاليم الإسلامية، وكذا التوجه الاجتماعي العام أي المجتمع الجزائري، وحسب العديد من أصحاب هذه المحلات فإن هذا النوع من السلع مطلوب بكثرة في السوق المحلية، وقد راج كثيرا في السنوات الأخيرة، فكثيرات هن النساء والفتيات اللواتي يرتدين الحجاب، وبالتالي فإن مثل هذه المحلات هي أكثر من ضرورة في عصرنا الحالي. وتعج العاصمة بالواجهات التي تعرض أزياء محلية، إلى جانب تعاقد شركات خاصة مع مؤسسات أزياء شرقية، خليجية وسورية وسعودية على وجه الخصوص، (نسرين) مثلا تطلب الثوب السعودي وتراه الأنسب لها، كونه يجمع بين الأناقة والاحتشام فهو طويل وفضفاض وأكمامه طويلة وزركشاته دقيقة ومتقنة، بينما ترى آمال في العباءة الخليجية الثوب الخارجي الأمثل كونه لا يغلق على الجسم إلا من خلال زرين اثنين في الغالب، أحدهما عند العنق، والثاني عند الركبة وهذا ما يسمح بارتداء أي نوع من الألبسة التحتية وبحرية، من جينز وتنورات أو فساتين، أو أي شيء. ويقول أحد تجار الألبسة إن الكثير من النساء يبحثن عن لباس محتشم، وأنيق ويلائم في الوقت نفسه الموضة، وذلك لحضور حفلات الأعراس والمناسبات السعيدة، ولأن فصل الصيف حار في الجزائر فالفتيات يفضلن استعمال زي خفيف على الجسد، فضفاض ومريح وهو ما لا توفره الصناعة المحلية غالبا، كما أن الصيف يفرض على الناس تغيير الملابس يوميا، لذلك كان التخصص في تلبية الطلبات النسائية من مختلف الأزياء الشرعية أمرا ضروريا، ومن هنا بدأت مغامرة الاتجار في اللباس الشرعي التي تكللت بنجاح لا يوصف، ولم يكن في تصور أكثر التجار تفاؤلا. ساجدة تفوز بالريادة فازت محلات ساجدة بشهرة واسعة بين النساء الجزائريات رغم غلاء أسعارها، فلا يقل ثمن العباءة أو الحجاب عن 5000 دج وقد يصل ثمن الخمار إلى 4000 دج في بعض الأحيان، أما عن ثمن طقم مكون من قطعة عليا وتنورة طويلة فيصل إلى 10.000 دج بينما قد يصل ثمن معطف مرفق بسروال إلى 12.000 دج. أما الحجابات العادية اليومية، فيتراوح ثمنها بين 2000 دج و3000 دج، فكيف لطالبة جامعية، حسب إحدى الفتيات- أو عاملة بمرتب شهري بسيط تستهلك المواصلات معظمه، أن تشتري من هذه المحلات التجارية، التي تبيع ملابس تتمناها كل فتاة ترغب في تطبيق دينها الحنيف والحفاظ على قيم مجتمعها الأصيل، والتماشي مع الموضة في آن واحد؟ وفي هذا الصدد يقول عبد الرحمان وهو تاجر ألبسة شرعية (أصبح اللباس الشرعي من حجاب وعباءة وملاءة أول ما تقتنيه المرأة الجزائرية المحجبة، وأعترف أننا نحن التجار، قد قمنا بمغامرة منذ سنوات حين اخترنا التخصص في الألبسة الإسلامية فلم تكن الجزائر قبل عقد واحد من الزمن تعرف مثل هكذا تخصصات، ولكننا فوجئنا بنجاح غير متوقع في مدة هي أقصر بكثير من كل ما توقعنا). ويقول مازن وهو تاجر من أصل سوري يعمل بالشراكة مع رفيق الجزائري (بما أن الجزائر دولة مسلمة، فقد لاحظت أن أكثر الفتيات والنساء متحجبات ولهذا ارتأيت أن أستثمر أموالي في الاتجار باللباس الإسلامي الشرعي، ولهذا أيضا فقد حضرنا لهذا الصيف نوعا خاصا من العباءات وننتظر أن يلقى رواجا منقطع النظير). وبما أن التاجر يهمه جدا توفير طلبات الزبائن ورواج سلعه، فإنه يحاول دائما تلبية كل الأذواق، فيعمل على مسايرة الموضة، والاهتمام في الآن ذاته بكل ما يدخل ضمن التقاليد والتعاليم الدينية للمجتمع الجزائري. وتنتشر سلسلة هذه المحلات، أي محلات ساجدة في باش جراح والأبيار وبن بولعيد.. كما تنتشر في وهران وعنابة وغيرها من المدن الجزائرية الأخرى، وحتى في المدن الصغيرة وتسوق منتوجات عربية متنوعة، جزائرية، سورية، أردنية، خليجية... إلخ. كما أنه لهذه المحلات إثارة كبيرة في طريقة عرضها السلع، فهي تجتذب انتباه المارة والنساء تحديدا، وتقول عدة سيدات التقتهن (أخبار اليوم) في محل ساجدة الواقع في قلب الجزائر العاصمة إن محلات ساجدة هي أكثر ما يدور على ألسنة السيدات في اللمات العائلية أو في الأعراس وما إلى ذلك، فملابسها تتميز بالجودة والنوعية الرفيعة، سواء من حيث المنتوج، أو من حيث طريقة عرض السلع، وكذا اطلاع السيدات على الكاتالوغ الخاص بالمحل، وإمكانية الطلب المسبق وخدمة إيصال اللباس المشترى إلى غاية المنزل، ولذلك يكثر طلب السيدات على سلعها وخدماتها، رغم غلائها الفاحش فيما يخص بعض الموديلات. وللصناعة المحلية مكانها أيضا ويحرص التجار منذ ظهور هذه المحلات في الجزائر منذ أزيد من ثلاث سنوات على الحفاظ على التميز والريادة، والتفنن في تنويع الأذواق والنماذج، وكذا توفير أكبر كمية من السلع التي تجمع بين الأناقة والجمال من جهة، وبين مراعاة ثقافة المجتمع الجزائري وحياء الفتاة الجزائرية، والاهتمام بتقديم كل ما يخدم العقيدة الإسلامية، من خلال الجبة السعودية، والعباءة الأردنية والباكستانية، والملاءة السورية والخليجية، إضافة إلى الجلابة الجزائرية، أو حتى الجبة المغربية المعروفة كثيرا في الغرب الجزائري كلباس خارجي محتشم للمرأة المتزوجة، كما تعمل على توفير اللباس المحتشم الخاص بالأعراس والمناسبات، مع الإشارة إلى أن كل المحلات الخاصة بالحجاب الشرعي سواء منها ساجدة أو غيرها من المحلات الأخرى تكون الجودة هي المقياس الوحيد فيها، ولا دخل لأي اعتبار آخر في تحديد الحركية الشرائية بها. لكن الغلاء الفاحش في بعض الأحيان قد دفع بأعداد كبيرة من الفتيات والنساء من الطبقات البسيطة إلى الاستغناء عن هذه الموديلات الجديدة والاكتفاء بالنماذج المحلية المعروفة منذ سنوات، حيث الأسعار في متناولها كما أن عنصر الجودة فيها غير غائب، فحجاب عادي قد لا يتجاوز 2000 دج والعباءة يقدر سعرها بين 2500 دج إلى 4000 دج، أما العباءة المناسباتية فهي في حدود 6000 دج.