بقلم: عبد القادر حمداوي شيدت فرنسا في بلدية مناصر العديد من المراكز للمراقبة ووزعتها على مختلف الجهات. ودعمتها بقوات العدو الأجنبي وبمعدات حربية كبيرة وكانت قافلة تقوم بتوزيع المواد الغذائية على المراكز العسكرية المنصبة على قمم الجبال: سيدي سميان، تيزي فرانكو، اعزبن، تيداف.. لقد كان لجيش التحرير الوطني خلال هذه المرحلة وتبعا للوضعية التي كانت عليها هذه المنطقة، التي تقع في جنوب مناصر لبني بوصالح الممتازة في منحدرات خطيرة المناضلة موقعا استراتيجيا هاما، كان سكانها استعدوا عن بكرة أبيهم منذ اندلاع الثورة للعمل في صفوفها، الأمر الذي جعل العدو يوسع قاعدته الأمامية لقواته من أجل عزل المواطن عن الثورة. فكرت قيادة الفصائل بتنظيم عمليات وهجوم على قوة العدو، احتفظت القيادة بسرية تامة.. درست القيادة أسبوعا كيفية تنفيذ العملية، وقد تم تعيين عدة أماكن للتموقع بقصد الهجوم على القافلة، وعندئذ تمركز المجاهدون في المكان يراقبون عودة القافلة. طريق تكسوه الغابة الكثيفة والمنعرجات الخطيرة والمنحدرات ومن أعلى الجبل أخذت القيادة في مراقبة الطريق وما يحيط بها لاختيار المكان المناسب والذي يلائم قدرات وإمكانيات جيش التحرير الوطني. وبعد الملاحظة الدقيقة للمكان تم اختيار المكان عاري تحت الجبل موقعا لنصب الكمين. قام سي موسى بدراسة الخريطة مع إخوانه المجاهدين، كان يخطط بذكاء حاد لأنه متمرن في هذه العمليات فلقد شارك وشاهد حرب الفتنام ولأنه يتطلب مساحة كبيرة وتحديد النقاط. وفي يوم الخميس 9 جانفي 1957 بدأ الغروب يقترب رويدا رويدا، زحف المجاهدون نحو الطريق المؤدي إلى مناصر على الساعة الثانية زوالا. بلغت القيادة المجاهدين القيام بالكمين وقامت بشرح الأسباب التي تقضي القيام به. أمرت القيادة المواطنين الذين كانوا مع المجاهدين بعدم الدخول في المعركة فانسحب المواطنون من المكان. بدأ تنصيب الكمين دون أن ينطق أحد بكلمة حيث كانت إشارة القائد سي حمدان هي الأوامر والتعليمات. أخبرت الحراسة بأن القافلة قادمة. وفي قلب الموقع للكمين نصب القطعة الرشاشة /24 في موقع مرتفع حتى تشرف على الكمين كله. وصدرت إليها الأوامر بأن تضرب في البداية سيارة العدو التي تتقدم القافلة. خيم على الجميع صمت رهيب وطال انتظار لقد ظن البعض أن القائد يريد منهم أن يلقى عليهم القبض أحياء بدون رصاص. أمر بأن لا يطلق النار أحد منهم قبل التعليمات. أخبرت الحراسة أن شاحنات العدو تتقدم في اتجاه المكان، واتفق الجميع على الإشارة. أخذ سي حمدان الاستعداد لمواجهة العدو واتخذ وضعية القتال والتزم الصمت والسكون وبدأت في نفس الوقت تصل إلى أسماع المجاهدين أصوات محركات الشاحنات تتقدم إلى أن بلغت مدخل الكمين. لوحظ أن القافلة تتكون من 7 شاحنات وسيارتين من جيب، أدرك المجاهدون أن التخطيط الحسن يضمن النجاح. ترك مساحة تمركز المجاهدين على جانب الطريق طويلة، تقدمت القافلة في شبكة الكمين. لم تتفطن إلى المجاهدين لتمويههم الجيد، حيث أعطى إشارة بداية الهجوم فانهال المجاهدون على قافلة العدو، وصبت القطعة الرشاشة نيرانها على مقدمة القافلة. ثم في لمح البصر ثم القضاء عليها وفي نفس الوقت تصدى المجاهدون للقافلة بنيران بنادقهم الكثيفة، وقنابلهم القوية، فراحوا يتصيدون أي عسكري يظهر لهم. بدأ العدو ينزل إلى الأرض والاختباء وراء الشاحنات، وكان ذلك فرصة للمجاهدين يتولون فيها اقتناص أفراد العدو الباقين ونتيجة للخسائر الفادحة التي وقعت في صفوف العدو في اللحظات الأولى للمعركة، بفضل التنظيم المحكم وتطبيق الأوامر والضرب المركز الذي ساعد على عدم وقوع أي خلل أثناء الاشتباك. أمر القائد ترك مراكزهم واقتحام الشاحنات فاندفع المجاهدون بكلمة (الله أكبر) نحو الشاحنات وهم يواصلون إطلاق النار إلى أن بلغوا الطريق وهم قد أوشكوا القضاء على العدو المتناثر فوق الصخور وتحت الشاحنات. كانت نتائج تلك المعركة دافعا وحافزا لتسليح أفراد الفصائل بأسلحة متطورة وكان لها ما أرادت، الخسائر في صفوف العدو ونجا من القافلة اثنان فرا. غنم المجاهدون من القافلة أسلحة متطورة والمتنوعة وعددا كبيرا من الذخيرة والألبسة التي هم بحاجة إليها. تتكون وحدة جيش التحير الوطني التي خاضت هذه المعركة تضم حوالي 156 جنديا تابعة للقسم الثاني، الناحية الثالثة للمنطقة الرابعة للولاية الرابعة، واستشهد في هذه المعركة 4 مجاهدين ملبين نداء أول نوفمبر. كانت ردة فعل العدو كعادته بعد كل هزيمة نكراء، فصب جم انتقامه على سكان المنطقة والدواويرالمجاورة وزج بعشرات المواطنين في السجون. كما روجت وسائل الإعلام في الجزائر وخارجها بأن جيش التحرير الوطني لا يقدر مواصلة الثورة! ومن هنا تتجلى فكرة الثورة مستمرة حتى تزيل الشكوك التي علقت بأذهان مواطنيها بأن موت عدد كبير للفرنسيين في حرب قذرة والتعرف على الشائعات المسمومة التي تبثها وسائل الإعلام بكل ثقلها. إنه لا يزال على قيد الحياة الكثير ممن شاركوا في هذه المعركة، أطال الله في عمرهم. وصدق الله القائل:(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا). رحم الله شهداءنا وأسكنهم فسيح الجنان (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).