منذ ما يزيد عن الخمسين عاما والجزائريون ينتظرون اعتراف فرنسا بالجرائم التي اقترفتها قواتها ضدهم من أوّل يوم وطأت فيه أقدامهم النّجسة أرض الجزائر الطاهرة جرّاء انتهاجها لسياسة الأرض المحروقة وإبادتها لكلّ ما هو جزائري أو يرمز إلى أصالة وتاريخ هذا الشعب محاولة طمس هوية هذه القطعة المقدّسة من الوطن العربي وجعلها جزءا لا يتجزّأ من فرنسا فعمدت إلى محو كلّ ما له صلة بماضيها من تراث مادي ومعنوي وتخريب ما بني عليها من معالم وآثار تدلّ على رسوخ جذورها وتغلغلها في عمق التاريخ منذ عصور الحضارات الإنسانية الأولى، ولم تكتف بطمس التراث المادي والمعنوي لهذه الأمّة وإنما تعدّت أعمالها الإجرامية إلى الإبادة والتقتيل والتشريد والتعذيب على مرّ سنين مكوثها وجثومها على تراب الجزائر. كلّما حاول الشعب الجزائري المطالبة ولو بأبسط الحقوق والدفاع عن ممتلكاته وأعراضه واجهته عساكرها بالقمع والتجويع والتعذيب والسجن دونما فرق بين شيخ أو صبي أو امرأة، ممّا دفع أبناء هذا الشعب إلى مكافحة المستعمر كلّما سنحت له الفرصة ووجد إلى ذلك سبيلا بدءا بمقاومة الأمير عبد القادر فثورة الشيخ بوعمامة فالمقراني فلالة فاطمة نسومر وغيرها من المقاومات الشعبية إلى أن فعلت عساكر فرنسا فعلتها الشنيعة، والتي ستبقى كوصمة عار في جبين الجمهورية الفرنسية على مدى التاريخ وإلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها إن لم تعتذر فرنسا الرّسمية عليها للشعب الجزائري ألا وهي مذابح الثامن ماي 1945 اليوم الذي وجّهت فيه عساكر فرنسا آلتها الحربية بكلّ وحشية نحو متظاهرين عزّل في كلّ من مدينة سطيف وفالمة وخراطة لتقضي في يوم واحد على ما يزيد عن ال 45 ألف ألف جزائر، ناهيك عن الموقوفين والمعتقلين الذين واجهوا أبشع أنواع التعذيب والاستنطاق. وما فتئت القوات الاستعمارية تقتل وتذبح دونما حسيب أو رقيب حتى ضاق الشعب الجزائري بها ذرعا وأعلنها ثورة مسلّحة ضدها في الفاتح من نوفمبر 1954 في كافّة أنحاء وبقاع الجزائر كلّفته التضحية بما يزيد عن المليون ونصف المليون شهيدا سالت دماؤهم الزكية عربون فداء لحرّية الشعب الجزائري طيلة سبع سنوات ونصف من عمر الزمن لتنتهي بجلاء الجيوش الفرنسية وخروجها من أرض الجزائر ذليلة صاغرة. لكن جرائم الجيش الفرنسي لا تتوقّف عند هذه الأحداث فقط وإنما تتجاوزها إلى جرائم القتل العشوائي وحالات التعذيب والصعق بالكهرباء والشنق والحرق والاغتصاب، كان آخرها ضحايا التفجيرات النّووية برفان ولاية أدرار وضحايا مظاهرات 17 من أكتوبر 1961 عندما ألقى البوليس الفرنسي بما يزيد عن المئات من الجزائريين في نهر السين في باريس، والتي أدانها مؤخّرا الرئيس الفرنسي فرنسوار هولاند الذي أبدى نوعا من الليونة في سياسته الخارجية اتجاه الجزائر بغية تمهيد سبل التقارب والتعاون بين البلدين وإذابة ركام الجليد الذي خلفه سالفه اليميني المتطرّف ساركوزي بين العلاقات الجزائرية الفرنسية، والذي رفض الاعتراف بجرائم الجيش الفرنسي شأنه شأن كلّ شخصيات اليمين الفرنسي العنصرية المتطرّفة، والتي لا تروقها السياسة الخارجية المنتهجة من طرف اليساري هولاند الذي أزاح العنصري ساركوزي من على سدّة الحكم في فرنسا. بينما يراهن هولاند على تقوية العلاقات الجزائرية الفرنسية وتوسيع حجم التعامل الاقتصادي بين البلدين نظرا لما تتمتّع به الجزائر الآن من بحبوحة مالية قد تساهم في تقوية الاقتصاد الفرنسي الذي بدأ في الانهيار وتقيه من رياح الأزمة العاصفة به، والتي قد تؤول به إلى مآل اقتصاد الجارتين إسبانيا وإيطاليا وقبلهما اليونان. وحتى يحصل هولاند على مبتغاه لابد له هذه المرّة خلال زيارته للجزائر أن يبدي نوعا من الليونة في القضايا والملفات التي سوف تطرح على طاولة الحوار بينه وبين نظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والشخصيات السياسية في الجزائر خلافا لسابقيه ساركوزي وجاك شيراك وفي مقدّمتها ملف الاعتذار عن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية في حقّ الشعب الجزائري، وكذا تعويض ضحايا هذه المجازر وفي مقدّمتها مذابح الثامن ماي 1945 وضحايا التفجيرات النّووية برفان ولاية أدرار وأيضا ضحايا القنابل والألغام التقليدية المزروعة على الحدود الغربية والشرقية للجزائر وتسليم خرائطها واستعادة الأرشيف الوطني والقطع الأثرية المنهوبة خلال الحقبة الاستعمارية. كما أن هولاند لن يأتي إلى الجزائر خاوي اليدين، بل لديه أيضا قضايا سوف يقوم بطرحها على الطاولة للضغط على محاوريه، منها ملف الأملاك العقارية والمساكن التي تركها الحركة والمستوطنون الفرنسيون في الجزائر وملف رهبان تيبحيرين السبعة الذين تمّت تصفيتهم من طرف عناصر (الجيا) الإرهابية سنة 1996، والذين تصرّ الدوائر الرّسمية في باريس وخاصّة اليمينية المتطرّفة على اتّهام قوات الجيش الجزائري بقتلهم فنراها تثيرها في كلّ مرّة رغم حصولها على الدلائل والبراهين والقرائن التي تبرّئ ساحة الجيش الجزائري من ذلك، وكذا ملف التدخّل العسكري في مالي الذي تعارضه الجزائر جرّاء ما ينجرّ عنه من متاعب لها إن حدث، منها تدفّق اللاّجئين وجعل طول الشريط الحدودي والمدن والأراضي الحدودية الجزائرية المتاخمة لمالي مسرحا للعمليات العسكرية وكذلك تسلّل الجماعات الإرهابية وعودتها إلى الجزائر هروبا من قصف القوات الدولية المتدخّلة. تُرى هل سينجح هولاند في كسب ودّ الشعب الجزائري وسلطاته أم أنه سوف يكون مثل سابقيه ساركوزي وجاك شيراك؟