هولاند عازم على تخطّي «عقدة الماضي» مع الجزائر أجرْت النصر لقاء مع رجل الأعمال (الصناعي) الفرانكو جزائري السيد يزيد سابق، الذي استقبله مؤخرا الرئيس الفرنسي هولاند غداة استقالته من منصب محافظ سام لتنوع الأعراق والمساواة في الفرص، لرصد مقاربته ونظرته للعلاقات الجزائرية الفرنسية، قبل أيام من الزيارة المرتقبة لهولاند إلى الجزائر. السيد سابق، ابن مدينة قالمة، على اطلاع واسع ومتابعة كبيرة للعلاقات الجزائرية الفرنسية في مدّها وجزرها، في هدوئها وتوترها... لعل أول سؤال بادرنا به محدثنا هو هل سيعتذر هولاند للجزائريين عن جرائم فرنسا الاستعمارية؟. هولاند لا ينتمي للجيل الاستعماري السيد سابق، أوضح أن مهمّة هولاند ستكون أكثر أرْيَحية، لأنه لا ينتمي إلى جيل الاستعمار والاحتلال. كما أنه يتميّز بالحنكة والفطنة السياسية. ويحسن بادراك ووعي كامل الرهانات السياسية بين البلدين وما يغضب وما لا يغضب. فهو يدرك بعمق أن الذاكرة التاريخية للجزائريين على الخصوص جدّ حسّاسة ومتشعبة المنطلقات والمواقف. أكثر من ذلك – كما يوضح ضيفنا – بأن الجزائر نفسها، لن تدرج مسألة الاعتذار في جدول أعمال الزيارة (اشارة إلى تصريح وزير المجاهدين مؤخرا) حتى وإن كانت الزيارة واللقاءات المرتقبة بين الرئيسين الجزائري والفرنسي، وربما حتى بين الوفدين لن تتجنّب اشارات بشكل أو بآخر إلى ملف الذاكرة والاعتذار، وهذا أمر عادٍ. وأشار السيد سابق، أنّه خلال اللقاء الذي جمَعَه الأسبوع الماضي مع الرئيس الفرنسي. هولاند أكثر ادْراكا وتفهّما لمشاعر الجزائريين فإنّه لمس لديه، ادراكًا وتفهمّا لهذا الشعور لدى الجزائريين، لأنّه يعتبر بأن المستقبل يُبْنى أساسًا على الحقيقة. وعليه فلن يتردد الرئيس هولاند في كشف الحقيقة المرّة للاستعمار والاعتراف ببشاعة الجرائم. وذكرّ مُحدثنا بأن هولاند زار الجزائر مرتين من قبل عامي 2006 و2010. زيارتان سمحت له باستشراف وتفهّم عمق «المطلب» الجزائري وشعور الجزائريين، المجاهدون منهم وأبناء الثورة على الخصوص، سيما بعد «تعميق الجرح» بتعديل قانون 2005 الفرنسي الممجّد للاستعمار في بلدان شمال المغرب العربي. رهانات هولاند في الجزائر، حسب المحافظ السامي لتنوع الأعراق (المستقيل) متداخلة ومعقّدة إلى حدّ كبير. فمن جهة هناك رأي عام فرنسي ظل ينظر إلى أسلافه الاستعماريين، على أنهم «بُناةٌ» حرّروا الشعوب وأسهموا في نموّها وتطوّرها، ومن ثمة جاء قانون 2005 الممجّد للاستعمار والمتعاونين معه. أي أن هذا الجانب يمكن اعتباره (فرنسي/ فرنسي). ثمة ثوابت في معتقدات وأذهان الفرنسيين تنبثق من مُثُل الثورة الفرنسية نفسها ومن مبادئ الجمهورية التي تكرّس المساواة والحرية والعدل... بين كل الشعوب. وهي مُثُل ومبادئ لم يؤخذ بها طوال فترة احتلال الجزائر. حيث تصرّفت فرنسا الاستعمارية على النقيض تماما، أي في الاتجاه المعاكس تمامًا. فتعاملت بمقياسين. مواطنون من درجة أولى وهم الفرنسيون المحتلون وأتباعهم من الاوروبيين وباقي الجزائريين والمسلمين المقيمين في بلادنا ممن ساندوا الثورة الجزائرية. مُثُل «الجمهورية» الفرنسية طبقت على المقاس بكلمة أوضح «الجمهورية» ومبادئها ومُثُلها طبّقت على المقاس. بل بما يتعارض أصْلاً مع مبادئها ونُبْلها. وأصبحت الحقوق والحريات والمساواة مجرد شعارات، بقطع النظر عن الجرائم والابادات الناجمة عن الاستغلال والحقبة الاستعمارية. هذه لحظة وفترة تؤرق حكام فرنسا اليوم. بمعنى إيجاد تبرير لما لا يبرّر. من جهة أخرى ما نجم عن 132 سنة من الاحتلال، من ابادات وتشريد وتجهيل وتفقير وتخلف... والاعتراف سيؤدي حتمًا إلى تعويض، لكن بأي ثمن وكلفة؟! . فالأرواح التي سقطت في قوافل الشهداء لا تعوّض. هولاند قد يذهب أبعد من شيراك وساركوزي في.. الاعتراف حول سؤال، إلى أي مدى يمكن للاشتراكيين الفرنسيين أن يتنازلوا لاعطاء دفع أقوى ودفء أكبر للعلاقات الجزائرية الفرنسية، لاخراجها من دائرة التجاذب والشدّ والمدّ السياسي والتاريخي، فإن محدّثنا يعتقد بأن شيراك من قبل وحتى الرئيس ساركوزي حاول كل منهما تخطيّ عقدة الماضي سواء بابداء التأسّف أو ادانة الاستعمار (بشكل عام). لكنّهما لم يستطيعا الذهاب أكثر وأبعد فيما تعلق بجرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر نتيجة الضغوط الفرنسية الداخلية على الخصوص. في حين يدفعون تركيا إلى الاعتراف والاعتذار للأرمن عن جرائمها (؟!). بالنسبة للحكام الحاليين (هولاند وحكومته)، فإنهم يتمتعون بأكثر مرونة و"حرية"، من حيث كونهم لم يكونوا ممّن تورّط مباشرة في الحرب على الجزائر، ولا حتّى ممن ينتمون إلى جيل الاستعمار. هذه الوضعية قد تعطيهم حرية أكبر في اتخاذ القرار الأنسب دون اعتبارات «مقيّدة» من باب التاريخ على الخصوص. ولعلّ أول موقف سياسي يسجّل له بايجاب هو تنقله إلى جسر كليشي يوم 71 اكتوبر 1102، تخليدا لأرواح الجزائريين الذين أغرقوا في السان في انتفاضة أو أحداث أكتوبر 1691. لذلك نحن نعتقد (كما يصرح السيد سابق) بأن هولاند، خلاف سابقيه بامكانه أن يُقْدم على اتخاذ مواقف أكثر جرأة ممّن سبقه من الرؤساء، اشتراكيين كانوا أو يمينيين. أمامه فرصة تاريخية لاخراج العلاقات الجزائرية الفرنسية من عنق زجاجة «الذاكرة». تمرين صعب، لكن إذا تمكّن هولاند من تحقيق هذا الانجاز، فسيكون انعكاسه ايجابيا ومباشرا على العلاقات الجزائرية الفرنسية . مبرزا بأن هولاند، سيحّدث الجزائريين بصراحة واعتراف علني بجرائم فرنسا الاستعمارية، وسيركّز على اعطاء دفع أكبر للعلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات، أي اعطاء أهميّة أكبر للمستقبل، لأن الماضي، لا أحد يمكن تغييره أو شطبه. والاعتراف بالماضي وما تبعه في حدّ ذاته – كما يوضح السيد سابق – يعتبر شجاعة وموقفا سياسيا سيحسب للرئيس هولاند. شيراك ارتكب خطأ فادحا، عام 2005 حول سؤال يتعلق بالصداقة واتفاقية «الشريك الاستراتيجي»، التي تحدث عنها الرئيس شيراك على الخصوص ولم تتحقّق لأسباب وعوامل مختلفة، كالمواقف المتباينة بشأن ملف الصحراء الغربية، أو «الانحياز» الفرنسي لطروحات مغربية... فإن المحافظ السامي لتنوّع الأعراق (السابق)، يعتبر بأن الرئيس شيراك ارتكب خطأ مؤثرا بقانون 2005 الممجّد للاستعمار. اقرار هذا القانون كان ضربة موجعة للجزائريين جميعا، ومن ثمة كان شهادة قتل وطيّ للحديث عن شراكة أو معاهدة صداقة بين الجزائروفرنسا. واعادة الدفء إلى العلاقات لابدّ أن تستند أساسًا إلى حوار استراتيجي شامل، يفتح كل الملفات دون أي «طابوهات» يكون بمثابة عملية تقييمية تشريحية تحددّ مختلف العراقيل والمعوقات التي تحول دون تحقيق علاقات متوازنة ومتكاملة ودائمة بين البلدين والشعبين في مختلف القطاعات والمجالات. هولاند يريد فتح منابر للحوار الدائم ولا يجب أن يتوقّف التعاون عند مكافحة الارهاب والهجرة السرية فقط وتأشيرات «الفيزا»... وعلى ضوء لقائه بالرئيس هولاند، استخلص السيد سابق، بأن الرئيس الفرنسي أدرج زيارته إلى الجزائر في خانة «المهمّة جدّا». وينوي أن تكون شاملة ومثمرة، سيما في مجال التعاون الأمني والاستثمار المتنوّع في قطاعات التكوين والصحة والتعليم والفلاحة والصناعة (الحديد والصلب، المناجم، السيارات، الصيدلة، الطاقات المتجددة...). الرئيس هولاند سيسعى في زيارته إلى الجزائر إلى تحقيق أو تفعيل منابر للحوار الدائم في مختلف المجالات أي ارساء أطُر ومراكز استشارية دائمة من خبراء البلدين. على أن تسعى فرنسا إلى دعم الجزائر في مسار الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وكذا في الحصول على صفة «الشريك المفضل» لأوروبا للسوق الأوروبية. الرئيس هولاند لن يخرج عن مسار سالفيه أيضا في «الضغط» على الجزائر من أجل اعادة فتح ملف الاتفاق الثنائي الموقع بين البلدين عام 1968، والمتعلق في مجمله بحق الانتفاع العام. فرنسا تسعى إلى مراجعته وتعديله ليسمح للفرنسيين بحق التملّك في الجزائر (عقارات وغيرها). ومعلوم أن الجزائر ترفض هذا الطلب. بالنسبة لرجل الأعمال الفرانكو جزائري، فإن زيارة هولاند للجزائر ستكون مثمرة ومميّزة لعدة اعتبارات. أولها أن هولاند له علاقات صداقة وطيدة مع حكام الجزائر منذ أن كان موظفا في السفارة الفرنسية بالجزائر. كما أنه يتمتع بذكاء وبراغماتية كبيرة، حيث لا يؤمن بالطابوهات ومستعد لتذليل كل العقبات من أجل شراكة حقيقية مع الجزائر تقوم على طيّ صفحة الماضي (مع الاعتراف بجرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر كواقع وكذاكرة)، لكن بتركيز أكبر على المستقبل بأكثر التزام وجدّية. هل يذهب هولاند بعيدا في «شجاعته» السياسية؟ هل هو الرجل والرئيس المناسب لفتح صفحة جديدة مع الجزائر واعطاء دفع قوي للعلاقات الثنائية؟ هذا ما ستسفر عنه زيارته إلى الجزائر الأسبوع القادم، وهو يرجع معه مفاتيح العاصمة الجزائرية التي أخذت من الداي حسين ذات عام من قرنين إلى الوراء. ارجاع «مفاتيح العاصمة»، وبقطع النظر عن أبعادها التاريخية، فهي تعكس موقفا سياسيا وديبلوماسيا قويّا وعميقا، قد يكون بوّابة ومنوالاً لمفاتيح أخرى في مجالات تعاون رصين وشراكة اقتصادية خارج الذاكرة التاريخية. أجرى اللقاء/ ع-واعلي ترجمة وتصرف