يعد مؤتمر كولورادو نقطة تحول نوعي في نشاط الحركات التنصيرية عبر العالم حيث أعاد ترتيب أهدافها وأولوياتها واضعا استراتيجية دقيقة لتنصير العالم الإسلامي، انطلاقا من يوم انعقاده بتاريخ 15 أكتوبر 1978 تحت عنوان (مؤتمر أمريكا الشمالية لتنصير المسلمين)، وبحضور 150 مشتركا يمثلون أنشطة العناصر التنصيرية البروتستانتية في العالم، استمر المؤتمر مدة أسبوعين في جلسات مغلقة، وانتهى بوضع إستراتيجية منظمة لتنصير المسلمين، ولتطبيق هذه الاستراتيجية تم تخصيص ميزانية قدرت بألف مليون دولار، وتم جمع هذا المبلغ فعلا وإيداعه في أحد البنوك الأمريكية الكبرى، وبقيت نتائج هذا المؤتمر وتوصياته سرية لخطورتها لكنها طبعت ونشرت فيما بعد تحت عنوان (التنصير: خطة لغزو العالم الإسلامي)، وسنحاول من خلال هذه المحطة التي تعد الأخيرة في ملفنا حول الحركة التنصيرية في الجزائر التطرق إلى أهم ما جاء في هذا المؤتمر حول منطقة الشمال الإفريقي عامة والجزائر على وجه الخصوص. دراسات سياسية.. اقتصادية وجغرافية للمغرب العربي تضمنت ملفات مؤتمر كولورادو دراسة جغرافية وسياسية واقتصادية واجتماعية مفصلة لمنطقة الشمال الإفريقي أي تونس وليبيا والجزائر والمغرب بحيث تناولت الدراسة كل بلد على حدى من حيث مساحته ومكوناته البشرية مقدما وصفا جغرافيا وسياسيا واقتصاديا لكل بلد زيادة عن استطلاع لوضع المرأة والدين الإسلامي في المنطقة، وأشار المؤتمر فيما يخص الجزائر إلى التركيبة البشرية المكونة من البربر والعرب ومواقع تمركز الكثافة السكانية إلى جانب المساحة كما تطرق إلى النظام السياسي للجزائر في تلك الفترة، وقال في هذا الإطار أن الحكومة قد اتخذت لنظام حكمها شكلا جمهوريا لكنها تحكم بواسطة دكتاتورية عسكرية لديها ميول اشتراكية ولكنها تتجه أكثر فأكثر نحو الولاياتالمتحدةالأمريكية كشريك تجاري، وأشار في ذات السياق إلى جهود التعريب التي كانت تبذل آنذاك وسيطرة اللغة الفرنسية على المؤسسات الجزائرية. ومن جانب آخر تناول المؤتمر وضع المرأة في المنطقة، مؤكدا أن النساء تتواجدن في كافة قطاعات الحياة ابتداء من النساء المحجبات المنعزلات في المنزل إلى الطالبات أو النساء المهنيات، ويشير المؤتمر إلى أن النساء هن الأكثر إقبالا على النصرانية، أما عن وضع الإسلام فقد أشارت الدراسة التي قدمها المؤتمرون إلى أن المنطقة تعج بالمجموعات الإسلامية التقليدية التي لديها في نفس الوقت إيمانا بالقوى الروحية، وهو ما استغلته الجماعات التنصيرية التي ركزت نشاطها على عوام المسلمين، وأكدت دراسات تم عرضها خلال المؤتمر أن تسعة من أصل عشرة ممن يعلنون ولاءهم للمسيح يعودون مرة أخرى إلى الإسلام. البروتستانت يقيمون وضع الكنيسة المغاربية وفي سياق آخر تم عرض تقييم عام للكنائس التنصيرية في الدول المغاربية الأربعة ورأت الدراسة المعمقة للمنطقة أنه على الرغم من وجود تجمع كنيسة صغيرة للغربيين في كل من الأقطار الأربعة، إلا أن مواطني شمال إفريقيا لا يشاركون في هذه التجمعات، كما أن نشاط الكنائس البروستانتية بدا ضعيفا في ذلك الوقت لاسيما وأن محاولات إنشاء كنائس للمنتصرين من المسلمين كانت نادرة جدا حيث تم إحصاء ثلاثة فقط في الجزائر، وأشارت الدراسات إلى أن عدد النصارى في الجزائر لم يتجاوز آنذاك 60 شخصا، كما تكلمت عن وجود مجموعات منعزلة من البربر لديهم استعداد للتنصير الجماعي وذلك إذا توفرت لهم الظروف الملائمة. ومن جانب آخر أشارت الدراسات التي أجرتها الجماعات التنصيرية إلى أن الكثير من النصارى هم إما مراهقون أو شباب غير متزوجين وفي بعض المناطق تكون غالبيتهم من الفتيات أو النساء المسنات، لذلك ركز المؤتمرون على الحاجة الى عائلات نصرانية في وقت كانت فيه أعداد العائلات التي تم فيها تنصير الزوج و الزوجة معا قليلة جدا، وأبرز المؤتمرون أهمية وجود عائلات نصرانية لاسيما وأن اجتماعات النصارى آنذاك تحدث عادة في بيوت المتنصرين. وعلى ضوء هذا التقييم المفصل للكنائس البروتستانتية توصل المؤتمرون إلى ضرورة ضم أسر كاملة وإلحاقها بالنصرانية بحيث تكون الكنائس تحت قيادة وطنية (مهتمة تعطي المؤمنين النصارى هوية وانتماء اجتماعيا، والحاجة ملحة أيضا إلى وجود قادة وطنيين للكنيسة لا يسهل تهديدهم وإكراههم ويكونون بمثابة مظلة لحماية المؤمنين السريين)، كما شدد المؤتمرون على ضرورة ضم عدد من الشباب من وحدات متجانسة ليصبحوا أزواجا للمتنصرات، مشيرين إلى حاجة الكنيسة إلى التمتع بحرية أكبر لعقد الاجتماعات. "فكّروا دائما بكنائس محلية لبلوغ أهداف الرّب" تمحورت التوصيات التي خرج بها مؤتمر كولورادو فيما يخص منطقة المغرب العربي أو الشمال الإفريقي الذي تسوده أغلبية مسلمة حول هدف أساسي هو كيفية بناء كنائس محلية أي إيجاد نصارى محليين من السكان الأصليين للمنطقة يتولون مهمة بناء الكنائس وتكوين الجماعات التنصيرية التي ستستخدم فيما بعد لبلوغ الهدف الأكبر هو تنصير العالم الإسلامي، وقام المؤتمرون بوضع استراتيجية مفصلة لتنصير مسلمي شمال إفريقيا بما يتماشى والظروف المتوفرة في المنطقة آنذاك، غير أن الأهداف في مجملها كانت تبدو بعيدة المدى ويمكننا النظر إلى ما تم تحقيقه اليوم على ضوء تلك الاستراتيجية وإجراء المقارنات إذا شئنا لنجد أنهم قد حققوا جزءا كبيرا مما سطروه قبل حوالي 35 سنة، ومن بين الأهداف التي كانت مسطرة زيادة عدد المبشرين في شمال إفريقيا من 60 إلى 300 كحد أدنى ونحن نرى اليوم الأعداد الكبيرة للمبشرين في الجزائر لوحدها ولو اعتبرنا أن هناك 3 إلى 4 مبشرين في الكنيسة الواحدة كمتوسط (وعددهم يفوق ذلك غالبا) وقسناه على دول الجوار فسنجد أنهم قد تجاوزوا أهدافهم بكثير بالنسبة لهذه النقطة وانتقلوا إلى مراحل أخرى أكثر تقدما لأن سياسة هذه الكنائس غالبا تستغل المتنصرين الجدد لأعمال التبشير وهو ما لاحظناه شخصيا من خلال اقترابنا من بعض الكنائس التنصيرية. كما نصت الاستراتيجية الموجهة لتنصير الشمال الإفريقي على ضرورة إرسال مبشرين ممن يستطيعون بدء العمل والذين لهم موهبة وقدرة لإقامة الصداقات في وسط ثقافات متباينة وشخصيات تكون محبوبة عند العرب تكون لها اهتمام بثقافة شمال إفريقيا، والبحث عن طرق لإبقاء هؤلاء الأشخاص في هذه الأقطار بحيث يتمكنون من تخصيص ثلاثين ساعة في الأسبوع كحد أدنى للعمل وسط المسلمين، وأكد المؤتمرون على ضرورة تجنيد أشخاص من السكان المحليين لقيادة الأعمال التبشيرية في المنطقة وصناعة الأسس والاتجاهات بدلا من الاكتفاء باتباعها، كما شددوا على ضرورة تنظيم العمال الأجانب في فرق متناسقة تؤدي إلى تجميع مواهبهم الفردية وتقديم أكثر من أجنبي واحد للسكان المحليين للارتباط به حتى لا ينشأ فراغ عندما يغادر الشخص (المفضل) لديهم. ويحذّر المؤتمرون من المتنصرين الجدد حيث يؤكدون على عدم اعتبارهم مؤمنين ويتكلمون في المقابل عن قبولهم حتى يفهموا أن الالتزام (بيسوع المسيح يعني الالتزام بجسد المسيح أسرتهم الجديدة)، وركزوا من جهة أخرى على ضرورة أن يتزعم السكان المحليون الكنائس بمساندة ودعم أجنبي، وختم المؤتمرون توصياتهم بنقطة هامة جدا نستطيع القول أنها أساس العمل التنصيري في الجزائر وكافة الأقطار الاخرى وتقول آخر توصية أو نقطة في الاستراتيجية المفصلة "فكروا دائما بالكنيسة فما لم تكن هنالك كنائس ذات قيادة وزعامة وطنية محلية في المغرب والجزائروتونس وليبيا فلن تبلغوا أهداف الرّب". وبالنظر إلى التقييم الذي أجراه ممثلو الكنيسة البروتستانتية والذي تم تقديمه خلال مؤتمر كولورادو والنتائج التي توصلوا إليها من خلال المؤتمر الذي ارتكز على دراسات وبحوث معمقة أجريت في كافة البقاع الإسلامية مكنتهم من الخروج بإستراتيجية مفصلة لتنصير العالم الإسلامي، ولاسيما منطقة الشمال الإفريقي وذلك خلال سنة 1978 سنجد أن الكنائس البروتستانتية في الجزائر مثلا تستند في كل تحركاتها إلى ما أفرزه هذا المؤتمر من نتائج من خلال الوسائل والطرق التي تعتمد عليها في نشر الفكر التنصيري الذي يعتمد أساسا على محاولة إيجاد كنيسة محلية وهو ما يجري تحقيقه اليوم إذ أن أغلب المبشرين ومسؤولي الكنائس والقساوسة أيضا هم متنصرون من أصول محلية.