حرفيون يواجهون تحديات كبيرة بتيزي وزو ندرة المواد الأولية تتسبب في غلاء الحلي التقليدية تعد حلي آث يني المصنوعة من الفضة والمزينة بواسطة المرجان الأحمر الطقم العريق الذي تتزين به النساء بمنطقة القبائل منذ أجيال متتالية. وتشكل هذه الحلي بفضل رسوماتها وألوانها و تنوع أشكالها إنجازا فنيا متميزا بمنطقة آث يني الواقعة على ارتفاع 900م بسلسلة جبال جرجرة. ويعود الفضل في استمرار إنتاج هذه الحلي الفضية والحفاظ عليها من الاندثار إلى عدد من الحرفيين وصانعي الحلي بهذه المنطقة الذين واصلوا ممارسة هذه الحرفة حتى في الأوقات الصعبة في الوقت الذي تخلى عدد كبير منهم عن هذه الحرفة. هذه الحلي هي عبارة عن مشبك يوضع على الجبين أو الصدر وأحزمة وخواتم وأقراط وأساور وقلادات وأشهرها قلادة تعرف باسم (أزرار ن لاحروز) الموجهة للحماية من كل مكروه لا تزال ليومنا هذا تتزين بها العرائس وهي جزء مرافق للفستان القبائلي. وهناك من الحلي التي يشاع أن النساء تستعملها للحماية ضد (العين) وتقلبات الدهر فيما تعتبر أخرى جالبة للسعد على غرار(ابزيم) و(اهراف) كما أشارت إليه مجموعة من العجائز. وعلاوة على استعمالها للتزيين فإن الحلي القبائلية التي تعدت سمعتها الحدود الوطنية تحمل في طياتها رموزا وأساطير تعود إلى المعتقدات القديمة حسب هذه النسوة كالحماية من الحسد أو ما يعرف لدى العامة(العين) وجلب الحظ وغيرها. وبما أن هذه الحلي تصنع بطرق تقليدية فإن بعض القطع أضحت جد نادرة كونها لم تعد تصنع لأسباب متعددة. ومن بين هذه الحلي القلادة المصنوعة بواسطة العدس (أزرار لعدس) و قلادة (أزرار لاحروز). أما فيما يتعلق بالحلي التي توضع فوق العقب فإن النساء لا يضعنها إلا في مناسبات نادرة لكونها تتميز بالثقل ولأنها موجعة. وعلى عكس الحلي الفضية الأخرى كتلك المصنوعة بمنطقة الأوراس والمسيلة أو حلي التوارق المنتجة أساسا بواسطة الفضة والمزينة أحيانا بقطع كبيرة من المرجان الأحمر فإن حلي آث يني غالبا ما يتم تزيينها بطلاء خزفي بألوان خضراء وصفراء وزرقاء تميزها عن غيرها من الحلي. وحسب المعتقدات الشعبية فإن هذه الألوان ترمز إلى الأرض والشمس والسماء. والطلاء عبارة عن مسحوق يجمع بين الرمل و(المينيوم) (أكسيد الرصاص الأحمر) والبوتاس وكربونات الصوديوم يجلبها الحرفيون من الخارج. وفي هذا السياق أفاد السيد كمال متمر حرفي في مجال صناعة الحلي التقته وأج بدار الصناعة التقليدية بتيزي وزو أن مسحوق الطلاء المستورد من أوروبا يكلف الكثير وأصبح نادرا في السنوات الأخيرة كون عدد من البلدان الأوروبية على غرار فرنسا توقفت عن إنتاجه. ويتم غسل مسحوق الطلاء قبل وضعه على أجزاء الحلي المراد تلوينها. ويتم فيما بعد الفصل بين الألوان بواسطة خيوط فضية يتم تلحيمها مع قطعة الحلي. ويقوم الحرفي بعدها بتغطية الطلاء بواسطة طبقة شفافة يتم صهرها باستعمال أداة شفاطة أو عن طريق وضع قطع الحلي داخل الفرن حيث تصبح براقة وساطعة حسب توضيحات السيد متمر. وأضاف المتحدث أنه من الضروري التحكم في درجة الحرارة ومقدار الطلاء الخزفي المستعمل لصنع الحلي، مشيرا إلى أن ندرة هذه المادة وتعقيد طريقة إنتاج الحلي قد تؤدي إلى التخلي عن استعمال الطلاء. ومن ثم فإن إنتاج بعض الحلي أضحى جد نادر على غرار قلادة العدس (أزرار لعدس). وفي إطار مساعيهم الرامية إلى ضمان استمرارية هذا الفن العريق فإن منتجي الحلي لآث يني أدخلوا بعض التغييرات لمواجهة الصعوبات المرتبطة بندرة وغلاء المادة الأولية لاسيما من خلال تقليص حجم الحلي، حيث دفع ارتفاع أسعار الفضة والمرجان بهؤلاء الحرفيين إلى تقليص حجم منتجاتهم من الحلي بغرض تخفيض أسعارها وجعلها في متناول ذوي الدخل الضعيف والمتوسط. وأمام ندرة المرجان وعدم وفرة قطع كبيرة لتزيين الحلي القديمة فإن الحرفيين يقومون بإلصاق قطع صغيرة من المرجان لتزيين الحلي القبائلية. وإن تعذر ذلك فإنهم يستعملون المرجان الاصطناعي حيث تمكنهم هذه الطريقة من الحفاظ على قيمة ومميزات هذه الحلي. وذكر السيد متمر في هذا السياق أن المواد المستعملة في صنع حلي آث يني باهظة الثمن على غرار الفضة التي تباع ب90.000 دج للكلغ. وقد ارتفع سعرها إلى ما لا يقل عن 140.000 دج في السنوات الأخيرة. وأشار ذات المصدر إلى أن المواد الأخرى مثل مسحوق الطلاء الخزفي والمرجان أصبحت هي الأخرى جد نادرة بالسوق مما أدى إلى ارتفاع أسعار الحلي التي أضحت تباع بصعوبة. غير أن كل هذه الصعوبات لم تثن السيد متمر وبقية زملائه عن مواصلة ممارسة هذه الحرفة للحفاظ على هذا التراث من جهة وباعتبارها مصدر استرزاق لهم من جهة أخرى.