فضائح "الباك" كشفت المستور المنظومة التربوية تنهار من المسؤول؟ وما هي الحلول؟ دقّت الفضائح والتجاوزات التي شهدتها طبعة 2013 من امتحانات البكالوريا مسمارا آخر في نعش ما يسمّى بالمنظومة التربوية التي تجاوزت مرحلة الخطر إلى مرحلة الانهيار الكامل في ظلّ تكريس جملة من السلوكيات والممارسات التي صار معها قيام التلميذ بضرب أستاذه أمرا عاديا (روتينيا)، والقيام بعمليات غشّ جماعي (حقّا شرعيا) من حقوق التلاميذ. فمن المسؤول عن هذا الوضع المؤسف؟ وما هي الحلول الممكنة لإصلاح ما يمكن إصلاحه؟ (أخبار اليوم) طرحت السؤالين على بعض أهل الاختصاص فتباينت الإجابات. التجاوزات التي صاحبت امتحان شهادة البكالوريا (دورة جوان 2013) عصفت بمصداقيتها، وعمليات الغشّ التي حدثت بين المرشّحين والاعتداءات التي تعرّض لها الحرّاس ومسؤولو المديرية قدّمت برهانا آخر على انهيار المنظومة التربوية، وقد أرجعها البعض إلى الظروف العصيبة التي مرّت بها المنظومة التربوية في الآونة الأخيرة. حيث اعتمدت بعض الجهات انتهاج سياسة الاحتجاجات والتوتّرات طيلة السنة الدراسية، وهذه الأخيرة زادت من حدّة الأمر وتفاقمه إلى غاية الانفجار الذي حدث في امتحانات البكالوريا، والتي أعطت صورة سيّئة لقطاع التعليم في الجزائر كسابقة أولى من نوعها في هذا القطاع. واختلفت آراء المختصّين النّفسانيين ورجال الدين ومسؤولي قطاع التربية وأولياء التلاميذ حول هذا الانهيار الذي ترجمته عمليات الغشّ الجماعية التي حدثت في الامتحانات المصيرية التي جرت الأسبوع الماضي، لكن الحوصلة أنه رغم اختلاف الآراء إلاّ أن الجميع وصلوا إلى استنتاج واحد وهو أن كلّ الأطراف لها دخل وتتحمّل جزءا من المسؤولية في هذه الكارثة التربوية بدءا من الأولياء والتلاميذ إلى غاية الوزارة والمسؤولين. الغشّ انتقل من المجتمع إلى قطاع التربية في هذا الإطار، صرّح إيدير عاشور الأمين العام لنقابات مجلس ثانويات الجزائر في اتّصال لنا معه قائلا: (الغشّ في البكالوريا ما هو إلاّ استمرار للغشّ الموجود على مدار السنة الدراسية، حيث أن الغشّ موجود في المجتمع)، مبرّرا ذلك بأن الغشّ الذي حدث في (الباك) هو امتداد لعمليات الغشّ الموجودة في المجتمع، حيث أن التلاميذ عندما يسمعون بالرّشوة التي عمّت مختلف القطاعات يعتبرون الغشّ حقّا من حقوقهم، وعلى حد تعبيره (هو عبارة عن نقل من المؤسسات إلى التلاميذ). وأضاف عاشور في سياق حديثه أنه يجب اتّخاذ إجراءات صارمة ولا يجب التسامح مع عمل كهذا وينبغي توقيف هذه (المهزلة) كي لا تتعدّى هذا العام، مشيرا إلى أن وزارة التربية لم تتلقّ أي ّقرار يؤكّد حالات الغشّ الجماعية التي حدثت من قِبل رؤساء المراكز رغم وجودها. العمل بال "رشا" أو تنظيم دورة استثنائية لإنقاذ ضحايا الفوضى من جهته، أرجع خالد أحمد رئيس جمعية أولياء التلاميذ الأسباب التي دفعت التلاميذ إلى انتهاج السلوك (الشاذّ) كما وصفه إلى عدّة عوامل تتمثّل في الإضرابات والاحتجاجات التي تخلّلت السنة الدراسية، وكذا التهديد والتخويف من طرف النقابات بمقاطعة الامتحانات الذي أثّر سلبا على نفسية التلاميذ، إلى جانب عدم التوعية من طرف الأولياء والأساتذة وحثّهم على الاجتهاد، بالإضافة إلى الدروس الخصوصية التي غلّطت التلاميذ في الدروس الواردة في الامتحانات، مؤكّدا أن الجمعية ضد هذه التصرّفات، قائلا: (هناك مجرمون يحيكون مؤامرة ضد الوزير الجديد بابا أحمد وضد السياسة المنتهجة، حيث أن هذه العوامل كلّها دفعت التلميذ إلى خلق فوضى داخل مركز إجراء الامتحان). وعمد ذات المتحدّث قي تصريح له ل (أخبار اليوم) أمس الاثنين إلى طرح بعض الحلول التي من شأنها على حد قوله إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا هذه المنظومة وشكّلها في عدّة نقاط أبرزها معاقبة المتسبّبين في هذه الفوضى دون استثناء، إنقاذ التلاميذ ذوي المستوى المتوسط وذلك بعودة الوزارة على نظام الإنقاذ أو تنظيم دورة استثنائية من أجل إنقاذ التلاميذ الذين كانوا ضحايا الفوضى التي مسّت 27 ولاية والسنة الدراسية التي عانى منها القطاع. التلميذ بحاجة إلى الحصانة النّفسية أمّا الجانب النّفسي فكان له حيّز كبير في استفساراتنا عن سبب التجاوزات التي حدثت في (الباك)، ومن هذا المنطلق أرجع محمد سيفور الدكتور النّفساني مثل هذه التصرّفات التي انتهجها التلاميذ يوم إجراء الامتحان والسلوك غير السوي في تشكيل مجموعة من التلاميذ بغرض الغشّ الجماعي إلى الشعور بالإحباط لعدم القدرة على حلّ المشكل النّاتج عن السؤال، بمعنى عدم الثقة بالذات من جهة، ومن جهة أخرى هو ناتج عن صعوبة السؤال وأهمّية المادة (وهذا يولّد العدوانية). كما أضاف المتحدّث أن الذهنية السائدة عند المجتمع بأن (الباك) يساوي الحياة وجعله معادلة صعبة، أي مرتبة اجتماعية، أثّر سلبا على سلوك التلميذ، مشيرا إلى أن هذا السلوك العدواني المتمثّل في الغشّ والفوضى النّاتج عن الضغط الشديد غرضه الضغط على الوزارة الوصية من أجل إعادة امتحان المادة. ومن جانبها، فسّرت الطبيبة النّفسانية مقواص أن هذا الغشّ راجع إلى عدم إعطاء التلاميذ الحصانة النّفسية من قِبل الأولياء والتلاميذ، موضّحة أن المنظومة التربوية باتت في (الهاوية)، واسترسلت في كلامها قائلة: (أصبحت نقاط البكالوريا منافسة ما بين التلاميذ، حيث أن الحالة النّفسية للتلميذ تتأثّر لأن هناك أمورا تتخزّن في الذاكرة البعيدة المدى للطفل لا يستطيع استرجاعها إذا كان قلقا). وفي خضّم حديثها اعتبرت الدكتورة مقواص أن الغشّ لدى التلميذ في مثل هذه الحالة هو أمر معقول لأنه بات هناك غموض في الأسئلة، بالإضافة إلى أن هذا الامتحان المصيري أصبح يشكّل مصدر قلق بالنّسبة للتلاميذ والأولياء على حد السواء، معتبرة أن الدروس الخصوصية تدخل كإشكال في هذه الحالة، مبرّرة ذلك بأن الطفل هنا ينقطع عن معلّمه الأصلي، مع العلم أن الدروس التدعيمية أصبحت تجارة لا رسالة، وكذا أصبحت العلاقة بين التلميذ والأستاذ علاقة شهادة وفقط. واعتبرت الدكتورة مقواص أن شهادة البكالوريا اكتست بوشاح سياسي لأن الأمر على حسب رأيها يعود إلى اكتظاظ الجامعات بسبب عدم وجود برنامج للتخطيط، إلى جانب تسيير شؤون التلاميذ من قبل من ليس لهم معرفة كافية ومُلمّة بحياة الطفل، على حد تعبيرها. "من غشّنا فليس منّا" في شقّ آخر، اعتبر الشيخ يوسف بن حليمة إمام مسجد (العربي التبسي) بحي البحر والشمس في حسين داي بالعاصمة، أن التجاوزات التي حدثت في البكالوريا تدلّ على تدهور المستوى التربوي قائلا: (لذا يجب إعادة النّظر في بعض التصرّفات والتسيّب الذي يشهده القطاع)، مضيفا: (أبناؤنا أصبحوا مدلّلين، وهذه كارثة تنذر بمستقبل مظلم إن لم نتدارك الأمر). وأشار الإمام بن حليمة إلى أن الدولة تهيّئ الامتحانات المصيرية بالملايين من أجل النّجاح المستحقّ، (ومن ليس قادرا على الامتحان لا يتقدّم لإجرائه لأن هذا لا يشرّف القطاع)، مشدّدا على ضرورة إعادة النّظر في التربية الأسرية للطفل ومداواة المرض من مكانه الأصلي قائلا: (يجب أن نتحمّل مرارة الدواء من أجل الشفاء، لذا لابد من العمل من أجل النّجاح). وأبرز الشيخ بن حليمة موقف الشرع ممّا حصل في (الباك) من خلال قول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: (من غشّنا فليس منّا)، حيث فسّر الحديث النبوي بأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تبرّأ من كلّ غشّاش وفي أيّ مجال، مشيرا إلى أنه في المستقبل سيتخرّجون أطبّاء وليسوا بأطبّاء ومهندسين وليسوا بمهندسين أي مزيّفين، (وموقف الشرع في هذا واضح كلّ الوضوح). واعتبر ذات المتحدّث أن تواطؤ بعض الأساتذة مع الغشّاشين يراد به ضرب التعليم في الصميم وضرب الدولة الجزائرية كذلك، مضيفا: (هناك مؤامرة تحاك ضد مستقبل الجزائر والكلّ مسؤول من جانبه في جهة معيّنة، إن شاء اللّه نسأل للأمّة العافية والثبات). وزارة التربية تلقي الكرة في مرمى "الديوان" قال ناجي عبد العالي مكلّف بالإعلام لدى مديرية التربية شرق (إنه لا يمكننا اتّخاذ أيّ إجراءات بخصوص الغشّ الذي حدث في البكالوريا لأن هذا ليس من شأننا، بل هو من اختصاص ديوان المسابقات والامتحانات)، وهو نفس ما كان قد ذهب إليه وزير القطاع بابا أحمد. وأضاف عبد العالي أن المديرية تعمل بالشكل الذي يقرّه رئيس الديوان للامتحانات والمسابقات لأن هذا من صلاحياته التي يخوّلها له القانون، حتى وزير التربية أعلن رسميا أن وزارته تعمل ما يقرّره الديوان في مثل هذه الحالات التي تعرفها مثل هذه المسابقات والامتحانات.