بقلم: محمد كريشان (أفضل علاج ضد الشتائم هو احتقارها) هذا ما قاله الكاتب والروائي الإسباني ماتيو أليمان (1547 1615) وهذا ما كتب في أول صفحة من (المنجد الصغير للشتائم السياسية) الصادر قبل عامين في فرنسا والذي اجتهد صاحبه في جمع أبرز ما قيل من انتقادات حادة تصل حد السب في شخصيات سياسية فرنسية تاريخية ومعاصرة بوّبها حسب الترتيب الأبجدي. من بين هذه الشخصيات مثلا الرؤساء شارل ديغول وجورج بومبيدو وجيسكار ديستان وفرانسوا هولاند، ورؤساء الوزراء فرانسوا فيون وفرانسوا بالادير وليونيل جوسبان وبيار موروا ودومينيك دوفيلبان، ووزراء الخارجية ألان جيبي ولوران فابيوس وبرنار كوشنار ورولان دوما، والوزراء جان بيار شيفنمان ووزراء سابقون مثل وزير الداخلية الأشهر شارل باسكوا وغيرهم كثير، (فكل الذين اقتحموا ذات يوم مجال السياسة سيجدون أنفسهم في هذا المنجد) كما قال صاحبه. والطريف أن الشاتم هنا قد يتحول في صفحة أخرى إلى مشتوم والعكس صحيح. بعض ما قيل، وهو مأخوذ إما من كتب أو تصريحات صحافية أو اجتماعات عامة أو جلسات برلمانية، مضحك للغاية وبعضه الآخر لاذع ومسيء. فكرة المنجد فريدة وتصفحه ممتع فالكثير مما قيل مضحك وبعضه يثير الشفقة بحق من قيل فيهم. الفكرة تحيل أيضا إلى ماذا يمكن أن يُكتب مثلا من هذا القبيل بحق سياسيين عرب بارزين لاسيما من القادة الحاليين والسابقين لأنهم وحدهم كانوا وما زالوا الذين يتصدرون المشهد مدحا وقدحا. كما يمكن لأي منا أن يجمع مثلا ما قيل بحق الرؤساء العرب الذين أزاحتهم شعوبهم في الثلاث سنوات الماضية سواء في كتاب واحد أو إفراد كل واحد منهم بكتاب يضم أقوى ما قيل في نقده أو حتى ذمه. عناوين هذه الكتب يمكن أن تكون من قبيل (الوافي في ذم القذافي) أو (الكلام المبين فيما فعله الزين) أو (الطالح في الحديث عن عبد الله صالح) وقائمة المقترحات تبقى مفتوحة طبعا. حتى ما نقرأه الآن على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة يمكن أن تشكل معينا لا ينضب لإصدار عدد كبير من الكتب التي تجمع شتى أقذع السباب سواء في حق الحكام الجدد لتونس وليبيا ومصر أو اليمن وفي حق مؤيديهم ومعارضيهم على حد سواء. طبعا ما يجري حاليا في سوريا يثير سيلا جارفا من الشتائم بحق بشار الأسد ومن يقف معه في لبنان وإيران وسوريا أو بحق الثائرين عليه ومن يدعمهم في السعودية وقطر وتركيا. هنا يمكن اقتراح كتب من ذات النوع، مثل (المحبوك في شتائم الفيسبوك) و(المتواتر من شتائم تويتر) و(المؤنس في سب السياسيين في تونس) و(ألفاظ العار في الحديث عن بشار) و(فصل البيان في الذم بين الإنقاذ والإخوان) وهكذا. الفكرة ليست سيئة بالتأكيد وهذا النوع من الكتب قد يشهد رواجا كبيرا، لكن المشكلة هنا أن كثيرا مما يمكن أن يجمع في هذا الشأن قد لا يكون صالحا للنشر كتلك القصيدة الجريئة جدا جدا التي وصفت بأنها (أشهر قصيدة بذيئة كتبت في عهد الاستعمار الفرنسي لتونس بدايات القرن العشرين) لصاحبها عبد الرحمان وفيها من الهجاء السياسي والاجتماعي ما لا قبل لأحد بنشره. أحد الصحافيين الجزائريين المرموقين جمع ما لا يقل عن مائة وعشرين نكتة سياسية قيلت في عز سنوات الجمر والدم في الجزائر في تسعينات القرن الماضي لكنه لا يستطيع نشرها لبذاءتها الشديدة. الكثير من هذه البذاءات منتشر الآن على نطاق واسع على شبكة الإنترنت عند تبادل التقويمات السياسية بخصوص ما يحصل في مصر وتونس وليبيا وسوريا، خاصة لجهة التراشق بين التيارات الإسلامية ومعارضيها. هذه البذاءة مثلا لا توجد في المنجد الفرنسي وهي تعكس للأسف حالة مما يوصف عندنا ب (الفجور في الخلاف) فنحن ما زلنا، في أوساط محددة طبعا، غير قادرين تماما لا على تحمل الخلاف ولا على حسن إدارته ناهيك عن الجمع على الأقل بين شراسة النقد والحد الأدنى من التهذيب.