بقلم: فاطمة الزهراء بولعراس من الإنصاف أن نعترف لمصر بالسبق في ميادين عدة خاصة الإعلامية منها، ومن العدل أن نقر بأن المصريين أمة فطنة وواعية وفيها كثير من الكوادر التي تفتخر بها في ميادين السياسة والاقتصاد والقانون والفن...الخ ويجب أن نعترف أيضا أن الشعب المصري هو شعب مسالم مكافح، كل أمله أن يعيش بكرامة كبقية الشعوب... ولأننا كنا ولازلنا نعيش هموم الشعوب العربية فإن ما يحدث في مصر شغلنا ويشغلنا عن كل شئ وصرنا نضع أيدينا على قلوبنا من مسار الأحداث هناك. نحن الجزائريين نعرف تماما ما معنى الانقلاب على الشرعية (الشعبية) مع أن الاختلاف واضح وشاسع بين إخوان مصر والإسلاميين عندنا، ولا داعي لإبراز هذه الاختلافات حتى لا يحيد بنا الموضوع إلى ماعانيناه من الفتنة التي نتمنى أن تغادر ديارنا إلى الأبد... كما أن لكل بلد ظرفه وصيرورته التاريخية التي تتحكم فيها أمور قد تكون أهم من التاريخ نفسه. لقد ثار الشباب المصري قبل عامين بعد أن توافقت مشاكل أفراده وأصبحت مشكلة واحدة... خرجت الجموع الغفيرة متحدية (سلطة الحديد والنار) وغير خائفة لا من الموت ولا من السجن ولا من (دهاء مبارك)... إن قلب الأمة المصرية لم يكف عن النبض يوما بحب مصر حتى أن العرب كلهم يحبون مصر من حب المصريين لبلدهم، يحدث هذا بكل عفوية وتلقائية لا تعترف بالحدود ولا بالأنظمة ولا بالخلافات المفتعلة بينها... خرج شباب مصر وردد شعارا واحدا(الشعب يريد إسقاط النظام)، وشعارات أخرى تصب كلها في هذا المعنى... اعتصم بالميدان وصمم على التحرير من ميدان التحرير... كان أول التحرير هو تحرر الشعب المصري من الخوف فرغم أن المصري كان دوما شجاعا إلا أن رغيف العيش الذي جعله مبارك عزيز المنال جعل الشعب يلهث وراءه لا يكاد يلتفت لغيره، وكان النصر الذي لم يكن متوقعا عند الكثيرين وذلك لما كنا نراه من تغلغل الفاسدين في مفاصل الدولة المصرية وسيطرتهم على قطاعاتها الحيوية... لكن إرادة الشباب كانت أقوى.. فرحل مبارك من الباب الضيق بعد أن كان رمزا من رموز الجيش المصري الذي أنجبته ثورة الضباط الأحرار، واستبشر الجميع خيرا أن نفض الشعب المصري (الغلبان) عار التطبيع وشنار الذل الذي ألصقه به مبارك مع أنه يعرف تماما عزة نفسه التي لم يستطع كسرها أحد، فأراد مبارك استعباده ربما تأسيا بفراعنة مصر القدماء... لكن الفرعون سقط في البحر أغرقته حناجر شعب أخذ صلابته من أهراماته التي استنزف الفراعنة دماءه في بنائها... كانت مصر ولازالت ولاّدة لأبطال دخلوا تاريخ الوطن والإنسانية، وهاهي تكشف عن شباب واع وقوي ومخلص كان الغافلون يظنونه يعبث على (الفايسبوك). لقد عرف الشباب المصري كيف يجعل من الثورة التقنية ثورة شعب... وكانت ثورة يناير ثورة على الدكتاتورية والخوف .. وككل حركة ثورية لم يهنأ الشعب المصري بحصد نتائجها دخل بعض الفلول من نوافذ الأخطاء التي وقع فيها بعض المخلصين من أبناء الأمة وانتهت الأحداث إلى ما نسمع ونشاهد. صحيح أن الحكم انتهى إلى الإخوان (الذين كشفوا وجههم الحقيقي ربما) وكانت هذه نتيجة الاحتكام إلى الصندوق وإلى الديمقراطية... لكن يبدو أن هذه النتيجة أزعجت (العسكر) وأزعجت بعض أدعياء الديمقراطية (ديمقراطية أنا أو لا أحد). في كل الدول العربية أوصياء على (الحكم) يتميزون بالغرور والتعالي، وينظرون إلى الآخر باستخفاف ويتهمونه بالقصور وهم يتربصون به للحجر عليه متى ما سنحت الفرصة، فتجدهم يكيدون له كيدا وبكل وسيلة، مسلحين بأفكارهم الممسوخة وأصدقائهم الطامعين حتى لو كانت خسيسة ودنيئة ولا تليق بأوطانهم... وهكذا حشدت الجماهير في الثلاثين من جوان لتطلب برحيل الرئيس الذي انتخبه ثلثا الشعب المصري؟؟؟ لقد لعب العسكر لعبته وحمل عصاه (يوم الزينة) وحشر الناس ضحى، ولم تكن عصاه هي عصا موسى بل كانت ثعبانا التف باحترافية حول رقبة مرسي فأرداه خارج القصر مستغلا بذلك ثقة المصريين في أبنائه وأخطاء مرسي التي كان لابد أن تكون، فما قيمة سنة في عمر الشعوب؟؟؟ بل ما قيمة خمس سنوات ؟؟؟ إنها فترة لا تكفي لدراسة المشاكل المطروحة فما بالك بحلها؟؟ وهل كان مرسي قد حكم ثلاثين سنة لكي يستفيد من أخطائه أو يتدارك أمرهّ؟؟ وهل كان مبارك (غير خطّاء) طوال ثلاثين سنة من حكمه الرشيد؟؟ فلماذا لم يتدخل الجيش لتقويم الاعوجاج في حينه؟؟ أم أن رعب الإسلاميين سكن بعض الخارجين على شعوبهم؟؟؟ للإخوان أخطاؤهم ككل البشر، لكن هل يعتقد خصومهم أنهم من الملائكة كما فعل أحدهم عندما تدخل على المباشر في قناة الجزيرة ليقول إن الإخوان يقولون إن الدنيا لا تساوي جناح بعوضة فكيف يتقاتلون على السلطة؟؟ وماذا تريدهم أن يفعلوا وهم بشر يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق... تريدون منهم أن يزهدوا ويعتكفوا في المساجد بينما تطوفون على رزق شعوبكم وهم نائمون؟؟؟ أليس من عقيدتهم (من رأى منكم منكرا) أم تريدون أن يغيروا فقط بأضعف الإيمان؟؟؟ إن مصر لا تسحق ما فعل بها (العسكر)، ومهما كان الإسلاميون متطرفين أو محتالين أو مستغلين فإنهم خضعوا للعبة الديمقراطية حتى لو كانوا لا يؤمنون بها، ولو كان من دبروا لمكيدة تنحية مرسي وسرقة الثورة من أحضان الشباب (يحبون مصر) لتركوا لهم المجال يثبتون فيه نجاحهم أو فشلهم وعندئد فإن من انتخبهم هو من يسقطهم بل ويلعنهم؟؟؟ إن استباق الأحداث والانقلاب على الشرعية في مصر وقبلها في غزة يوضح بجلاء مدى بعد العرب عن الديمقراطية ومدى تبعيتهم واعتمادهم على الأجانب والأكثر عدم نضجهم السياسي وسذاجتهم وغوغائيتهم. والآن وقد عادت مصر إلى البداية وربما إلى(النهاية) ما هو المطلوب من الشعب المصري؟؟ أن يصوم (ونحن على أبواب شهر رمضان) ويعتكف في الشوارع ليلا ونهارا؟؟؟ من أجل أن يتربع الأوصياء على العرش؟؟ بدل أن يوفروا قوته الذي ليس سوى (رغيف عيش)، فالأوضاع الاقتصادية في مصر لا تحتمل انتخابات مبكرة، فضلا عن الفوضى.. في مصر يحتاج الناس إلى التلاحم والتضامن والعمل الدؤوب ليقفوا بثورتهم الرائعة على بر الأمان.. في مصر كما في معظم الوطن العربي شعب عظيم يرفض التطرف (الموجود عند الإسلاميين) كما يرفض العصا (التي يرفعها العسكر).. الشعوب العربية الآن تبحث عن (وطنيين) لا أكثر وهم كثيرون وموجودون ولكن (هؤلاء وهؤلاء) يزيحونهم بمكرهم (الإسلاميين) وبتغلغلهم في دواليب السلطة (العسكريين وبقايا الأنظمة السابقة التي تخرج من النوافذ لتعود من الأبواب). ليعلم لهؤلاء وهؤلاء أن الانفتاح الإعلامي لم يترك لهم حتى ورقة التوت ليداروا بها أنانيتهم وتعطشهم للسلطة ولو على حساب شباب الأمة... والإسلاميون لن يقيموا جنة الله على الأرض، أما العسكر فمادام لم يلتزم الحياد فلن يكون أرحم منهم ولو كان هؤلاء وهؤلاء يحبون مصر (وليس السلطة) لتركوا الأمور تجري بشفافية وصبروا وقتا أطول لعل الأمور تسير إلى الأحسن. لكن حدث ما حدث، وكم نتمنى ألا تنزلق الأوضاع إلى ما هو أخطر ويصبح المصريون وبعد أن خرجوا للمطالبة بالحرية والكرامة غير آمنين حتى على أرواحهم ودمائهم... نتمنى أن تحبوا مصر أكثر من الكرسي (أيها المتنافسون على السلطة) وتبتعدوا عن العناد الذي يدمر البلاد والعباد. وأخيرا قد تكون نظرتنا لما يجري في مصر(وفي أي وطن عربي) ساذجة وفيها نقص وسطحية لعدم كفاية المعلومات وكثرة (الخبايا) لكن يبقى رأينا هو أن نحافظ على أوطاننا ومواطنينا (ونحن ساذجون) أحسن من أن نحرقه ونحرقهم (بفهامتنا الزايدة) والتاريخ سيكشف الوطنيين والمخلصين ولو بعد حين حتى لو كنا لم نعد نثق في التاريخ أيضا.