سلّطت دراسة علمية فريدة الضوء على تأثر اللغة الأوكرانية بنظيرتها العربية، وبالحضارة الإسلامية التي جاورتها قرونا ولا تزال. وبفعل حركة المثاقفة التاريخية دخلت المئات من الكلمات والمصطلحات العربية كمفردات متداولة، وباتت جزءا من الأوكرانية في أبرز قواميسها. وبينت الدراسة التي أنجزها د. أمين القاسم الباحث في تاريخ إقليم شبه جزيرة القرم والمنطقة، وجود نحو مائتي كلمة أوكرانية مقتبسة من اللغة العربية، إضافة إلى نحو ثمانين مصطلحا إسلاميا شهيرا عند العرب وغيرهم من الشعوب الإسلامية المجاورة يتم تداوله في اللغة الأوكرانية. ويشير القاسم في دراسته إلى أن تأثر الأوكرانية باللغة العربية جاء بفعل أربعة عوامل رئيسية، أبرزها وجود التتار المسلمين في القرم الذي يتبع اليوم لأوكرانيا، وكان ولاية تابعة للدولة العثمانية لمدة تقارب أربعة عقود (بين القرنين العاشر والخامس عشر للميلاد). ومن طرق التأثر تبرز أيضا التجارة مع الدولة العثمانية، وحروب مملكة (كييف روس) (880-1240 للميلاد) -التي كانت أجزاء واسعة من أوكرانيا جزءا منها- مع الأتراك العثمانيين، إضافة إلى جهود العلماء والمثقفين والمستشرقين والشعراء والأدباء في ترجمة الكتب العربية والإسلامية إلى الأوكرانية. وأوضح القاسم أنه اختار دراسة تأثر الأوكرانية كمثال قريب على تأثر لغات عرق (السلاف)، كالروسية والبيلاروسية والبولندية والسلوفاكية والبلغارية، باللغة العربية. ونوه إلى أن تأثر الأوكرانية وغيرها من لغات الدول المجاورة يعتبر ضعيفا إذا ما قورن بتأثر لغات أخرى كالإسبانية والبرتغالية والفرنسية والإنجليزية، وذلك لأن العرب والمسلمين لم يعيشوا على الأراضي الأوكرانية كما عاشوا في تلك الدول، إلا في القرم. ويستعرض القاسم بعض الكلمات الأوكرانية ذات الأصول العربية الإسلامية، مع الإشارة إلى معانيها الواردة في (القاموس الكبير لكلمات اللغة الأوكرانية) الصادر في عام 2009. وباستعراضه يشير إلى أن هذه الكلمات دخلت الأوكرانية محافظة على معانيها دون تغير كبير طرأ عن لفظها العربي، ككلمات عبد وعادات وحريم ودرويش وجامع وجزية وجن وجهاد وإمام وقاضي وكلام وقبة والمحمدون (أتباع النبي محمد) ومهر ومدرسة ومسجد ومنارة ومنبر ومجاهد ومحرم وصوفية وهجرة والخراج وحافظ (القرآن) والشيطان والشريعة والقانون وشيخ وشريف وفقير وقهوة وسكر وصندوق وحنة وقماش وحشيش وميدان، وغيرها. لكن القاسم يلفت إلى أن تشويها شاب ترجمة معاني العديد من الكلمات والمصطلحات بسبب سوء الفهم وغياب التدقيق عند الترجمة غالبا، أو حتى اختلاف فهم العرب والمسلمين لها. ومن هذه الكلمات على سبيل المثال كلمة (خبر)، التي تعني الرشوة في القاموس، وذلك لكون الخبر الثمين عن العدو بحاجة إلى رشوة وشراء ذمة. وتأتي كذلك كلمة (أمانات)، التي تعني الأسرى، وهي مأخوذة من كون الأسير أمانة يجب المحافظة عليها في الإسلام. كما تبرز كلمة (زكاة)، التي يشرحها القاموس على النحو التالي: (ضريبة دينية على المسلمين، فرضت في البداية صيانة للرسول محمد وعائلته، وأيضا لمساعدة الفقراء والمسافرين، الذين يقودون الحرب المقدسة، وهي اليوم صدقة تطوعية لرجال الدين). أما معنى كلمة (الجزية) فيشرحه القاموس بالآتي: (تعني العشر، وهو ما يدفعه الذكور غير المسلمين في الإمبراطورية العثمانية والقرم والدول التابعة لهم). ومعنى كلمة (مجاهدون) يفسر بما يلي: (هم العلماء والقضاة الذين بلغوا أعلى درجة المعرفة بالشريعة الإسلامية). ويختم القاسم حديثه عن الدراسة بالقول: (اللغة العربية لغة حية مؤثرة، ساعد الإسلام والحضارة الإسلامية على نشرها، ولعبت الجغرافيا والسياسة دورا في دخول الكثير من كلماتها إلى اللغات السلافية، ومنها الأوكرانية).