علاقة المرأة بالمطبخ متلازمة فطرية، وهي في شهر رمضان أشد تلازما، والمرأة الجزائرية مثلا تقضي وقتا طويلا وهي تتفنن في إعداد ما لذ وطاب من طعام، لها فيه أجر وهي تفطر الصائمين، ولها فيه سعادة أيضا تنسيها متاعب الأيام، مشوار تبدؤه من السوق صباحا لغاية آخر طبق تغسله في المطبخ ليلا.. هن سيدات ربات بيوت جمعنا وإياهن مشوار الحافلة ودردشنا معهن حول يومياتهن الرمضانية. عائشة وجميلة "سلايف" جمعهما المطلوع تقول عائشة 38 سنة ربة بيت وأم لثلاثة أبناء إن رمضان بالنسبة إليها فرصة لتضاعف ربحها من خبز المطلوع، حيث تبدأ عملها من الخامسة صباحا بعد السحور وتحضر عجينها لتنتهي على الساعة الحادية عشرة قبل الظهر من إعداد 100 إلى 150 خبزة من المطلوع يوميا، ثم تبيعها ب 20 دج للواحدة، وهي هكذا تساهم في رفع ميزانية عائلة من خمسة أفراد. كانت تتحدث وتوشوش لنا وأحيانا تهمس همسا في أذننا وكأنها تحكي أسرارا، أو أنها لا ترغب أن يعرف الناس أنها تبيع المطلوع. تتابع عائشة حديثها السري والابتسامة الساذجة لا تفارقها وتجيب عن أسئلتنا وأحيانا لا نتمكن من سماع وشوشتها، إذ يشوش علينا ضجيج الحافلة المكتظة، سألناها عن رأي زوجها في عملها هذا قالت إنه لا يمانع طبعا، "وهو سعيد لأنني أساعده في مصروف البيت وألبي احتياجات أفراد العائلة (والسقايط) في السهرة (ضاحكة)، أما المساء فهو لطعام الإفطار الذي يكون منوعا، وفي الليل أستمتع كثيرا بمتابعة ما تبثه القنوات الوطنية من السكاتشات بدءا بعمارة الحاج لخضر، وفي حدود منتصف الليل أخلد للنوم لغاية موعد السحور، ليبدأ نهاري بعد صلاة الفجر من جديد مع المطلوع). إلى جانب عائشة تجلس (سليفتها) جميلة ذات الأربع والثلاثين سنة، تصنع المطلوع هي أيضا اقتداء بعائشة، وهي كما تقول خير من العمل خارج البيت ونساعد أنفسنا وأزواجنا ولو بالقليل الذي نجنيه ف 500 دج مثلا وهو المتوسط الذي نكسبه يوميا من عرق جبيننا فيه (البركة) والحمد لله، معقبة (خير من القعاد). فتيحة أجد سعادتي بين "المارشي والكوزينة" سيدة خمسينية وأم لأربعة أبناء تتحدث وهي مرتاحة وسعيدة بما تقوم به من أجل أسرتها في رمضان، بحيث لا يرضيها إلا أن تتولى هي (القضيان) كله، ولا تحبذ أن يتولاه زوجها عنها لأنها كما يقول المثل المصري (جوزك على ما تعوديه). تعودت على ذلك منذ زواجها، ثم تتولى لوحدها مباشرة مهمة إعداد مائدة الإفطار، وإرضاء معدات الجميع بما يشتهون بعد طول الصيام، وكذا كسكسي الزبيب واللبن في السحور، تقول فتيحة إن قطع المسافات الطويلة كل يوم مع حر الصيف وطول نهاره لا يشكل أية مشكلة لديها، وفي الليل تحلو لها السكاتشات الرمضانية الوطنية. (باية) سعيدة هي من أنجبت البنات، في طريقها إلى سوق بئر خادم الذي تفضله لأسعاره المعقولة، تقول إنها تتعب كثيرا في رمضان، كونها أنجبت 4 ذكور وبنت واحدة متزوجة، هي في خدمة متواصلة تلبي طلبات العائلة ورغبات كل فرد وكل وشروطه وذوقه، وهي كأم لا تستطيع إلا أن تلبي ما يرغبه أولادها العزاب. تقول باية وبعض من الحسرة بادية على وجهها أبنائي لا يرغبون حاليا في الزواج، فكل أماني أن تكون لي كنة اعتبرها كابنتي لتتحمل عني جزءا من الأعباء الكثيرة، وخاصة في رمضان. سألناها هل يساعدك أبناؤك الذكور على الأقل في غسل الأطباق كونك وحدك، تقول لا أبدا ولا مرة يفطرون ثم ينفضّون عن المائدة ويتركونها لي وقد نال مني التعب وأستسلم للنوم، حتى وقت السحور أقوم بتحضيره ليبدأ يوم آخر من السوق إلى المطبخ. كثيرات هن هؤلاء النسوة اللواتي تقف عليهن الأسرة على قدمها متماسكة وإن ادلهمت بها الخطوب والمصاعب، وهن عمودها المتين الذي إن حرمت منه أو وهن لن يصمد المجتمع ولن يستقيم. فالملاحظ في حديثهن، أنهن يتحملن جل أعباء الأسرة لوحدهن والزوج غائب أو يكاد عن المشهد اليومي المتكرر، سواء في رمضان أو في غيره من الشهور، قالت فتيحة مثلا إن زوجها لا يحسن القضيان ويشتري ما لا أحتاجه وبالزيادة. فهل هي خاصية جزائرية محضة وتنشئة اجتماعية قائمة على تقديس الذكر وتسخير الأنثى، أم هي المرأة عندنا تحب التحدي وتتحمل من أجل ذلك العناء، خاصة إذا كانت تعمل خارج البيت فتضيف إلى شغل البيت والتسوق وتربية الأبناء التي تنال منها أعباء الوظيفة وهمومها.